الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ بَاعَهُ مِنَ الصُّبْرَةِ، كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، لَمْ يَصِحَّ.
ــ
1577 - مسألة: (وإنْ باعَه مِن الصُّبْرَةِ، كُلَّ قَفِيزٍ بدِرْهَمٍ، لم يَصِحَّ)
لأنَّ «مِن» للتَّبْعِيضِ، و «كُلَّ» للعَدَدِ، فَيَكُونُ ذلك العَدَدُ منها مَجْهُولًا. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ البَيْعُ، بناءً على قَوْلِه في الإِجَارَةِ إذا أجَرَه كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ. قال ابنُ عَقِيلٍ: وهو الأَشْبَهُ. كالمَسْأَلَةِ التى قَبْلَها؛ لأنَّ «مِن» وإنْ أُعْطِيَتِ البَعْضَ، فما هو بَعْضٌ مَجْهُولٌ، بل قد جَعَلَ لكُلِّ جُزْءٍ مَعْلُومٍ منها ثَمَنًا مَعْلُومًا، فهو كما لو قال: قَفِيزًا منها. وكمسألةِ الإِجارَةِ.
فصل: وإن قال: بِعْتُكَ هذه الصُّبْرَةَ بعَشَرَةِ دَراهِمَ، على أَنْ أزِيدَك قَفِيزًا، أو أنْقُصَكَ قَفِيزًا. لم يَصِح؛ لأنَّه لا يَدْرِى أَيَزِيدُه أم يُنْقِصُه. وإنْ قال: على أَنْ أزيدَكَ قَفِيزًا. لم يَجُزْ؛ لأنَّ القَفِيزَ مَجْهُولٌ. وإنْ قال: على أَنْ أزِيدَك قَفِيزًا مِن هذه الصُّبْرَةِ الأُخْرَى. أو وَصَفَهُ بصِفَةٍ يُعْلَمُ بها، صَحَّ؛ لأنَّ مَعْناهُ: بِعْتُك هذه الصُّبْرَةَ، وقَفِيزًا مِن هذه الأُخْرَى بعَشَرَةِ دَراهِمَ. وإنْ قال: على أن أنْقُصَك قَفِيزًا. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ مَعْنَاهُ: بِعْتُكَ هذه الصُّبْرَةَ إلَّا قَفِيزًا، كُلَّ قَفِيزٍ بدرهم وشئٍ مَجْهُولٍ. ولو قال: بِعْتُكَ هذه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصُّبْرَةَ، كلَّ قَفِيزٍ بدِرْهَمٍ على أَنْ أزيدَك قَفِيزًا من هذهِ الصُّبْرَةِ الأُخْرَى. لم يَصِحَّ؛ لإِفْضَائِه إلى جَهالَةِ الثَّمَنِ في التَّفْصيلِ، لأنَّه يَصِير قَفِيزًا وشَيْئًا بدِرْهَمٍ، وهما لا يَعْرفَانِه؛ لعَدَمِ مَعْرِفَتِهما بكمِّيَّةِ ما في الصُّبْرَةِ مِن القفْزَانِ. ولو قَصَدَ أنِّى أحُطُّ ثَمَنَ قَفِيزٍ مِن الصُّبْرَةِ، ولا أحْتَسِبُ به، لم يَصِحَّ؛ للجَهَالَةِ التى ذَكَرْنَاها. وإن عَلِمَا قَدْرَ قُفْزَانِ الصُّبْرَةِ، أو قال: هذه عَشَرَةُ أقْفِزَةٍ بِعْتُكَهَا، كُلَّ قَفِيزٍ بدِرْهَمٍ، على أَنْ أزيدَكَ قَفِيزًا مِن هذه الصُّبْرَةِ. أو وَصَفَه بصِفَةٍ يُعْلَمُ بها، صَحَّ؛ لأنَّ مَعْناهُ بعْتكَ كُلَّ قَفِيزٍ وعُشْرَه (1) بدِرْهَمٍ. وإنْ لم يُعْلَمِ القَفِيزُ (2)، أو (3) جَعَلَه هِبَةً، لم يَصِحَّ. وإنْ أَرادَ أنِّى لا أحْتَسِبُ عليك بثَمَنِ قَفِيزٍ منها، صَحَّ أيْضًا؛ لأنَّهما لَمّا عَلِمَا جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ، عَلِمَا ما يَنْقُصُ مِن الثَّمَنِ. ولو قال: على أَنْ أنقُصَكَ قَفِيزًا. صَحَّ؛ لأنَّ مَعْناهُ: بِعْتكَ تِسْعَةَ أقْفِزَةٍ بعَشَرَةِ دَراهِمَ. وحُكِىَ عن أبى بَكْرٍ، أنَّه يَصِحُّ في جَمِيعِ المَسَائِلِ، على قِياسِ قولِ أحمدَ؛ لأنَّه يُجيزُ الشَّرْطَ الواحِدَ (4). ولا يَصِحُّ ما قالَه؛ لأنَّ المَبِيعَ مَجْهُولٌ، فلا يَصِحُّ بَيْعُه، بخِلافِ الشَّرْطِ الذى لا يُفْضِى إلى الجَهَالَةِ. وما لا تَتَساوَى أجْزَاؤُه؛ كالأَرْضِ، والثَّوْبِ، والقَطِيعِ مِن الغَنَمِ، فيه
(1) في م: «عشرة» .
(2)
في الأصل، م:«القفزات» .
(3)
في م: «و» .
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نحوٌ مِن مَسائِلِ الصُّبْرَةِ. وإنْ قال: بِعْتُك هذه الأرْضَ -أو: هذه الدَّارَ. أو: هذا الثَّوْبَ. أو: هذا القَطِيعَ- بأَلْفِ دِرْهَمٍ. صَحَّ إذا شَاهَدَاه. وإنْ قال: بِعْتُكَ نِصْفَه -أو: ثُلُثَه. أو: رُبْعَه- بكَذا. صَحَّ. وإنْ قال: بِعْتُكَ مِن الثَّوْبِ كُلَّ ذِرَاعٍ بدِرْهَمٍ. أو: مِن القَطِيعِ، كُلَّ شاةٍ بدِرْهَمٍ. لم يَصِحَّ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ.
فصل: ويَصِحُّ بَيعُ الصُّبْرَةِ جُزافًا مع جَهْلِ المُتَبايِعَيْنِ بِقَدْرِها. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وقد نصَّ عليه أحمدُ. ودَلَّ عليه حَدِيثُ ابنِ عمرَ، وهو قَوْلُه: كُنّا نَشْتَرِى الطَّعامَ مِن الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فِنَهَانَا رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَبِيعَه حتَّى نَنْقُلَه مِن مكانِه. مُتَّفَقٌ عليه (1). ولأَنَّه مَعْلُومٌ بالرُّؤْيَةِ، فَصَحَّ بَيْعُه، كالثِّيَابِ، والحَيَوانِ. ولا يضُرُّ عَدَمُ مُشَاهَدَةِ باطِنِ الصُّبْرَةِ، فإنَّ ذلك يَشُقُّ؛ لكَوْنِ الحَبِّ بَعْضُه على بَعْضٍ، ولا يُمْكِنُ بَسْطُها حَبَّةً حَبَّةً، ولأنَّ الحبَّ تَتَسَاوَى أجْزَاؤُه في الظاهِرِ، فاكْتُفِىَ برُؤْيَةِ ظاهِرِه، بخِلافِ الثَّوْبِ، فإنَّ نَشْرَه لا يَشُقُّ، وتَخْتَلِفُ أجْزَاؤُهُ، ولا يَحْتَاجُ إِلى مَعْرِفَةِ قَدْرِها مع المُشَاهَدَةِ؛ لأنَّه عَلِمَ ما اشْتَرَى بأبْلَغِ الطُّرُقِ، وهو الرُّؤْيَةُ.
