الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
الضَّرْبُ الثَّانِى فَاسِدٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أنْوَاعٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ؛ كَسَلَفٍ، أَوْ قَرْض، أو بَيْعٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ صَرْفٍ لِلثَّمَنِ، أَوْ غَيْرِهِ. فَهَذَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ.
ــ
(فصل: الضَّرْبُ الثَّانِى فَاسِدٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أنْوَاعٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا (1) عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ؛ كَسَلَفٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ صَرْفٍ لِلثَّمَنِ، أَوْ غَيْرِهِ. فَهَذَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْطُلَ الشَّرْطُ وَحْدَه) المَشْهُورُ في المَذْهَبِ أنَّ هذا الشَّرْطَ فاسِدٌ، يَبْطُلُ به البَيْعُ، لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لا يَحِلُّ بَيْعٌ وسَلَفٌ، ولا شَرْطَانِ في بَيْعٍ» . قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ (2). حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وهذا منه. قال أحمدُ: وكذلك كُلُّ ما في مَعْنَى ذلك، مثلَ أن يَقُولَ: على أَنْ تُزَوِّجَنِى ابْنَتَكَ. أو: على أَنْ اُزَوِّجَكَ ابْنَتِى. فهذا كُلُّه لا يَصِحُّ. قال ابنُ مَسْعُودٍ: صَفْقَتانِ في صَفْقَةٍ
(1) سقط من: الأصل، م.
(2)
أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في النهى عن بيعتين في ييعة، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 239. والنسائى، في: باب بيعتين في بيعة، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 260. والإمام مالك، في: باب النهى عن بيعتين في بيعة، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 663. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 432، 475، 503.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رِبًا (1). وهذا قولُ أبى حَنِيفَةَ، والشَّافِعِىِّ، وجمهورِ العُلَمَاءِ. وجَوَّزَهُ مالِكٌ، وجَعَلَ العِوَضَ المَذْكُورَ في الشَّرْطِ فاسِدًا، وقال: لا أَلْتَفِتُ إلى اللَّفْظِ الفاسِدِ، إذا كان مَعْلُومًا حَلالًا، فكأَنَّه باعَ السِّلْعَةَ بالدَّرَاهِمِ التى ذَكَرَ أنَّه يَأْخُذُها بِالدَّنَانِيرِ. ولَنا، الخَبَرُ، والنَّهْىُ يَقْتَضِى الفَسادَ، ولأنَّ العَقْدَ يَجبُ بِالشَّرْطِ؛ لكَوْنِه لا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ، فيَسْقُطُ، فيَفْسُدُ العَقدُ؛ لأنَّ البائِعَ لم يَرْضَ به، إلَّا بِالشَّرْطِ، فإذا فاتَ، فاتَ الرِّضَا به، ولأنَّه شَرَطَ عَقْدًا في عَقْدٍ، فلم يَصِحَّ، كنِكَاحِ الشِّغَارِ. وقولُه: لا أَلْتَفِتُ إلى اللَّفْظِ الفَاسدِ (2). لا يَصِحُّ؛ لأنَّ البَيْعَ هو اللَّفْظُ، فإذا كان فاسِدًا فكيف
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: باب البيع بالثمن إلى أجلين، من كتاب البيوع. المصنف 8/ 138.
(2)
سقط من: م.
الثَّانِى، شَرْطُ مَا يُنَافِى مُقْتَضَى الْبَيْعِ، نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا خَسَارَةَ عَلَيْهِ، أَوْ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ، وَإِلَّا رَدَّهُ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ، وَلَا يَهَبَ، وَلَا يَعْتِقَ، أَوْ إِنْ أَعْتَقَ، فَالْوَلَاءُ لَهُ، أَوْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَهَذَا بَاطِلٌ في نَفْسِهِ. وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
يكونُ صَحِيحًا! ويَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ البَيْعُ ويَبْطُلَ الشَّرْطُ، بِناءً على ما إذا شَرَطَ ما يُنافِى مُقْتَضَى العَقْدِ، على ما نذْكُرُه إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالَى.
