الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ،
ــ
غيرِ تَغْرِيرٍ بالمُشْتَرِي، فجازَ، كما لو لم يَزِدْ، ولأَنَّ الوَلَدَ والثمَرَةَ نماءٌ مُنْفَصِلٌ، فلم يَمْنَعْ من بَيعِ المُرَابَحَةِ، كالغَلَّةِ. النوعُ الثانِي، أنْ يَعْمَلَ فيها عَمَلًا؛ مثلَ أنْ يَقْصُرَها، أو يَرْفُوَها، أو يَخِيطَها، أو يحملَها، فمتى أرادَ بَيعَها مُرَابَحَةً، أخْبَرَ بالحالِ على وَجْهِه، سواءٌ عَمِل ذلك بنَفْسِه أو اسْتَأْجَرَ مَن عَمِلَه. هذا ظاهِرُ كلام أحمدَ؛ فإنَّه قال: يُبَيِّنُ ما اشْتَراهُ وما لَزِمَه، ولا يَجُوزُ أنْ يَقُولَ: تَحَصَّلَتْ علَيَّ بكَذَا. وبه قال الحَسَنُ، وابنُ سِيرِينَ، وابنُ المُسَيَّبِ، وطاوُسٌ، والنَّخَعِيُّ، والأوْزَاعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وفيه وَجْهٌ آخرُ، أَنه يَجُوزُ فيمَا اسْتَأْجَرَ عليه أنْ يَضُمَّ الأُجْرَةَ إلى الثَّمَنِ، ويقولَ: تَحَصَّلَتْ عَلَيَّ بكَذَا. لأَنَّه صادِقٌ. وبه قال الشَّعْبِيُّ، والحَكَمُ، والشّافِعِيُّ. ولَنا، أَنه تَغْرِيرٌ بالمُشْتَرِي، فإنَّه عَسَى أنَّه لو عَلِمَ أنَّ بَعْضَ ما تَحَصَّلَتْ به لأَجْلِ الصِّنَاعَةِ، لم يَرْغَبْ فيها؛ لعَدَمِ رَغبَتِه في ذلك، فأَشْبَهَ ما يُنْفِقُ على الحَيَوانِ في مُؤْنَتِه وْكسْوَتِه، وعلى المَتاعِ في خَزْنِه. الضربُ الثانِي، أنْ يَتَغَيَّرَ بنَقْصٍ؛ كالمَرَضِ، والجِنَايَةِ عليه، أو تَلَفِ بَعْضِه، أو الولادَةِ، أو أنْ يَتَعَيَّبَ، أو يَأْخُذَ المُشْتَرِي بَعْضَه، كالصُّوفِ، واللَّبَنِ، ونَحْوه، فإَّنه يُخْبِرُ بالحالِ، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا.
1656 - مسألة: (وإنِ اشْتَرَاهُ بعَشَرَةٍ، ثم باعَهُ بخَمْسَةَ عَشَرَ
،
أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ. وَإِنْ قَال: اشْتَرَيتُهُ بِعَشَرَةٍ. جَازَ. وَقَال أَصْحَابُنَا: يَحُطُّ الرِّبْحَ مِنَ الثَّمَنِ الثَّانِي، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ.