(1) أخرجه البخارى، في: باب الكيل على البائع والمعطى، وباب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، وباب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك، من كتاب البيوع. صحيح البخارى 3/ 88 - 90. ومسلم، في: باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1161. كما أخرجه أبو داود، في: باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى، من كتاب الإجارة. سنن أبى داود 2/ 252. والنسائى، في: باب بيع ما يشترى من الطعام جزافا قبل أن ينقله من مكانه، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 252، 253. وابن ماجه، في: باب بيع المجازفة، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 750. والإمام مالك، في: باب العينة وما يشبهها، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 641. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 142.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذلك لو قال: بِعْتُكَ نِصْفَ هذه الصُّبْرَةِ. أو: جُزْءًا منها مَعْلُومًا. لأَنَّ ما جازَ بَيْعُ جُمْلَتِه، جازَ بَيْعُ بَعْضِه، كالحَيَوانِ. قال ابنُ عَقِيلٍ: ولا يَصِحُّ هذا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الصُّبْرَةُ مُتَسَاوِيَةَ الأَجْزَاءِ، فإن كانت مُخْتَلِفَةً، مثلَ صُبْرَةِ بَقَّالِ القَرْيةِ، لم يَصِحَّ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ؛ لأنَّه يَشْتَرِى منها جُزْءًا مُشاعًا، فيَسْتَحِقُّ مِن جَيِّدِها ورَدِيئها بقِسْطِه. ولا فَرْقَ بينَ الأَثْمانِ والمُثْمَنَاتِ في صِحَّةِ بَيْعِها جُزَافًا. وقال مالِكٌ: لا يَجُوزُ في الأَثْمانِ؛ لأنَّ لها خَطَرًا، ولا يَشُقُّ وَزْنُها ولا عَدَدُها، فأَشْبَهَ الرَّقِيقَ، الثِّيابَ. ولَنا، أَنَّه مَعْلُومٌ بالمُشَاهَدَةِ، فأشْبَهَ المُثْمَنَاتِ والنُّقْرَةَ (1) والحَلْىَ. ويَبْطُلُ بذلك ما قَالَه. وأمّا الرَّقِيقُ، فإنَّه يَجُوزُ بَيْعُهم إذا شاهَدَهُم ولم يَعُدَّهُم، وكذلك الثِّيَابُ إذا نَشَرَها (2) ورَأَى جَمِيعَ أَجْزَائِها.
فصل: فإنْ كان البائِعُ يَعْلَمُ قَدْرَ الصُّبْرَةِ، لم يَجُزْ بَيْعُها جُزَافًا. نَصَّ عليه أحْمَدُ. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ. وكَرِهَهُ عطاءٌ، وابنُ سِيرِينَ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ. وبه قال مالِكٌ، وإسحاقُ. ورُوِىَ ذلك عن طاوُسٍ. قال مالِكٌ: لم يَزَلْ أهْلُ العِلْمِ يَنْهَوْنَ عن ذلك. وعن أحمدَ، رحمه الله، أنَّه مَكْرُوهٌ غيرُ مُحَرَّمٍ، فقد رَوَى بكرُ بنُ محمدٍ، عن أبِيهِ، عنه، أنَّه سُئِلَ عن الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ جُزَافًا، وقد عَرَفَ كَيْلَه. فقلتُ
(1) النقرة من الذهب والفضة: القطعة المذابة.
