الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا. وَإِنِ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ أَو ابْنُهُ، جَازَ.
ــ
وهذا رُجُوعٌ إلى ما قُلْنا. وما ذَكَرُوه مِن الضَّرَرِ مَوْجُودٌ فيما إذا باعَ في بَيْتِه، ولا يُمْنَعُ منه.
1589 - مسألة: (ومَن باعَ سِلْعَةً بنَسِيئَةٍ، لم يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَها بأقَلَّ مِمّا باعَها نقدًا
(1)، إلَّا أَنْ تكونَ قد تَغَيَّرَتْ صِفَتُها. وإنِ اشْتَرَاهَا أبوه أو ابنُه، جازَ) مَن باعَ سِلْعَةً بثَمَنٍ مُؤجَّل، ثم اشْتَرَاها بأَقَلَّ منه نَقْدًا، لم يَجُزْ. رُوِى ذلك عن ابنِ عَبّاسٍ، وعائِشةَ، والحَسَنِ، وابنِ سِيرِينَ، والشَّعْبىِّ، والنَّخَعِىِّ. وبه قال الثَّوْرىُّ، والأَوْزَاعِىُّ، ومالِكٌ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأْى. وأجازَهُ الشافِعِىُّ؛ لأنَّه ثمَنٌ يَجوزُ بَيْعُها به مِن غير بائِعِها، فجازَ مِن بائِعِها، كما لو باعَها بمثلِ ثَمَنِها. ولَنا، ما رَوَى غُنْدَرٌ، عن شعْبَةَ، عن أبى إسحاقَ السَّبيعِىِّ، عن امْرَأتِه العالِيَةِ بنتِ أيْفَعَ بنِ شُرَحْبِيل، أنَّها قالت: دَخلت أنا وأُمُّ ولدِ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ وامْرَأَتُه
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على عائِشَةَ، فقالت أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بنِ أرْقَمَ: إنِّى بعْتُ غُلامًا مِن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ بثمانِمائَةِ دِرْهَمٍ إلى العطاءِ، ثم اشْتَرَيْتُه منه بستِّمائَةِ دِرْهَم. فقالت لها: بِئْسَ ما شَرَيْتِ، وبئْسَ ما اشْتَرَيْتِ، أبْلِغِى زَيْدَ بنَ أرْقَمَ أَنَّه قد أَبْطَلَ جِهادَهُ مع رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إلَّا أَنْ يَتُوبَ. رَواهُ أحمدُ (1)، وسَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ. والظَّاهِرُ أنَّها لا تَقُولُ مثلَ هذا التَّغْلِيظِ، وتُقْدِمُ عليه، إلَّا بتَوْقِيفٍ مِن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فجَرَى مَجْرَى رِوايَتِها ذلك عنه. ولأنَّ ذلك ذَرِيعَةٌ إلى الرِّبَا، فإنَّه يُدْخِلُ السِّلْعَةَ ليَسْتَبِيحَ بَيْعَ أَلْفٍ بِخَمْسِمائَةٍ إلى أجَلٍ.
(1) وأخرجه البيهقى، في: باب الرجل يبيع الشئ إلى أجل. . . إلخ، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 5/ 330، 331.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذلك قال ابنُ عَباسٍ في مثلِ هذه المسألةِ: أرَى مائَةً بِخَمْسِينَ بينَهما حَرِيرَةٌ (1). يَعْنى خِرْقَةَ حَرِير جَعَلَاها في بَيْعِهما، والذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ. فأَمّا إنْ باعَها بمثلِ الثَّمَنِ أو أَكْثَرَ، جازَ؛ لأنَّه لا يكونُ ذَرِيعَةً، وهذا إذا كانتِ السِّلْعَة لم تنقُصْ عن حالَةِ البَيْعِ، فإنْ نَقَصَتْ، مثلَ أَنْ هَزَلَ العَبْدُ، أو نَسِىَ صِناعةً (2)، أو تَخَرَّقَ الثَّوْبُ، ونحوِه، جازَ له شِراؤُها بما شاءَ؛ لأنَّ نَقْصَ الثَّمَنِ لِنَقْصِ المَبِيعِ، لا للتَّوَسُّلِ إلى الرِّبَا.
