الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَلَا بَيْعُ السِّلَاحِ فِى الْفِتْنَةِ، وَلَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ.
ــ
يَحْرُمُ ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أشْبَهَ البَيْعَ. ولَنا، أنَّ النَّهْىَ مُخْتَصٌّ بالبَيْعِ، وغيرُه لا يُسَاوِيه في الشَّغْلِ عن السَّعْىِ؛ لِقِلَّةِ وجُودِه، فلا يُؤَدِّى إلى ترْكِ الجُمُعَةِ، فلا يَصِحُّ قِياسُه على البَيْعِ.
1583 - مسألة: (ولا يَصِحُّ بَيْعُ العَصِيرِ لمَن يَتَّخِذُه خَمْرًا، ولا بَيْعُ السِّلاحِ في الفِتْنَةِ، ولا لأَهْلِ الحَرْبِ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ مع التَّحْرِيمِ)
بَيْعُ العَصِيرِ مِمَّن يَعْتَقِدُ أنَّه يَتَّخِذُه خَمْرًا، مُحَرَّمٌ. وكَرِهَهُ الشافِعِىُّ. وذَكَرَ بعضُ أَصْحابِه أنَّ البائِعَ إذا اعْتَقَدَ أنَّه يَعْصِرُهُ (1) خَمْرًا، مُحَرَّمٌ، وإنّما يُكْرَهُ إذا شَكَّ فيه. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عن الحَسَنِ، وعَطاءٍ، والثَّوْرِىِّ، أنَّه لا بَأْسَ بِبَيْعِ التَّمْرِ مِمَّن يَتَّخِذُه مُسْكِرًا. قال
(1) في م: «يصيره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّوْرِىُّ: بعِ الحَلالَ مَن شِئْتَ؛ لقَوْلِ اللَّهِ تَعالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1). ولأنَّ البَيْعَ تَمَّ بأرْكَانِه وشُرُوطِه. ولَنا، قولُ اللَّهِ تَعالَى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} . وهذا نَهْىٌ يَقْتَضِى التَّحْرِيمَ. وقد رَوَى ابنُ عَبّاسٍ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أتَاهُ جِبْرِيلُ، فقال: يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الخَمْرَ، وعاصِرَها، ومُعْتَصِرَها، وحامِلَها، والمَحْمُولَةَ إليه، وشارِبَها، وبائِعَها، ومُبْتَاعَها، وسَاقِيَها. وأشارَ إلى كُلِّ مُعَاوِنٍ عليها ومُسَاعِدٍ فيها. أَخْرَجَه التِّرْمِذِىُّ (2) من حَدِيثِ أنَسٍ، قال (3): وقد رُوِى هذا الحَدِيثُ عن ابنِ عباسٍ (4)، وابنِ عمرَ (5) عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. ورَوَى ابنُ بَطَّةَ بإسْنَادِه عن محمدِ بنِ سيرِينَ، أنَّ قَيِّمًا كان لسَعْدِ بنِ أبى وَقّاصٍ في أَرْضٍ له، وأَخبَرَه عن عِنَبٍ أنَّه لا يَصْلُحُ زَبِيبًا، ولا يَصْلُحُ أن يُباعَ إلَّا لمَن يَعْصِرُه، فأمَرَهُ بقَلْعِه، وقال: بِئْسَ الشَّيْخُ أنا إن بِعْتُ
(1) سورة البقرة 275.
(2)
في: باب النهى أن يتخذ الخمر خلا، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 295.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب لعنت الخمر على عشرة أوجه، من كتاب الأشربة. سنن ابن ماجه 2/ 1122.
(3)
سقط من: م.
(4)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 316.