(2)
في م: «شراها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له: إنّ مالِكًا يقولُ: إذا باعَ الطّعَامَ ولم يَعْلَمِ المُشْتَرِى، فإنِ اخْتَارَ أَنْ يَرُدَّه رَدَّهُ. قال: هذا تَغْلِيطٌ شَدِيدٌ، ولكنْ لا يُعْجِبُنِى إذا عَرَفَ كَيْلَه، إلَّا أَنْ يُخْبِرَه، فإنْ باعَه، فهو جائِزٌ عليه، وقد أساءَ. ولم يَرَ أبو حَنِيفَةَ، والشَّافِعِىُّ بذلك بأْسًا؛ لأنَّه إذا جازَ البَيْعُ بيع جَهْلِهما بمقْدارِه فمع العِلْمِ مِن أحَدِهما أوْلَى. ووَجْهُ الأوَّلِ ما رَوَى الأَوْزَاعِىُّ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَن عَرَفَ مَبْلَغَ شَئٍ فلا يَبعْه (1) جُزافًا حتَّى يُبَيِّنهُ» (2). قال القاضى: وقد رُوِى عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه نَهَى عن بَيْعِ الطعام مُجازَفَةً، وهو يَعْلَمُ كَيْلَه (2). وأيضًا الإِجْماعُ الذى نَقَلَه مالِكٌ. ولأنَّ البائِعَ لا يَعْدِلُ إلى البَيْعِ جُزَافًا مع عِلْمِه بقَدْرِ الكَيْلِ، إلَّا للتَّغْرِيرِ ظَاهِرًا، وقد قال عليه السلام:«مَنْ غَشَّنَا فلَيْسَ مِنَّا» (3). فصارَ كتَدْلِيسِ العَيْبِ (4). فإنْ باعَ ما عَلِمَ كَيْلَه صُبْرَةً، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ في رِوايَةِ محمدِ بنِ الحَكَمِ، أنَّ البَيْعَ صَحِيحٌ لازِمٌ. وهو قولُ أبى حَنِيفَةَ، والشافِعِىِّ؛ لأنَّ المَبِيعَ مَعْلُومٌ
(1) في الأصل، م:«يبيعه» .
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب المجازفة، من كتاب البيوع. المصنف 8/ 131.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» ، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 99. وأبو داود، في: باب في النهى عن الغش، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 244. والترمذى، في: باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 6/ 55. وابن ماجه، في: باب النهى عن الغش، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 749. والدارمى، في: باب في النهى عن الغش، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 248. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 50، 242، 417، 3/ 466، 4/ 45.
(4)
في الأصل، م:«البيع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لهما، لا تَغْرِيرَ مِن أحَدِهما، أشْبَهَ ما لو عَلِمَا كَيْلَه أو جَهِلاهُ. ولم يَثْبُتْ ما رُوِى مِن النَّهْى فيه، وإنَّما كَرِهَه أحمدُ كراهَةَ تنزِيهٍ؛ لاخْتِلافِ العُلَماءِ فيه. ولأنَّ تَسْويَتَهما في العِلْمِ والجَهْلِ أبعدُ مِن التَّغْرِيرِ. وقال القاضِى وأصحاِبُه: هذا بمنزِلَةِ التَّدْلِيسِ والغِشِّ، إن عَلِمَ به المُشْتَرِى فلا خيارَ له؛ لأَنَّه دَخَلَ على بصيرَةٍ، فهو كمَن اشْتَرَى مُصَرَّاةً، يَعلَمُ تَصْرِيَتَها. وإن لم يَعْلَمْ أنَّ البائِعَ كِان عالِمًا بذلك، فله الخِيارُ في الفَسْخِ والإِمْضاءِ. وهذا قولُ مالِكٍ؛ لأَنَّه غِشٌّ وغَرَرٌ مِن البائِعِ، فصَحَّ العَقْدُ معه، ويَثْبُتُ للمُشْتَرِى الخِيارُ. وذَهَبَ بعضُ أصحابِه إلى أنَّ البَيْعَ فاسِدٌ، والنَّهْىَ يَقْتَضِى الفَسَادَ.