فصل: فإنِ اشْتَرَاها بعَرْضٍ، أو كان بَيْعُها الأَوَّلُ بعَرْضٍ، فاشْتَرَاها بنَقْدٍ، جازَ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّ التَّحْرِيمَ إنَّما كان لشُبْهَةِ الرِّبَا، ولا رِبًا بينَ الأثْمانِ والعُرُوضِ. فإنْ باعَها بنَقْدٍ، ثم اشْتَرَاها بنَقْدٍ آخَرَ،
(1) أخرج عبد الرزاق نحوه، في: باب الرجل يبيع السلعة ثم يريد شراءها بنقد، من كتاب البيوع. المصنف 8/ 187.
(2)
في م: «متاعه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال أصْحَابُنا: يَجُوزُ؛ لأَنَّهما جِنْسَانِ لا يَحْرُمُ التَّفَاضُل بينهما، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَاها بِعَرْضٍ. وقال أبو حَنِيفَةَ: لا يَجُوزُ اسْتِحْسانًا؛ لأنَّهما كالشئِ الواحِدِ في مَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ، ولأنَّ ذلك يُتَّخَذُ وَسِيلَةً إلى الرِّبا، فهو كما لو بَاعَها بجِنْسِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ. قال شَيْخُنا (1): وهذا أصَحُّ، إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالَى. وهذه المَسألةُ تُسَمَّى مسألةَ العِينَةِ. قال الشاعِرُ (2):
أنَدَّانُ أَمْ نَعْتَانُ أمْ يَنْبَرِى لَنَا
…
فَتًى مِثْلُ نَصْلِ السَّيْفِ مِيزَتْ مَضَارِبُه (3)
ومَعْنى نَعْتَانُ: أى نَشْتَرِى عِينَةً كما وَصَفْنا. وقد رَوَى أبو داودَ (4)، بإِسْنادِه، عن ابنِ عمرَ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يقولُ:«إذا تَبَايَعْتُمْ بالْعِينَةِ، وأَخَذْتُمْ أذنَابَ الْبَقَرِ، ورَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلى دِينِكُم» . وهذا وَعِيدٌ يدُلُّ على التَّحْرِيمِ. وقد رُوِى عن أحمدَ، أنَّه قال: الْعِينَةُ أَنْ يكونَ
(1) في: المغنى 6/ 262.
(2)
نسبه ابنُ منظور في اللسان (د ى ن) إلى شمر.
(3)
في اللسان: «هزت مضاربه» . وندان: نأخذ دَيْنا.
(4)
في: باب في النهى عن العينة، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 246.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 42، 84.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عندَ الرجلِ المَتاعُ، فلا يَبِيعُه إلَّا بنَسِيئَةٍ، فإنْ باعَ بنَقْدٍ ونَسِيئَةٍ فلا بَأْسَ. وقال: أَكْرَهُ للرجلِ أَنْ لا يكونَ له تِجارَةٌ غيرَ الْعِينَةِ، لا يَبِيعُ بنَقْدٍ. قال ابنُ عَقِيلٍ: إنَّما كَرِهَ النَّسِيئَةَ لِمُضَارَعَتِه الرِّبَا، فإنَّ البائِعَ بنَسِيئَةٍ يَقْصِدُ الزِّيادَةَ بالأَجَلِ غَالِبًا. ويجوزُ أَنْ تكونَ العِينَةُ اسْمًا لهذه المسألةِ وللبَيعِ نَسِيئَةً. جميعًا، لكنَّ البَيْعَ بنَسِيئَةٍ مُبَاحٌ اتِّفاقًا، ولا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ لا يكونَ له تِجارَةٌ غيره
فصل: فإنْ باعَ سِلْعَةً بنَقْدٍ، ثم اشْتَراهَا بأَكْثَرَ منه نَسِيئَةً، فقال أحمدُ، في رِوايَةِ حَرْبٍ: لا يجُوزُ، إلَّا ان تَتَغَيَّرَ السِّلْعَةُ؛ لأنَّ ذلك يُتَّخَذُ وَسِيلَةً إلى الرِّبَا، فهى كَمسْألةِ العينَةِ. فإنِ اشْتَرَاها بسِلْعَةٍ أُخْرَى، أو بأَقَلَّ مِن ثَمَنِها، أو بمِثْلِه نَسِيئَةً، جازَ؛ لِما ذَكَرْنا في مسألةِ العِينَةِ. وإنِ اشْتَرَاها بنَقْدٍ آخَرَ بأكْثَرَ من ثَمَنِها، فهو كمسألةِ العِينَةِ، على ما ذَكَرْنَا مِن