ــ
ثم اشْتَرَاهُ بعَشَرَةٍ، أخْبَرَ بذلك على وَجْهِه. وإنْ قال: اشْتَرَيتُه بعَشَرَةٍ. جازَ. وقال أَصْحَابُنا: يحُطُّ الرِّبْحَ مِن الثَّمَنِ الثانِي، ويُخْبِرُ أنَّه اشْتَرَاهُ بخَمْسَةٍ) المُسْتَحَبُّ في هذه المسألةِ وأمْثالِها أنْ يُخبِرَ بالحالِ على وَجْهِه؛ لأنَّ فيه خُرُوجًا مِن الخِلافِ، وهو أَبْعَدُ مِن التَّغْرِيرِ بالمُشْتَرِي. فإن أخْبَرَ أنَّه اشْتَراهُ بعَشَرَةٍ، ولم يُبَيِّنْ، جازَ. وهذا قَوْلُ الشافِعِيِّ، وأبي يُوسُفَ، ومُحَمَّدٍ؛ لأنَّه صادِقٌ فيما أخْبَر به، وليس فيه تُهْمَةٌ، فأَشْبَهَ ما لو لم يَرْبَحْ فيه (1). ورُوِيَ عن ابنِ سِيرِينَ، أنَّه يَطْرَحُ الرِّبْحَ مِن الثمَنِ الثانِي، ويُخْبِرُ أنَّ رَأْسَ مالِه عليه خَمْسَةٌ. وأَعْجَبَ أحمدَ قول ابنِ سِيرِينَ، قالٍ: فإنْ باعَهُ على ما اشْتَرَاهُ، يُبَيِّنُ أَمْرَهُ. يَعْنِي يُخْبِرُ (2) أنَّه رَبِحِ فيه (3) مَرَّةً، ثم اشْتَرَاهُ. وهذا مِن أحمدَ على الاسْتِحْبابِ؛ لما ذَكَرْناه، ولأنَّه الثَّمَنُ الذي حَصَلَ به المِلْكُ الثانِي، أَشْبَهَ ما لوْ خَسِرَ فيه. وقال أبو حَنِيفَةَ: لا يَجُوزُ
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل، ق، م.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيعُه مُرَابَحَةً إلَّا أنْ يُبَيِّنَ أَمْرَهُ، أو يُخْبِرَ أنَّ رَأْسَ مالِه عليه خَمْسَةٌ. وهو قَوْلُ القاضِي وأَصْحابِه؛ لأنَّ المُرابَحَةَ تُضَمُّ ليها العُقُودُ، فيُخْبِر بما تَقَوَّمَ عليه، كما تُضَمُّ أُجْرَةُ الخَيَّاطِ والقَصَّار (1). وقد اسْتَفَادَ بهذا العَقْدِ الثانِي تَقْرِيرَ الرِّبْحِ في العَقْدِ الأَوَّلِ؛ لأنَّه أمِنَ أنْ يُرَدَّ عليه. فعلى هذا، يَنْبَغِي إذا طَرَحَ الرِّبْحَ مِنِ الثَّمَنِ الثانِي، أنْ يقولَ: تَقَوَّمَ عَلَيَّ بخَمْسَةٍ. ولا يقولُ: اشْتَرَيته بخَمْسَةٍ. لأنَّه كَذِبٌ، وهو حَرَامٌ، فيَصِيرُ كما لو ضَمَّ أُجْرَةَ القِصَارَةِ ونحْوها إلى الثَّمَنِ وأَخْبَرَ به. ولَنا، ما ذَكَرْنَاه. وما ذَكَرُوه. مِن ضَمِّ القِصَارَةِ والخِيَاطَةِ، فشِيءٌ بَنَوْه على أُصُولِهم، لا نُسَلِّمُه، ثم لا يُشْبِهُ هذا ما ذَكَرُوه؛ لأنَّ المُؤْنَةَ لَزِمَتْهُ في هذا البَيعِ الذي يَلِي المُرابَحَةَ، وهذا الرِّبْحُ في عقْدٍ آخَرَ قبلَ هذا الشِّرَاءِ، فأَشْبَهَ الخَسَارَةَ فيه. وأمّا تَقْرِيرُ (2) الرِّبْحِ، فغَيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ العَقْدَ الأَوَّلَ قد لَزِمَ، ولم يَظْهَرِ العَيبُ، ولم يَتَعَلَّقْ به حُكْمُه، قد ذَكَرْنَا في مثلِ هذه المَسْأَلَةِ أنَّ للمُشْتَرِي أنْ يَرُدَّه على البائِعِ إذا ظَهَرَ على عَيبٍ قَدِيمٍ، وإذا لم يَلْزَمْه طَرْحُ النَّماءِ والغَلَّةِ، فههُنا أَوْلَى. ويَجِئُ على قَوْلِهم، أنَّه لو اشْتَرَى بعَشَرَةٍ، ثم باعَهُ بعِشْرِينَ، ثم اشْتَرَاها بعَشَرَةٍ: فإنَّه يُخْبِرُ أنَّها حَصَلَتْ عليه بغَيرِ شيءٍ. وإنِ اشْتَرَاها بعَشَرَةٍ، ثم باعَهَا بثَلاثَةَ عَشَرَ، ثم اشْتَرَاهَا بخَمْسَةٍ،
(1) في الأصل، م:«القصاب» .
