الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ، وَلَا إِجَارَتُهَا. وَعَنْهُ، يَجُوزُ ذَلِكَ.
ــ
كما فَعَلَ ابنُ مَسْعُودٍ، فهو كِراءٌ لا شِراءٌ، ويَنْبَغِى أن يَشْتَرِطَ بيانَ مُدَّتِه، كسائِرِ الإِجَارَاتِ.
1563 - مسألة: (ولا يَجُوزُ بَيْعُ رِباعِ مَكَّةَ، ولا إِجارَتُها. وعنه، يَجُوزُ ذلك)
اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في بَيْعِ رِباعِ مَكَّةَ وإجارَةِ دُورِها، فرُوِىَ أنَّ ذلك غيرُ جائِزٍ. وهو قولُ أبى حَنِيفَةَ، ومالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، وأبِي عُبَيْدٍ. وكَرِهَه إسحاقُ؛ لِما رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيْب، عن أَبِيهِ، عن جَدِّه، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في مَكَّةَ: «لا تُبَاعُ رِبَاعُها، وَلَا تُكْرَى بُيُوتُها» . رَواهُ الأَثْرَمُ (1). وعن مُجاهِدٍ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«مَكَّةُ حَرامٌ بَيْعُ رباعِها، حرامٌ إجارَتُها» . رَواهُ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ في «سُنَنِه» . ورُوِىَ أَنَّها كانت تُدْعَى السَّوائب، على عَهْدِ رسولِ اللَّهِ
(1) أورده الهيثمى، وقال: رواه الطبرانى في الكبير، وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف. مجمع الزوائد 3/ 297. وأخرجه الحاكم، في: المستدرك 2/ 53.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم. ذَكَرَه مُسَدَّدٌ في «مُسْنَدِه» (1). ولأَنَّها فُتِحَت عَنْوَةً ولم تُقْسَمْ، فصارَت مَوْقُوفَةً، فلم يَجُزْ بَيْعُها، كسائِرِ الأَرْضِ التى فَتَحَها المُسْلِمُون عَنْوَةً ولم يَقْسِمُوهَا. ودَلِيلُ أنّها فُتِحَت عَنْوَةً قولُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عن مَكَّةَ الفِيلَ، وسَلَّطَ عليها رَسُولَه والمُؤْمِنينَ، وإنّها لم تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِى، ولا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِى، وإنَّما حَلَّتْ لي ساعَةً مِن نَهارٍ» . مُتَّفقٌ عليه (2). ورَوَت أُمُّ هانِئٍ، أنَّها قالت: أَجَرْت حَمَوَيْنِ لى، فأَرادَ عَلِىُّ أخِى قَتْلَهما، فأَتَيْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّى أَجرْتُ حَمَوَيْنِ لى، فزَعَمَ ابنُ أمِّى عَلِىٌّ أنّه قاتِلُهما. فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«قد أجَرْنَا مَنْ أجَرْتِ، وأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ» . مُتَّفَقٌ عليه (3). وكذلك أمَرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِ أَرْبَعَةٍ، فَقُتِلَ منهم ابنُ خَطَلٍ، ومِقْيَسُ بنُ
(1) وأخرجه ابن ماجه، في: باب أجر بيوت مكة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1037.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب كتابة العلم، من كتاب العلم، وفى: باب كيف تعرف لقطة مكة، من كتاب اللقطة. صحيح البخارى 1/ 38، 3/ 164، 165. ومسلم، في: باب تحريم مكة وصيدها. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 988، 989.
كما أخرجه أبو داود، في: باب تحريم حرم مكة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 465. والدارمى، في: باب في النهى عن لقطة الحاج، من كتاب. البيوع. سنن الدارمى 2/ 265. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 238.
(3)
تقدم تخريجه في 10/ 343.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صُبَابَةَ (1)، فدَلَّ على أنَّها فُتِحَتْ عَنْوَةً. والرِّوَايَةُ الثانِيَةُ، أنَّه يَجُوزُ ذلك. رُوِى ذلك عن طاوُسٍ، وعَمْرِو بنِ دِينارٍ. وهو قَوْلُ الشّافِعِىِّ، وابنِ المُنْذِرِ. وهو أَظْهَرُ في الحُجَّةِ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لَمّا قيلَ له: أين تَنْزِلُ غَدًا؟ قال: «وهل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِن رِباعٍ؟» . مُتَّفَقٌ عليه (2). يَعْنِى أنّ عَقِيلًا باع رِباعَ أبى طالِبٍ؛ لأنَّه وَرِثَهُ دُونَ إخوَتِه، لكَوْنِه كان على دينِه دُونَهما، ولو كانت غيرَ مَمْلُوكَةٍ، لمَا أثَّرَ بَيْعُ عَقِيلٍ شيئًا، ولأنَّ أصْحَابَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم كانت (3) لهم دُورٌ بمكَّةَ؛ لأبى (4) بَكْرٍ، والزُّبَيْرِ، وحكيمِ بنِ حِزَامٍ، وأبِى سُفْيَانَ، وسائِرِ أهْلِ مَكَّةَ، فمنهم مَن باع، ومنهم مَن ترَكَ دارَه، فهى في يَدِ أعْقابِهم. وقد باعَ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ دارَ النَّدْوَةِ، فقال له ابنُ الزُّبيْرِ: بِعْتَ مَكْرمَةَ قُرَيْشٍ! فقال: يَا ابنَ أَخِى، ذهَبَتِ المكارِمُ إلى التَّقْوَى. أو كما قال.