(الثانى، شَرْطُ ما يُنافِى مُقْتَضى البَيْعِ، نحوَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لا خَسَارَةَ عليه، أو متى نَفَقَ المَبِيعُ، وإلَّا رَدَّه، أو أَنْ لَا يَبِيعَ، ولا يَهَبَ، ولا يَعْتِقَ، أَوْ إنْ أعْتَقَ، فالوَلَاءُ له، أو يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ ذلك، فهذا باطِلٌ في نَفْسِه) لقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم في حَدِيثِ بَرِيرَةَ حين شَرَطَ أَهْلُها الوَلاءَ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ في كِتابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (1). نَصَّ على بُطْلانِ هذا الشَّرْطِ، وقِسْنَا عليه سائِرَ الشُّرُوطِ، لأنَّها في مَعْنَاهُ. (وهل يَبْطُلُ بها البَيْعُ؟ على رِوَايَتَيْنِ). قال القاضِى: المَنْصُوصُ عن أحمدَ أنَّ البَيْعَ صَحِيحٌ. وهو
(1) يأتى بتمامه بعد قليل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وبه قال الحَسَنُ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ، وابنُ أبى لَيْلَى، وأبو ثَوْرٍ. والثانيةُ، البَيْعُ فاسِدٌ. وهو قولُ أبى حَنِيفةَ، والشّافِعِىِّ؛ لأنَّه شرطٌ فاسِدٌ، فأَفْسَدَ البَيْعَ، كما لو اشْتَرَطَ فيه عَقْدٌ آخَرَ. ولأنَّ الشَّرْطَ إذا فَسَدَ، وجَبَ الرُّجُوعُ بما نَقَصَه الشَّرْطُ مِن الثَّمَنِ، وذلك مَجْهُولٌ، فيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا. ولأنَّ البائِعَ إنَّما رَضِىَ بزَوَالِ مِلْكِه عن المَبِيعِ بشَرْطِه، والمُشْتَرِىَ كذلك، إذا كان الشَّرْطُ له، فلو صَحَّ البَيْعُ بدُونِه، لزالَ مِلْكُه بغَيْر رضاه، والبَيْعُ مِن شَرْطِه التَّراضِى. ولأنَّه قد رُوِى عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه نَهَى عن بَيْعٍ وشَرْطٍ. وَوَجْهُ الأُولَى ما رَوَتْ عائِشَةُ، قالت: جاءَتْنِى بَرِيرَةُ، فقالت: كاتَبْتُ أَهْلِى على تِسْعِ أوَاقٍ، في كُلِّ عام أُوقِيَّة، فأَعِينينى. فقلت: إنْ أحَبَّ أهْلُكِ أَنْ أعُدَّها لهم عَدَّةً واحِدَةً، ويكُونَ ولاؤُكِ لِى، فَعَلْتُ. فذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلى أهْلِها، فقالت لهم، فأَبَوْا عليها. فجاءَت مِن عندِهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جالِسٌ، فقالت: إنِّى عَرَضْتُ عليهم، فأبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الوَلاءُ لهم. فسَمِعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فأَخبَرَتْ عائِشَةُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«خُذِيها واشْتَرِطِى لهم الوَلاءَ، فإنَّما الوَلَاءُ لمَنْ أعْتَقَ» . فَفَعَلَتْ عائِشَة، ثم قامَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الناسِ، فحَمِدَ اللَّهَ وأثْنَى عليه، ثم قال:«أَمَّا بَعْدُ، ما بالُ رِجالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا ليست في كتابِ اللَّهِ تعالَى، ما كان مِن شَرْطٍ ليس في كتابِ اللَّهِ فهو باطِلٌ، وإنْ كان مِائَةَ شَرْطٍ، قضاءُ اللَّهِ أحَقُّ، وشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وإنَّما الوَلَاءُ لمَنْ أَعْتَقَ» . مُتَّفَقٌ عليه (1).
(1) أخرجه البخارى، في: باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، من كتاب الصلاة، وفى: باب الصدقة على موالى أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الزكاة، وفى: باب إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل، من كتاب البيوع، وفى: باب إذا قال المكاتب اشترى. . .، من كتاب المكاتب، وفى: باب الشروط في البيع، وباب ما يجوز من شروط المكاتب. . .، وباب الشروط في الولاء، وباب المكاتب وما لا يحل من الشروط. . .