(2)
في م: «تقويم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَخْبَرَ أنَّها تَقَوَّمَتْ عليه بدِرْهَمَينِ. وإنِ اشْتَرَاها بخَمْسَةَ عَشَرَ أَخْبَرَ أنَّها تَقَوَّمَتْ عليه باثْنَيْ عَشَرَ. نَصَّ أحمدُ على نَظِيرِ هذا. فإنْ لم يَرْبَحْ، ولكنِ اشْتَرَاها ثانِيَةً بخَمْسَةٍ، أَخْبَرَ بها؛ لأَنَّها ثمَنٌ للعَقْدِ الذي يَلِي المُرَابَحَةَ. ولو خسِرَ فيها، مثلَ أنِ اشْتَرَاهَا بخَمْسَةَ عَشَرَ، ثم باعَهَا بعَشَرَةٍ، ثم اشْتَرَاها بأيِّ ثمَنٍ كان، أخْبَرَ به، ولم يَجُزْ أنْ يَضُمَّ الخَسَارَةَ إلى الثَّمَنِ الثانِي، ويُخْبِرُ به في المُرَابَحَةِ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه. وهو يَدُلُّ على صِحَّةِ ما ذَكَرنَاهُ.
فصل: وإنِ ابْتَاعَ اثْنَانِ ثَوْبًا بعِشْرِينَ، ثم بُذِلَ لهما فيه اثْنَانِ وعِشْرُونَ، فاشْتَرَى أَحَدُهما فَصِيبَ صاحِبِه فيه بذلك السِّعْرِ، فإنَّه يُخْبِرُ في المُرابَحَةِ بأحَدٍ وعِشْرِينَ. نَصَّ عليه. وهذا قَوْلُ النَّخَعِيِّ. وقال الشَّعْبِيُّ: يَبِيعُه على اثْنَينِ وعِشْرِينَ؛ لأَنَّ ذلك الدِّرْهَمَ الذي كان أُعْطِيَه قد كان أحْرَزَه. ثم رَجَعَ إلى قَوْلِ النَّخَعِيِّ بعدَ ذلك، ولا نَعْلَمُ أحَدًا خالفَ ذلك؛ لأَنَّه اشْتَرَى نِصْفَه الأَوَّلَ بعَشَرَةٍ، والثانِي بأحَدَ عَشَرَ، فصارَ أحَدًا وعِشْرِينَ.
فصل: قال أحْمَدُ: المُسَاوَمَةُ عِنْدِي أَسْهَلُ مِن بَيعِ المُرابَحَةِ؛ لأنَّ بَيعَ المُرابَحَةِ يَعْتَرِيه أمانَةٌ واسْتِرْسَالٌ مِن المُشْتَرِي، ويَحْتَاجُ فيه إلى تَعْيِين الحالِ على وَجْهِه، ولا يُؤْمَنُ هَوَى النَّفْسِ في نَوْعِ تَأْويل وخَطَرٍ، فيكونُ على خَطَرٍ وغَرَرٍ، فتَجَنُّبُ ذلك أَسْلَمُ وأَوْلَى.
فصل: وإنِ اشْتَرَى رَجُلٌ نِصْفَ سِلْعَةٍ بعَشَرَةٍ، واشْتَرَى آخَرُ نِصْفَها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعِشْرِينَ، ثم باعَاهَا (1) مُسَاوَمَةً بثَمَن واحِدٍ، فهو بَينَهُما نِصْفَين. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ عنها، فكان بَينَهما على حَسَبِ ملْكِهِما فيها، كالإِتْلَافِ. وإنْ باعا (2) مُرَابَحَةً، أو مُواضَعَةً، أو تَوْلِيَةً، فكذلك. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قَوْلُ ابنِ سِيرِينَ، والحَكَمِ. قال الأَثْرَمُ: قال أبو عَبْدِ اللهِ: إذا باعا (2)، فالثَّمَنُ بَينَهُما نِصْفَين.