فصل: فإنْ أخْبَرَهُ البائِعُ بكَيْلِه، ثم باعَهُ بذلك الكَيْلِ، فالبَيْعُ صَحِيحٌ. فإنْ قَبَضَه باكْتِيَالِه، تمَّ البَيْعُ والقَبْضُ، وإنْ قَبَضَه بغيرِ كَيْلٍ، كان بمَنْزِلَةِ قَبْضِه جُزَافًا؛ إن كان المَبِيعُ (1) باقِيًا كَالَه عليه، فإنْ كان قدْرَ حَقِّهِ الذى أَخْبَرَه، فقد اسْتَوْفاهُ، وإنْ كان زائِدًا رَدَّ الفَضْلَ، وإنْ كان ناقِصًا أخَذَ النَّقْصَ، وإنْ كان قد تَلِفَ فالقَوْلُ قَوْلُ القابِضِ [في قَدْرِه](2) مع يَمِينِه، سواءٌ قَلَّ القَبْضُ أو كثُرَ؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ القَبْضِ وبقاءُ الحَقِّ. وليس للمُشْتَرِى التَّصَرُّفُ في الجميعِ قبلَ كَيْلِه؛ لأنَّ للبائِع فيه عُلْقَةً، فإنَّه لو زاد، كانتِ الزِّيَادَةُ له، ولا يَتَصَرَّفُ في أَقَلَّ مِن حَقِّه،
(1) في م: «البيع» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغيرِ كَيْلٍ؛ لأنَّ ذَلك يَمْنَعُه مِن مَعْرِفَةِ كَيْلِه. وإنْ تَصَرَّفَ فيما يَتَحَقَّقُ أنَّه مُسْتَحَقٌّ له، مثلَ أَنْ يكونَ حَقُّه قَفِيزًا، فيَتَصَرَّفَ في ذلك أو في أقَلَّ منه بالكَيْل، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، له ذلك؛ لأنَّه تَصَرَّفَ في حَقِّه بعدَ قبْضِه، فجازَ، كما لو كِيل له. والثانى، لا يَجُوزُ؛ لأنَّه لا يَجُوزُ له التُّصَرُّفُ في الجَمِيعِ، فلم يَجُزْ له التَّصَرُّفُ في البَعْضِ، كما قبلَ القَبْضِ. وإن قَبَضَه بالوَزْنِ، فهو كما لو قَبَضَه جُزَافًا. فأمّا إنْ أعْلَمَهُ بكَيْلِه، ثم باعَهُ إيّاهُ مُجازَفَةً، على أنَّه له بذلك الثَّمَنِ، سواءٌ زادَ أو نَقَصَ، لم يَجُزْ؛ لِما رَوَى الأَثْرَمُ، بإسْنادِه، عن الحَكَمِ، قال: قَدِمَ طَعامٌ لعثمانَ على عَهْدِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«اذْهَبُوا بِنَا إلى عثمانَ نُعِينُه على طعامِه» . فَقامَ إلى جَنْبِه، فقال عثمانُ: في هذه الغِرَارَةِ (1) كذا وكذا، وأبِيعُها بكذا وكذا. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إذا سَمَّيْتَ الكَيْلَ فَكِلْ» (2). قال أحمدُ: إذا أخْبَرَه البائِعُ أنَّ في كُلِّ قارُورَةٍ مَنًّا (3)، فأَخَذَ بذلك، ولا يَكْتَالُه، فلا يُعْجِبُنى؛ لقولِه لعثمانَ:«إذَا سَمَّيْتَ الكَيْلَ فَكِلْ» . قيلَ له: إنَّهُم يَقُولُونَ: إذَا فُتِحَ فَسَدَ. قال: فَلِمَ لا يَفْتَحُونَ واحِدَةً ويَزِنونَ (4) الباقِىَ؟.
(1) الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه، جمعها غرائر.
(2)
أخرجه ابن ماجه، في: باب بيع المجازفة، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 750.
(3)
في م: «منها كذا رطلًا» .