، من كتاب الشروط، وفى: باب الحرة تحت العبد، من كتاب النكاح، وفى: باب لا يكون بيع الأمة طلاقا، من كتاب الطلاق، وفى: باب الأدم، من كتاب الأطعمة، وفى: باب إذا أعتق في الكفارة لمن يكون ولاؤه، من كتاب الكفارات، وفى: باب الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط، وباب ميراث السائبة، وباب إذا أسلم على يديه، من كتاب الفرائض. صحيح البخارى 1/ 123، 2/ 158، 3/ 96، 200، 248، 250، 251، 259، 7/ 11، 61، 100، 8/ 182، 191، 192، 193. ومسلم، في: باب إنما الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق. صحيح مسلم 2/ 1141، 1143، 1144، 1145. وأبو داود، في: باب في الولاء، من كتاب الفرائض، وفى: باب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأبْطَلَ الشَّرْطَ، ولم يُبْطِلِ العَقْدَ. قال ابنُ المُنْذِرِ: خَبَرُ بَرِيرَةَ ثابِتٌ، ولا نَعْلَمُ خَبَرًا يُعارِضُه، فالقَوْلُ به يَجِبُ. فإنْ قيل: المُرادُ بقَوْلِه: «اشْتَرِطِى لَهُمُ الوَلاءَ» . أَى عليهم. بدَلِيلِ أنّه أمَرَها به، ولا يَأْمُرُها بفَاسِدٍ. قلنا: لا يَصِحُّ هذا التَّأوِيلُ؛ لوَجْهَيْنِ؛ أحَدُهما، أنَّ الوَلَاءَ لها بإعْتَاقِها، فلا حاجَةَ إلى اشْتِراطِه. الثانى، أنَّهُم أَبَوُا البَيْعَ، إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لهم الولَاءُ، فكيف يَأْمُرُها بما عَلِمَ أنَّهُم لا يَقْبَلُونَه مِنها؟ وأمّا أمْرُها بذلك، فليس هو أمْرًا على الحَقِيقَةِ، وإنَّما هو صِيغَةُ الأمْرِ بمَعْنَى التَّسْوِيَةِ بينَ
= في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، من كتاب العتاق. سنن أبى داود 2/ 114، 347. والترمذى، في: باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، من أبواب الوصايا. عارضة الأحوذى 8/ 281. والنسائى، في: باب إذا تحولت الصدقة، من كتاب الزكاة، وفى: باب خيار الأمة، وباب خيار الأمة تعتق وزوجها حر، وباب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك، من كتاب الطلاق، وفى: باب البيع يكون فيه الشرط الفاسد. . .، وباب بيع المكاتب، وباب المكاتب يياع قبل أن يقبض. . .، من كتاب البيوع. المجتبى 5/ 81، 6/ 132، 133، 134، 135، 7/ 264، 268، 269. وابن ماجه، في: باب خيار الأمة إذا أعتقت، من كتاب الطلاق، وفى: باب المكاتب، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه 1/ 671، 2/ 842، 843. والدارمى، في: باب في تخيير الأمة. . .، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى 2/ 169. والإمام مالك، في: باب ما جاء في الخيار، من كتاب الطلاق، وفى: باب مصير الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق. الموطأ 2/ 562، 780، 781. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 281، 321، 2/ 28، 100، 113، 144، 153، 156، 6/ 33، 42، 46، 82، 103، 121، 135، 172، 175، 178، 180، 186، 190، 213، 272.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاشْتِراطِ وتَرْكِه، كَقولِ اللَّهِ تعالَى:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (1). وقَوْلِه: {فَاصْبِرُواْ أَوْ لَا تَصْبِرُواْ} (2). والتَّقْدِيرُ: واشْتَرِطِى لهم الوَلاءَ، أو لا تَشْتَرِطِى. ولهذا قال عَقيبَهُ:«فإنَّما الوَلَاءُ لمَنْ أَعْتَقَ» . وحَدِيثُهم لا أصْلَ له على ما ذَكَرْنَا، وما ذَكَرُوه مِن المَعْنَى في مُقابَلَةِ النَّصِّ لا يُقْبَلُ.
فصل: وإذا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ البَيْعِ، فللبَائِعِ الرُّجُوعُ بما نَقَصَه الشَّرْطُ مِن الثَّمَنِ. ذكَرَه القاضِى. وللمُشْتَرِى الرُّجُوعُ بزِيادَةِ الثَّمَنِ إنْ كان هو المُشْتَرِطَ؛ لأنَّ البائِعَ إنَّما سَمَح بالبَيْعِ بهذا الثَّمَنِ؛ لِما يحصُلُ له مِن الغَرَضِ بالشَّرْطِ، والمُشْتَرِى إنَّما سَمَحَ (3) بِزيَادَةِ الثَّمَنِ مِن أجْلِ شَرْطِه، فإذا لم يَحْصُلْ غَرَضُه، يَنْبَغِى أن يَرْجِعَ بما سَمَحَ به، كما لو وَجَدَه مَعِيبًا. ويَحْتَمِلُ أن يَثْبُتَ له (4) الخِيارُ، ولا يَرْجِعَ بشئٍ، كمَن شَرَطَ رَهْنًا أو ضمِينًا، فامْتَنَعَ الرّاهِنُ والضَّمِينُ، ولأنَّ ما يَنْقُصُه الشَّرْطُ مِن الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا، ولأنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَحْكُمْ لأرْبابِ بَريرَةَ. بشئٍ مع فَسَادِ الشَّرْطِ وصِحَّةِ البَيْعِ. وإن حَكَمْنا بفَسَادِ العَقْدِ لم يحصُلْ به مِلْكٌ، سواءٌ قَبَضَه أو لم يَقْبِضْه، على ما نَذْكُرُه إن شاءَ اللَّهُ تَعالَى.
(1) سورة التوبة 80.
(2)
سورة الطور 16.
(3)
بعده في م: «له» .
(4)
سقط من: م.