الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمُوَاضَعَةُ؛ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَهُ بِهَا، وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ. فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا. وَإِنْ قَال: وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ. لَزِمَهُ تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ.
ــ
1651 - مسألة: (والمُوَاضَعَةُ؛ أنْ يَقُولَ: بِعْتُكَهُ بها، وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ من كُلِّ عَشَرَةٍ. فَيَلْزَمُ المُشْتَرِيَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا)
المُواضَعَةُ؛ أنْ يُخْبِرَ برَأْسِ مالِه، ويقُولَ: بِعْتُكَ هذا به، وأضَعُ لَكَ عَشَرَةً. فيَصِحُّ من غيرِ كَراهَةٍ. وإنْ قال: بوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ من كُلِّ عَشَرَةٍ. كُرِهَ؛ لِما ذَكَرْنَا في المُرَابَحَةِ، وصَحَّ. فإذا كان رَأْسُ مالِه مائَةً، لَزمَهُ تِسْعُونَ، ويكونُ الحَطُّ عَشَرَةً. وقال قوْمٌ: يكونُ الحَطُّ دِرْهَمًا من كُلِّ أحَدَ عَشَرَ، فيكونُ ذلك تِسْعَةَ دَراهِمَ وجُزْءًا من أحَدَ عَشَرَ جُزْءًا من دِرْهَمٍ، ويَبْقَى تِسْعُونَ وعَشَرَةُ أجْزَاءٍ من أحَدَ عَشَرَ جُزْءًا من دِرْهَمٍ. وهذا غَلَطٌ؛ لأَنَّ هذا يكونُ حَطًّا من كُلِّ أحَدَ عَشَرَ، وهو غيرُ ما قَاله (فأمّا إنْ قال: بوَضِيعَةِ دِرْهَم لكُلِّ عَشَرَةٍ) كانتِ الوَضِيعَةُ من كُلِّ أحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، ويكونُ الباقِي تِسْعِينَ وعَشَرَةَ أجْزاءٍ من أحَدَ عَشَرَ جُزْءًا من دِرْهَمٍ. وهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ، والشّافِعِيِّ. وحُكِيَ عن أَبِى ثَوْرٍ، أنَّه قال: الحَطُّ ههُنا عَشَرَةٌ مثلُ الأُولَى. ولا يَصِحُّ، فإنَّه إذا قال: لكُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمٌ، يكونُ الدِّرْهَمُ من غيرِها، فكَأَنَّه قال: من كُلِّ أحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ. وإذا قال: من كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا. كان الدِّرْهَمُ من العَشَرَةِ (1)، لأَنَّ «مِنْ» للتَّبْعِيضِ، فكَأَنَّه قال: آخُذُ من العَشَرَةِ تِسْعَةً، وأحُطُّ منها دِرْهَمًا.
فصل: فإنْ باعَهُ السِّلْعَةَ مُرَابَحَةً، مثلَ أنْ يُخْبِرَه أنَّ ثَمَنَها مائَةٌ، ويَرْبَح عَشَرَةً، ثم عَلِمَ بِبَيِّنَةٍ أو إقْرَارٍ أنَّ ثَمَنَهَا تِسْعُونَ، فالبَيعُ صَحِيحٌ؛ لأنَّه زِيادَةٌ في الثَّمَنِ، فلم يَمْنَعِ الصِّحَّةَ، كالعَيبِ، وللمُشْتَرِي الرُّجُوعُ على البائِع بما زادَ في الثَّمَنِ، وهو عَشَرَةٌ، وحَطُّها من الرِّبْحِ، وهو دِرْهَمٌ. فيَبْقَى على المُشْتَرِي تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ دِرْهَمًا. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، وابنُ أبي لَيلَى. وهو أحَدُ قوْلَي الشّافِعِيِّ. وقال أبو حَنِيفَةَ: يُخَيَّرُ بين الأَخْذِ بكُلِّ الثَّمَنِ، أو يَتْرُكُ، قِياسًا على المَعيبِ (2). ولَنا، أنّه باعَهُ برأْسِ مالِه وما قَدَّرَهُ من الرِّبْحِ، فإذا بانَ رَأْسُ مالِه قَدْرَه (3)، كان مَبِيعًا به وبالزِّيَادَةِ التي اتَّفَقَا
(1) في م: «العدة» .
(2)
في الأصل، ق، م:«المبيع» .