(5)
أخرجه أبو داود، في: باب في العنب يحصر للخمر، من كتاب الأشربة. سنن أبى داود 2/ 292. وابن ماجه، في: باب لعنت الخمر على عشرة أوجه، من كتاب الأشربة. سنن ابن ماجه 2/ 1121، 1122. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 25، 71، 97.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخَمْرَ (1). ولأنّه يَعْقِدُ عليها لمَنِ يَعْلَمُ أنّه يُرِيدُها للمَعْصِيَةِ، فأشْبَهَ إِجارَةَ أمَتِه لمَن يَعْلَمُ أنَّه يَسْتَأْجِرُها للزِّنَى بها. والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بصُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فيُخَصُّ منها صُورَةُ النِّزَاعِ بدَلِيينا. وقَوْلُهم: تمَّ البَيْعُ بشُرُوطِه وأرْكانِه. قلنا: لكنْ وُجِدَ المانِعُ منه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّما يَحْرُمُ البَيْعُ إذا عَلِمَ البائِعُ قَصْدَ المُشْتَرِى ذلك، إمّا بقَوْلِه، أو بقَرَائِنَ مُحْتَفَّةٍ به (2) تَدُلُّ عليه. وإنْ كانَ الأَمْرُ مُحْتَمِلًا، كمَن لا يَعْلَمُ حالَه، أو مَن يَعْمَلُ الخَلَّ والخَمْرَ مَعًا، ولم يَلْفِظْ بما يَدُلُّ على إرادَةِ الخَمْرِ، فالبَيْعُ جائِزٌ. فإن باعَهَا لِمَن يَتَّخِذُهَا خَمْرًا، فالبَيْعُ باطِلٌ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ. وهو مَذْهَبُ الشّافِعِىِّ، لأَنَّ المُحَرَّمَ في ذلك اعْتِقادُه بالعَقْدِ دُونَه، فلم يَمْنَعْ صِحَّةَ العَقْدِ، كما لو دَلَّسَ العَيْبَ. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ على عَيْنٍ لمَعْصِيَةِ اللَّهِ تعالى بها، فلم يَصِحَّ، كإِجَارَةِ الأَمَةِ للزِّنَى والغِناءِ. وأَمَّا التَّدْلِيسُ فهو المُحَرَّمُ دُونَ العَقْدِ. ولأنَّ التَّحْرِيمَ هنا لِحَقِّ اللَّهِ تعالى، فأفْسَدَ العَقْدَ، كبَيْعِ الرِّبَا، وفارَقَ التَّدْلِيسَ، فإنَّه لِحَقِّ آدَمِىٍّ.
فصل: وهكذا الحُكْمُ في كُلِّ ما قُصِدَ به الحرامُ، كبَيْعِ السِّلاحِ في الفِتْنَةِ، أو لأَهْلِ الحَرْبِ، أو لقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وبَيْعِ الأَمَةِ للغِنَاءِ،
(1) أخرجه النسائى، في: باب الكراهية في بيع العصير، من كتاب الأشربة. المجتبى 8/ 294. وعبد الرزاق، في: باب العصر ضربه وبيعه، من كتاب الأشربة. مصنف عبد الرزاق 9/ 218. وابن أبى شيبة، في: باب في بيع العصير، من كتاب البيوع والأقضية. مصنف ابن أبى شيبة 6/ 598.
(2)
في م: «بقوله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو إجارَتِهَا لذلك، فهو حَرَامٌ، والعَقْدُ باطِلٌ، لِما قَدَّمْنَا. قال ابنُ عَقِيلٍ: وقد نَصَّ أحمدُ على مسائِلَ نَبَّهَ بها على ذلك، فقال في القَصّابِ والخَبَّازِ إذا عَلِمَ أنَّ مَن يَشْتَرِى منه يدعو عليه مَن يَشرَبُ المُسكِرَ: لا يَبِيعُه، ومَن يَخْرطُ الأَقْدَاحَ لا يَبِيعُها لمَن يَشْرَبُ فيها. ونَهَى عن بَيْعِ الدِّيباجِ للرِّجالِ، ولا بَأْسَ ببَيْعِه للنِّساءِ. ورُوِىَ عنه: لَا يَبِيعُ الجَوْزَ مِن الصِّبْيَانِ للقِمارِ. وعلى قِياسِهِ البَيْضُ، فيكونُ بَيْعُ ذلك كُلِّه باطِلًا.