(1) في م: «ضبابة» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب توريث دور مكة وبيعها. . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 181. ومسلم، في: باب النزول بمكة للحاج. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 984.
كما أخرجه أبو داود، في: باب التحصيب، من كتاب الحج. سنن أبى داود 1/ 463. وابن ماجه، في: باب ميراث أهل الإسلام، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه 2/ 912.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «كأبى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واشْتَرَى معاويَةُ منه دارَيْنِ. واشْتَرَى عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، دارَ السِّجْنِ مِن صَفْوانَ بنِ أُمَيَّةَ بأرْبَعَةِ آلافٍ (1). ولم يَزَلْ أهلُ مَكَّةَ يَتَصَرَّفُونَ في دُررِهِم تَصَرُّفَ المُلَّاكِ بالبَيْعِ وغَيْرِه، ولم يُنْكِرْه مُنْكِر، فكان إجْماعًا، وقد قَرَّرَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم بنِسْبَةِ دُورِهم إليهم، فقال:«مَنْ دَخَلَ دارَ أبِى سُفْيانَ فهو آمِنٌ، ومَنْ أَغْلَقَ بابَه فهو آمِنٌ» (2). وأقَرَّهُم في دُورِهِم ورِباعِهم، ولم يَنْقُلْ أحَدًا عن دارِه، ولا وُجدَ منه ما يَدُلُّ على زَوالِ أَمْلاكِهِم، وكذلك مَن بَعْدَه مِن الخُلفاءِ، حتَّى إنَّ عمرَ مع شِدَّتِه في الحَقِّ، لمَّا احْتَاجَ إلى دارٍ للسّجْنِ لم يَأْخذهَا إلَّا بالبَيْعِ. ولأَنَّها أَرْضٌ حَيَّة لم يَرِدْ عليها صَدَقةٌ مُحَرَّمَةٌ، فجازَ بَيْعُها، كسائِرِ الأرْضِ، وما رُوِى مِن الأحادِيثِ في خِلافِ هذا، فهو ضَعِيفٌ. وأمّا كَوْنُها فُتِحَتْ عَنْوَةً، فهو صَحِيحٌ لا يُمْكِنُ دَفْعُه، إلَّا أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أقَرَّ أهْلَها فيها على أمْلاكِهم ورِباعِهم، فيَدُلُّ
(1) أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب في العربان في البيع، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف 7/ 306.
(2)
تقدم تخريجه في 10/ 349.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك على أنَّه تَرَكَها لهم، كما تَرَكَ لهوازِنَ نسَاءَهُم وأبْناءَهُم. وعلى القَوْلِ الأَوَّلِ، مَن كان ساكِنَ دارٍ أو مَنْزِلٍ، فهو أحَقُّ به، يَسْكُنُه ويُسْكِنُه، وليس له بَيْعُه، ولا أَخذُ أُجْرَتِه، ومَن احْتاجَ إلى مَسْكَنٍ فله بَذْلُ الأُجْرَةِ فيه، وإنِ احْتَاجَ إلى الشِّراءِ فله ذلك، كما فَعَلَ عمرُ رَضِىَ اللَّهُ عنه. وكان أبو عَبْدِ اللَّهِ إذا سَكَنَ أَعْطَاهُم أُجْرَتَها. فإن سَكَنَ بأُجْرَةٍ جازَ أن لا يَدْفَعَ إليهم الأُجْرَةَ إن أمْكَنَه؛ لأنَّهم لا يَسْتَحِقُّونَها. وقد رُوِى أنَّ سُفْيانَ سَكَنَ في بَعْضِ رِباعِ مَكَّةَ، وهَرَبَ، ولم يُعْطِهِمْ أُجْرَةً فأَدْرَكُوهُ، فَأَخَذُوها منه. وذُكِرَ لأحمدَ فعلُ سُفيانَ، فَتَبَسَّمَ. فظاهِرُ هذا أنَّه أعْجَبَه. قال ابنُ عَقِيلٍ: وهذا الخِلافُ في غيرِ مَواضِعِ المَناسِكِ. أمّا بِقاعُ المَنَاسِكِ، كمَوْضِعِ المَسْعَى والرَّمْى، فحُكْمُه حُكْمُ المَساجِدِ بغيرِ خِلافٍ.
فصل: ومَن بَنَى بِمَكَّةَ بآلةٍ مَجْلُوبَةٍ مِن غيرِ أرْضِ مَكَّةَ، جازَ بَيْعُها، كما يَجُوزُ بَيْعُ أبْنِيَةِ الوُقُوفِ وأنْقاضِها. وإن كانت مِن تُراب الحَرَم وحِجَارَتِه، انْبَنَى جَوازُ بَيْعِها على الرِّوَايَتَيْن في بَيْعِ رِباعِ مَكَّةَ؛ لأَنَّها تابِعَةٌ لها، وهكذا تُرابُ كُلِّ وَقْفٍ وأنْقاضُه. قال أحمدُ: وأمّا البِنَاءُ بمَكَّةَ فإنِّى أكْرَهُه. قال إسحاقُ: البِنَاءُ بمَكَّةَ على وَجْهِ الاسْتِخْلاصِ لنَفْسِه، لا