(1) في ق، ر 1:«باعها» .
(2)
في النسخ: «باعها» . وانظر المغني 6/ 278.
فَصْلٌ: السَّابعُ، خِيَارٌ يَثْبُتُ لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَينِ. فَمَتَى
ــ
قُلْتُ: أَعْطَى أحَدُهما أَكْثَرَ ممّا أَعْطَى الآخَرُ؟ فقال: وإنْ، ألَيسَ الثَّوْبُ بَينَهُما الساعَةَ سَواءً؟ فالثَّمَنُ بينهما؟ لأَنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَمْلِكُ مثلَ الذي يَمْلِكُ صاحِبُه. وحَكَى أبو بكْرٍ عن أحمدَ [روايةً أُخرى](1)، أنَّ الثَّمَنَ بَينَهُما على قَدْرِ رءُوسِ أمْوالِهما؛ لأنَّ بَيعَ المُرابَحَةِ يَقْتَضِي أن يكونَ الثَّمَنُ في مُقابَلَةِ رأْسِ المالِ، فيكونُ مَقْسومًا بينَهما على حَسَبِ رُءُوسِ أموالِهما. قال شَيخُنا (2): ولم أَجِدْ عن أحمدَ رِوايَةً بما قال أبو بكْرٍ. وقيل: هذا وَجْهٌ خَرَّجَهُ أبو بكْرٍ، وليس برِوَايَةٍ. والمَذْهَبُ الأَوَّلُ؛ لأنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ المَبِيعِ، ومِلْكُهُما مُتَسَاوٍ فيه، فكان مِلْكُهُما لعِوَضِه مُتَسَاويًا، كما لو باعاه (3) مُسَاوَمَةً.
فصل: قال، رضي الله عنه: (السابعُ، خِيَارٌ يَثْبُتُ لاخْتِلافِ
(1) سقط من: م.
(2)
في: المغني 6/ 278.
(3)
في ر 1، م:«باعه» .
اخْتَلَفَا في قَدْرِ الثَّمَنِ، تَحَالفَا؛ فَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ، فَيَحْلِفُ: مَا بِعْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا بِعْتُهُ بِكَذَا. ثُمَّ يَحْلِفُ المُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيتُهُ بِكَذَا.
ــ
المُتَبَايِعَينِ. فمَتَى اخْتَلَفَا في قَدْرِ الثَّمَنِ، تَحالفَا؛ فَيُبْدَأُ بِيَمِينِ البائِعِ، فيَحْلِفُ: ما بِعْتُه بكَذا، وإنّما بِعْتُه بكَذا. ثم يَحْلِفُ المُشْتَرِي: ما اشْتَرَيتُه بكَذا، وإِنَّما اشْتَرَيتُه بكذا) إذا اخْتَلَفَ المُتَبَايِعَانِ في الثَّمَنِ، والسِّلْعَةُ قائِمَةٌ، فقال البائِعُ: بِعْتُكَ بعِشْرِينَ. وقال المُشْتَرِي: بعَشَرَةٍ. ولأَحَدِهِما بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بها (1). وإن لم يَكُنْ لهما بَيِّنَةٌ تَحالفَا. وبه قال شُرَيحٌ، وأبو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ. وهي رِوايَةٌ عن مالِكٍ. وله رِوَايَةٌ أُخْرَى، القَوْلُ قَوْلُ المُشْتَرِي مع يَمِينِه. وبه قال أبو ثَوْرٍ، وزُفرُ؛ لأَنَّ البائِعَ يَدَّعِي عَشَرَةً يُنْكِرُها المُشْتَرِي، والقَوْلُ قَوْلُ المُنْكِرِ. وقال الشَّعْبِيُّ: القَوْلُ قَوْلُ البائِعِ، أو يَتَرَادّانِ البَيعَ. وحَكَاهُ ابنُ المُنْذِرِ عن
(1) في م: «بينهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدَ؛ لِما رَوَى ابنُ مَسْعُودٍ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا اخْتَلَفَ البَيِّعَانِ، وليس بَينَهُما بَيِّنَةٌ، فالقَوْلُ ما قال البائِعُ، أو يَتَرَادَّانِ البَيع» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وابنُ ماجَه، وغيرُهما (1). والمَشْهُورُ في المَذْهَبِ الأَوَّلُ. ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مَعْنَى القَوْلَينِ واحِدًا، وأنَّ القَوْلَ قَوْلُ البائِعِ مع يَمِينِه، فإذَا حَلَفَ فَرَضِيَ المُشْتَرِي بذلك، أخَذَ به، وإنْ أَبَى حَلَف أيضًا، وفُسِخَ البَيعُ؛ لأنَّ في بَعْضِ ألْفَاظِ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا اخْتَلَفَ المُتَبَايِعَانِ، والسِّلْعةُ قائِمةٌ، ولا بَيِّنَةَ لأَحَدِهما تَحَالفَا» (2). ولأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما مُدَّعٍ ومُدَّعًى عليه، فإنَّ البائِعَ يَدَّعِي عَقْدًا بعِشْرِين يُنْكِرُه المُشْتَرِي، والمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَقْدًا بعَشَرَةٍ يُنْكِرُه البائِعُ، والعَقْدُ بعشَرَةٍ غيرُ العَقْدِ بعِشْرِينَ، فشُرِعَتِ اليَمِينُ في حَقِّهِما، وهذا الجَوابُ عمّا ذَكَرُوهُ.
فصل: والمُبْتَدِئُ باليَمِينِ البائِعُ، فيَحْلِفُ: ما بِعْتُه بكَذَا، وإنَّما
(1) أخرجه ابن ماجه، في: باب البيعان يختلفان، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 737.
كما أخرجه أبو داود، في: باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 255. والدارمي، في: باب إذا اختلف المتبايعان، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 250. والإمام مالك، في: باب بيع الخيار، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 671. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 466.
(2)
الرواية بهذا اللفظ غير موجودة في شيء من كتب الحديث التي بين أيدينا. وقال الحافظ ابن حجر: أما رواية التحالف فاعترف الرافعي في التذنيب أنه لا ذكر لها في شيء من كتب الحديث. التلخيص الحبير 3/ 31.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعْتُه بكَذَا. فإنْ شاءَ المُشْتَرِي أخَذَه بما قال البائِعُ، وإلَّا حَلَفَ: ما اشْتَرَيتُه بَكذا، وإنَّما اشْتَرَيتُه بكذا. وبهذا قال الشّافِعِيُّ. وقال أبو حَنِيفَةَ: يُبْدَأُ بيَمِينِ المُشْتَرِي؛ لأنَّه مُنْكِرٌ، واليَمِينُ في جَنَبَتِه أَقْوَى، ولأنَّه يُقْضَى بنُكُولِه، ويَنْفَصِلُ الحُكْمُ، وما كان أقْرَبَ إلى فَصْلِ الخُصُومَةِ كان أَوْلَى. ولَنا، قَوْلُ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«فالقَوْلُ ما قال البائِعُ، أو يَتَرادَّانِ البَيعَ» . وفي لَفْظٍ: «فالقَوْلُ قَوْلُ البائِعِ، والمُشْتَرِي بالخِيَارِ» . رَواهُ الإِمام أحمدُ (1). ومَعْناهُ: إن شاء أخَذَ، وإنْ شاءَ حَلَفَ. ولأنَّ البائِعَ أقْوَى جَنَبَةً؛ لأنَّهُما إذا تَحالفا عادَ المَبِيعُ إليه، فكان أَقْوَى، كصَاحِبِ اليَدِ، وقد بَيَّنَّا أنَّ كُلَّ وحِدٍ منهما مُنْكِرٌ، فيَتَسَاوَيَانِ منِ هذا الوَجْهِ. والبائِعُ إذا حَلَفَ فهو بمَنْزِلَةِ نُكُولِ المُشْتَرِى، يَحْلِفُ الآخرُ، ويُقْضَى له (2)، فهما سَواءٌ. ويَكْفِي كُلَّ واحِدٍ منهما يَمِينٌ واحِدَةٌ، لأنَّهُ أقْرَبُ إلى فَصْلِ القَضاءِ.
(1) في: المسند 1/ 466.
كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء إذا اختلف البيعان، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 271.
(2)
في م: «به» .