(3)
في الأصل، ق، م:«قدرا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليها، والمَعِيبُ كذلك عِنْدَنا، فإنَّ له أَخْذَ الأَرْشِ، ثم الفَرْقُ بَينَهما أنَّ المَعِيبَ لم يَرْضَ به إلَّا بالثَّمَنِ المَذْكُورِ، وههُنا رَضِيَ فيه برَأْسِ المالِ والرِّبْحِ المُقَدَّرِ. وهل للمُشْتَرِي الخِيارُ؟ فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ أنَّ المُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بينَ أخْذِ المبيعِ برأْسِ مالِه وحِصَّتِه مِن الرِّبْحِ، وبينَ تَرْكِه. نَقَل ذلك حَنْبَلٌ. وهو قولٌ للشافعيِّ؛ لأنَّ المشْتَرِيَ لا يَأْمَنُ الخِيَانَةَ في هذا الثَّمَنِ أيضًا، ولأنَّه رُبَّمَا كان له غرَضٌ في الشِّراءِ بذلك الثَّمَنِ؛ لكَوْنِه حالِفًا، أو وَكِيلًا، أو غيرَ ذلك. فظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ أنَّه لا خِيَارَ له. وحُكِيَ قَوْلًا للشّافِعِيِّ؛ لأَنَّه رَضِيَه بمائَةٍ وعَشَرَةٍ، فإذا حَصَلَ له بدونِ ذلك فقد زادَه خَيرًا، فلم يَثْبُتْ له الخِيَارُ، كما لو اشْتَرَاهُ على أنَّه مَعِيبٌ، فبانَ صَحِيحًا، أو وُكِّلَ في شِراءِ مُعَيَّنٍ بمائَةٍ، فاشْتَراهُ بتِسْعِينَ. وأمّا البائِعُ فلا خِيارَ له؛ لأَنَّه باعَهُ برأْسِ مالِه وحِصَّتِه من الرِّبْحِ، وقد حَصَلَ له ذلك.
فصل: وإن قال في المُرَابَحَةِ: رَأْسُ مالِي فيه مائَةٌ، وأَرْبَحُ عَشَرَةً. ثم قال: غَلِطْتُ، رَأْسُ مالِي فيه مائَةٌ وعَشَرَةٌ. لم يُقْبَلْ قَوْلُه إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أنَّ رَأْسَ مالِه عليه ما قاله ثانِيًا. ذَكَرَهُ ابنُ المُنْذِرِ، عن أحمدَ، وإسحاقَ. ورَوَى أبو طالِبٍ عن أحمدَ، إذا كان البائِعُ مَعْرُوفًا بالصِّدْقِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُبِلَ قَوْلُه، وإنْ لم يكُنْ صَدُوقًا، جازَ البَيعُ. قال القاضِي: وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّ القَوْلَ قَوْلُ البائِعِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه لَمَّا دَخَلَ معه في المُرَابَحَةِ فقد ائْتَمَنَهُ، والقَوْلُ قَوْلُ الأمِينِ مع يَمِينِه، كالوَكِيلِ والمُضارِبِ. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ، وكَوْنُ البائِعِ مُؤْتَمَنًا لا يُوجِبُ قَبُولَ دَعْواهُ في الغَلَطِ، كالمُضارِبِ إذا أقَرَّ برِبْحٍ، ثم قال: غَلِطْتُ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ ثالِثَةٌ، أنَّه لا يُقْبَلُ قولُ البائِعِ وإنْ أقامَ بَيِّنَةً، حتى يُصَدِّقَه المُشْتَرِي. وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، والشّافِعِيِّ؛ لأَنَّهُ أَقَرَّ بالثَّمَنِ، وتَعَلَّقَ به حَقُّ الغَيرِ، فلا يُقْبَلُ رجُوعُه وإنْ أقامَ بَيِّنَةً؛ لإِقْرَارِه بكَذِبِها. ولَنا، أنّها بَيِّنَةً عادِلَةٌ، شَهِدَتْ بما يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، فتُقْبَلُ، كَسائِرِ البَيِّنَاتِ. ولا