فصل: قال أحمدُ في رَجُلٍ ماتَ وخَلَّفَ جاريةً مُغَنَيةً، ووَلَدًا يَتِيمًا، وقد احْتَاجَ إلى بَيْعِها، قال: يَبِيعُها على أَنَّها ساذِجَةٌ. فقيلَ له: إنَّها تُسَاوِى ثلاثِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، فإذا بيعَتْ ساذِجَةً تُسَاوِى عِشْرِين دِينارًا. فقال: لا تُبَاعُ إلَّا على أنَّها ساذِجَةٌ. وَوَجْهُهُ ما روَى أبو أُمامَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لا يَجُوِزُ بَيْعُ المُغَنِّيَاتِ ولا أَثْمانُهُنَّ وَلا كَسْبُهُنَّ» . قال التِّرْمِذِىُّ (1): لا نعْرِفُه إلَّا مِن حَدِيثِ عَلِىِّ بن يَزِيدَ، وقد تَكَلَّمَ فيه بعضُ أَهْلِ العِلْمِ. وَرواهُ ابنُ ماجه (2). وهذا يُحْمَلُ على بَيْعِهِنَّ لأجْلِ الغِناءِ، فأمّا مالِيَّتُهُنَّ الحاصِلةُ بغيرِ الغِناءِ فلا تَبْطُلُ، كبَيْعِ العصيرِ لمَن لا يَتَّخِذُه
(1) في: باب ما جاء في كراهية بيع المغنيات، من أبواب البيوع. وباب تفسير سورة لقمان، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 5/ 281، 282، 12/ 72، 73.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 252، 257، 264، 268.
(2)
في: باب ما لا يحل بيعه، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 732.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خَمْرًا، فإنَّه لا يَحْرُمُ لصَلَاحِيَتِه للخَمْرِ.
فصل: ولا يَجُوزُ بَيْعُ الخَمْرِ، ولا التَّوَكُّلُ في بَيْعِه ولا شِرَائِه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ أهل العِلْمِ على أنَّ بَيْعَ الخَمْرِ غيرُ جائِزٍ. وعندَ أبى حَنِيفَةَ، يَجُوزُ للمُسْلِم أَنْ يُوَكِّلَ ذِمِّيًّا في بَيْعِها وشِرَائِها. ولا يَصِحُّ، فإنَّ عائِشَةَ رَوَتْ أنّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«حُرِّمَتِ التِّجَارَةُ فِى الخَمْرِ» (1). وعن جابِرٍ أنَّه سَمِعَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عامَ الفَتْحِ، وهو بمَكَّةَ يقولُ:«إنَّ اللَّهَ ورَسُولَه حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ والمَيْتَةِ والخِنْزِيرِ والأَصْنَامِ» . فقيل: يا رسولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فإنَّه تُطْلَى بها السُّفُنُ، وتُدْهَنُ بها الجُلُودُ، ويَسْتَصْبِحُ بها النّاسُ؟ فقال:«لا، هو حَرامٌ» . ثم قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ، إنَّ اللَّهَ تَعالَى حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَها، فجَمَلُوهُ، ثم
(1) أخرجه البخارى، في: باب تحريم تجارة الخمر في المسجد، من كتاب الصلاة، وباب آكل الربا وشاهده وكاتبه. . .، وباب تحريم التجارة في الخمر. . .، من كتاب البيوع، وفى: باب: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . . .، وباب:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} ، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 1/ 124، 3/ 77، 108، 6/ 40. ومسلم، في: باب تحريم بيع الخمر، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1206. وأبو داود، في: باب في ثمن الخمر والميتة، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 251. والترمذى، في: باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 300. والنسائى، في: باب النهى عن الانتفاع بشحوم الميتة، وباب بيع الخنزير، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 272، 273. وابن ماجه، في: باب التجارة في الخمر، من كتاب الأشربة. سنن ابن ماجه 2/ 1122. والدارمى، في: باب في النهى عن بيع الخمر، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 255. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 324، 326.