(4)
في الأصل: «ويرون» . وفى م: «ويتركون» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو كالَ طَعامًا، وآخر يُشَاهِدُه، فلِمَنْ شاهَدَ الكَيْلَ شِراؤُه بغيرِ كَيْلٍ ثانٍ؛ لأَنَّه شاهَدَ كَيْلَه، أشْبَهَ ما لو كِيلَ له. وعنه، يَحْتَاجُ إلى كَيْلٍ؛ للخَبَرِ، وكالبَيْعِ الأوَّلِ. ولو كالَهُ البائِعُ للمُشْتَرِى، ثم اشْتَراهُ منه، فكذلك؛ لِما ذَكَرْنا. ولو اشْتَرَى اثْنانِ طَعامًا، فاكْتَالاهُ، ثم اشْتَرَى أحَدُهما حِصَّةَ شَرِيكِه قبلَ تَفرُّقِهِما، فهو جائِزٌ. وإن لم يَحْضُر المُشْتَرِى الكَيْلَ، لم يَجُزْ إلَّا بكَيْلٍ. وقال ابنُ أبى مُوسَى: فيه رِوايَةٌ أُخْرَى، لا بدَّ مِن كَيْلِه. وإن باعَه للثانِى (1) في هذه المواضِعِ على أنَّه صُبْرةٌ، جازَ، ولم يَحْتَجْ إلى كيْلٍ ثانٍ. وقَبْضُهُ (2) بنَقْلِه، كالصُّبْرَةِ.
فصل: قال أحمدُ في رجُلٍ يَشْتَرِى الجَوْزَ، فيَعُدُّ في مِكْتَلٍ (3) ألفَ جَوْزَةٍ، ثم يأخُذُ الجَوْزَ كُلَّه على ذلك العِيارِ: لا يَجُوزُ. وقال في رجُلٍ ابْتاعَ أعْكامًا (4) كَيْلًا، وقال للبائِعِ: كِلْ لِى عِكْمًا منها، وآخُذُ ما بَقِىَ على هذا الكَيْلِ: أكْرَهُ هذا حتَّى يَكِيلَها كُلَّها. قال الثَّوْرِىُّ: كان أصْحَابُنا يَكْرَهُونَ هذا. وذلك؛ لأنَّ ما في العُكُومِ يَخْتَلِفُ، فلا يُعْلَمُ ما في بَعْضِها بكَيْلِ البَعْضِ، والجَوْزُ يَخْتَلِفُ، فيكوَنُ في أحَدِ المِكْيَلَيْنِ أكْثَرُ مِن الآخَرِ، فلا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ بالكَيْلِ، كما لا يَصِحُّ تَقْدِيرُ المَكِيلِ بالوَزْنِ، ولا المَوْزُونِ بالكَيْلِ.
(1) في م: «الثانى» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «مكيل» .
(4)
الأعكام جمع عكم، والعكم: العدل -بكسر العين وسكون الدال- ما دام فيه المتاع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا باعَ الأدْهانَ في ظُرُوفِها جُمْلَةً، وقد شاهَدَها، جازَ؛ لأنَّ أجْزَاءَها (1) لا تَخْتَلِفُ، فهِى (2) كالصُّبْرَةِ. وكذلك الحُكْمُ في العَسَلِ، والدِّبْسِ، والخَلِّ، وسائِرِ المائِعَاتِ التى لا تَخْتلِفُ. فإن باعَهُ كُلَّ رَطْلٍ بدِرْهَمٍ، أو باعَهُ رَطْلًا منه، أو أرْطالًا مَعْلُومَةً، يَعْلَمُ أنَّ فيها أكْثَرَ منها، أو باعَهُ أجْزاءً مُشاعَةً، أو جُزْءًا، أو باعَهُ إيَّاهُ مع الظَّرْفِ بعَشَرَةِ دَراهِمَ، أو بثَمَنٍ مَعْلُومٍ، جازَ. وإن باعَهُ السَّمْنَ والظَّرْفَ، كُلَّ رَطْلٍ بدِرْهَمٍ، وهما يَعْلَمَانِ مَبْلَغَ كُلِّ واحِدٍ منهما، صَحَّ؛ لأنَّه قد عُلِمَ المَبِيعُ والثَّمَنُ. وإن لم يَعْلَمَا ذلك، جازَ أيضًا؛ لأنَّه قد رَضِىَ أَنْ يَشْتَرِىَ الظَّرْفَ كُلَّ رَطْلٍ بدِرْهَمٍ، وما فيه كذلك، فأشْبَهَ ما لو اشْتَرَى ظَرْفَيْنِ، في أَحَدِهما سَمْنٌ وفى آخرَ زَيْتٌ، كُلَّ رَطْلٍ بدِرْهَمٍ. وقال القاضِى: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ وَزْنَ الظَّرْفِ يَزِيدُ ويَنقُصُ، فيَدْخُلُ على غَرَرٍ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ بَيْعَ كُلِّ واحِدٍ منهما مُنْفَرِدًا يَصِحُّ؛ لذلك (3)، فكذلك إذا جَمَعَهُما، كالأَرْضِ المُخْتَلِفَةِ الأَجْزَاءِ، والثِّيابِ وغَيْرِها. فأمّا إنْ باعَهُ كُلَّ رَطْلٍ بدِرْهَمٍ، على أَنْ يَزِنَ الظَّرْفَ، فيحْتَسبَ عليه بوَزْنِه، ولا يكونُ مَبِيعًا، وهما يَعْلَمانِ زِنَةَ كُلِّ واحِدٍ منهما، صَحَّ؛ لأنَّه إذا عَلِمَ أنَّ الدُّهْنَ عَشَرَةٌ، والظَّرْفَ رَطْلان، كان مَعْنَاهُ: بِعْتُكَ عَشَرَةَ أرْطَالٍ باثْنَىْ
(1) في الأصل: «أجزاءه» .
(2)
في الأصل: «فهو» .
(3)
في م: «كذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَشَرَ دِرْهَمًا. وإنْ كانَا لا يَعْلَمَانِ زِنَةَ الظَّرْفِ والدُّهْنِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه يُؤَدِّى إلى جَهالَةِ الثَّمَنِ في الحالِ. وسواءٌ جَهِلَا زِنَتَهُما جَمِيعًا، أو زِنَةَ أحَدِهما؛ لذلك (1).
فصل: وإنْ وَجَدَ في ظَرْفِ الدُّهْنِ رُبًّا (2)، فقال ابنُ المُنْذِرِ: قال أحمدُ، وإسحاقُ: إنْ كان سَمَّانًا عندَه سَمْنٌ، أَعطَاهُ بوَزْنِه سَمْنًا، وإن لم يَكُنْ عِنْدَه سَمْنٌ، أعْطَاهُ بقَدْرِ الرُّبِّ مِن الثَّمَنِ. وأَلزَمَهُ شُرَيْحٌ بقَدْرِ الرُّبِّ سَمْنًا بكُلِّ حالٍ. وقال الثَّوْرِىُّ: إنْ شاءَ أخَذَ الذى وَجَدَ، ولا يُكَلَّفُ أَنْ يُعْطِيَه بقَدْرِ الرُّبِّ سَمْنًا. ولَنا، أنَّه وَجَدَ المَبِيعَ المَكِيلَ (3) ناقِصًا، فأَشْبَهَ ما لو اشْتَرَى صُبْرَةً فوَجَدَ تحتَها رَبْوَةً، أو اشْتَرَاها على أنَّها عَشَرَةُ أَقفِزَةٍ، فبانَتْ تِسْعَةً، فإنَّه يأخُذُ المَوْجُودَ بقِسْطِه من الثَّمَنِ، كذلك هذا. فعلى هذا، إنَّما يَأْخُذُ المَوْجُودَ بقِسْطِه مِن الثَّمَنِ، ولا يَلْزَمُ البائِعَ أَنْ يُعْطِيَه سَمْنًا، سواء كان مَوْجُودًا عندَه، أو لم يكُنْ، فإن تَرَاضَيَا على إعْطائِه سَمْنًا، جازَ.
(1) في م: «كذلك» .
(2)
الرب: رب السمن، سفله، وهو ما استقر تحته من كدره.
(3)
في م: «بكيل» .