نُسَلِّمُ أنَّهُ أَقَرَّ بخِلافِها؛ فإنَّ الإِقْرَارَ يكونُ لغيرِ المُقِرِّ، وحالةَ إخْبارِه بِثَمَنِها لم يكنْ عليه حَقٌّ لغَيرِه، فلم يكُنْ إقْرارًا. فإنْ لم تكُنْ له بَيِّنَةٌ، أو كانت له بَيِّنَةٌ، وقُلْنا: لا تُقْبَلُ. فادَّعَى أنَّ المُشْتَرِيَ يَعْلَمُ غَلَطَه، فأنْكَرَ المُشْتَري، فالقَوْلُ قَوْلُه. فإنْ طَلَبَ يَمِينَه، فقال القاضِي: لا يَمِينَ عليه؛ لأَنَّه مُدَّعٍ، واليَمِينُ على المُدَّعَى عليه. ولأَنَّه قد أقَرَّ له، فيَسْتَغْنِي بالإِقرَارِ عن اليَمِينِ. والصَّحِيحُ أنَّ عليه اليَمِينَ أنَّه لا يَعْلَمُ ذلك؛ لأَنَّه ادَّعَى عليه ما يُلْزِمُه رَدَّ السِّلْعَةِ، أو زِيادَةً في ثَمَنِها، فَلَزِمَهُ اليَمِينُ، كمَوْضِعِ الوفَاقِ. وليس هو ههُنا مُدَّعِيًا، إنَّما هو مُدَّعًى عليه العِلْمُ بمِقْدَارِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ. وإنْ قُلْنا: يُقْبَلُ قولُ البائِعِ. أو قامَتْ له بَيِّنَةٌ بما ادَّعَاهُ، وقلنا: تُقْبَلُ بَيِّنَتُه. فللمُشْتَرِى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنْ يُحَلِّفَهُ أنَّ وَقْتَ ما باعَهَا لم يَعْلَمْ أنَّ شِراءَها أكْثَرُ. ذَكَرَه الخِرَقِيُّ. فإنَّه لو باعَها بدُونِ ثَمَنِها عالِمًا، لَزِمَه البَيعُ بما عَقَدَ عليه؛ لكَوْنِه تَعاطَى سَبَبَه عالِمًا، فلَزِمَه، كمُشْتَرِي المَعِيبِ عالِمًا بعَيبِه. وإذا كان البَيعُ (1) يَلْزَمُه بالعِلْمِ، فادَّعَى عليه، لَزِمَتْه اليَمِينُ، فإنْ نَكَلَ قضى عليه بالنُّكُولِ، وإنْ حَلَفَ، خُيِّرَ المُشْتَرِي بينَ قَبُولِه بالثَّمَنِ والزِّيَادَةِ التي غَلِطَ بها وحَطِّهَا من الرِّبْحِ، وبين فَسْخِ العَقْدِ. قال شَيخُنا (2): ويَحْتَمِلُ أنّه إذا قال: بِعْتُكَ بمائَةٍ ورِبْحِ عَشَرَةٍ. ثم تَبَيَّنَ أنَّه غَلِطَ بعَشَرَةٍ، أنَّه لا يَلْزَمُه حَطُّ العَشَرَةِ مِن الرِّبْحِ؛ لأَنَّ البائِعَ رَضِيَ برِبْحِ عَشَرَةٍ في هذا المَبِيعِ، فلا يكونُ له أكْثَرُ منها. وكذلك إنْ تَبَيَّنَ أنَّهُ زادَ في رَأْسِ المالِ، لا يَنْقُصُ الرِّبْحَ مِن عَشَرَةٍ؛ لأنَّ البائِعَ لم يَبِعْه إلَّا برِبْحِ عَشَرَةٍ. فأمّا إنْ قال: وأرْبَحُ في كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا. فإنَّه يَلْزَمُه حَطُّ العَشَرَةِ من الرِّبْحِ في الصُّورَتَينِ، وإنَّما أَثْبَتْنَا للمُشْتَرِي الخِيارَ؛ لأَنَّه دَخَلَ على أنَّ الثَّمَنَ مائَةٌ وعَشَرَةٌ، فإذا بانَ أكثَر كان عليه ضَرَرٌ في التِزامِه، فلم يَلْزَمْه، كالمَعِيبِ. وإنِ اخْتَارَ أخْذَها بمائَةٍ وأَحَدٍ وعِشْرِينَ، لم يكُنْ للبائِعِ خِيارٌ؛ لأَنَّه قد زادَهُ خَيرًا، فلم يَكُنْ له خِيارٌ، كبائِعِ المَعِيبِ إذا رَضِيَهُ المُشْتَرِي. وإنِ اخْتَارَ البائِعُ إسْقَاطَ الزِّيادَةِ عن المُشْتَرِي، فلا خِيارَ له أيضًا؛ لأنَّه قد بَذَلَها بالثَّمَنِ الذي وَقَعَ عليه العَقْدُ، ورَضِيَا به.
(1) في ر 1: «المبيع» .
(2)
في: المغني 6/ 276.