الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ، في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَينِ.
ــ
ليَرْبَحَ فيما أَقْرَضَه بهذه الحِيلَةِ. فإنْ لم يَكُنْ أرادَ هذا، فلا بَأْسَ. قيلَ لأبِي عبدِ اللهِ: فإنْ أرادَ إرْفاقَه؛ أرادَ أنْ يُقْرِضَه مالًا يَخافُ أنْ يَذهَبَ، فاشْتَرَى منه شَيئًا، وجَعَلَ له الخِيَارَ، لم يُرِدِ الحِيلَةَ؟ فقال أبو عبدِ اللهِ: هذا جائِزٌ، إلَّا أنَّه إذا ماتَ انْقَطَعَ الخِيارُ، لم يَكُنْ لوَرَثَتِه. وقولُ أحمدَ بالجَوازِ في هذه المَسْأَلةِ مَحْمُولٌ على المَبِيعِ الذي لا يُنْتَفَعُ به (1) إلَّا بِإِتْلَافِه، أو على أنَّ المُشْتَرِيَ لا يَنْتَفِعُ بالمَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيارِ، لئَلَّا يُفْضِيَ إلى أنَّ القَرْضَ جَرَّ مَنْفَعَةً.
1611 - مسألة: (ويَنْتَقِلُ المِلْكُ إلى المُشْتَرِى بنَفْسِ العَقْدِ، في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَينِ)
يَنْتَقِلُ المِلْكُ في بَيعِ الخِيَارِ بِنَفْسِ العَقْدِ، في ظاهِرِ المَذْهَبِ، ولا فرْقَ بينَ كَوْنِ الخِيَارِ لهما أو لأحَدِهما، أيِّهما كان. وهو أحَدُ أقْوَالِ الشَّافِعِيِّ. وعن أحمدَ، أنَّ المِلْكَ لا يَنْتَقِلُ حتى يَنْقَضِيَ الخِيارُ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قَوْلُ مالِكٍ، والقَوْلُ الثانِي للشَّافِعِيِّ. وبه قال أبو حَنِيفَةَ، إذا كان الخِيَارُ لهما أو للبَائِعِ، وإنْ كان للمُشْتَرِي، خرَجَ عن مِلْكِ البائِعِ، ولم يَدْخُلْ في مِلْكِ المُشْتَرِى؛ لأنَّ البَيعَ الذي فيه الخِيَارُ عَقْدٌ قاصِرٌ، فلم يَنْقُل المِلْكَ، كالهِبَةِ قبلَ القَبْضِ. وللشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ثالِثٌ، أنَّ المِلْكَ مَوْقُوفٌ، فإنْ أَمْضَيَا البَيعَ تَبَيَّنَّا أنَّ المِلْكَ للمُشْتَرِى، وإلَّا تَبَيَّنَّا أنَّه لم يَنْتَقِلْ عن البائِعِ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَاعَ عَبْدًا، وله مَالٌ، فَمَالُه للبَائِعِ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَه المُبْتَاعُ» (1). وقَوْلُه: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أنْ يُؤَبَّرَ، فَثَمَرُه
(1) تقدم تخريجه في 6/ 303.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للبائِعِ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَهُ المُبْتَاعُ». مُتَّفَقٌ عليه (1). فجَعَلَهَ للمُبْتَاعِ بمُجَرَّدِ اشْتِرَاطِه، وهو عامٌّ في كُلِّ بَيعٍ. ولأنَّه بَيعٌ صَحِيحٌ، فَنَقَلَ المِلْكَ عَقِيبَه، كالذي لا خِيارَ فيه. ولأنَّ البَيعَ تَمْلِيكٌ، بدَلِيلِ أنَّه يَصِحُّ بقَوْلِه: مَلَّكْتُكَ. فيَثْبُتُ به المِلْكُ، كسائِرِ البَيعِ؛ لأنَّ التَّمْلِيكَ يَدُلُّ على نَقْل المِلْكِ إلى المُشْتَرِي، ويَقْتَضِيه لَفْظُه، وقد اعْتَبَرَه الشَّرْعُ، وقَضَى بصِحَّتِه، فوَجَبَ اعْتِبارُه فيما يَقْتَضِيه ويَدُلُّ عليه لَفْظُه،
(1) أخرجه البخاري، في: باب من باع نخلا قد أبرت أو أرضا مزروعة أو بإجارة، وباب بيع النخل بأصله، من كتاب البيوع، وباب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل، من كتاب المساقاة، وباب إذا باع نخلا قد أبرت، من كتاب الشروط. صحيح البخاري 3/ 102، 150، 151، 247. ومسلم، في: باب من باع نخلا عليها ثمر، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1172، 1173.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في العبد يباع وله مال، من كتاب الإجارة. سنن أبي داود 2/ 240. والترمذي، في: باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 252، 253. والنسائي، في: باب النخل يباع أصلها ويستثنى المشترى ثمرها، وباب العبد يباع ويستثنى المشترى ماله، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 260، 261. وابن ماجة، في: باب ما جاء في من باع نخلا مؤبرا أو عبدا له مال، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 745، 746. والإمام مالك، في: باب ما جاء في ثمر المال يباع أصله، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 617. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 6، 9، 54، 63، 78، 82، 102، 150، 5/ 326.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وثُبُوتُ الخِيارِ فيه لا يُنَافِيهِ، كما لو باعَ عَرْضًا بعَرْضٍ (1)، فَوَجَدَ كُلُّ واحِدٍ منهما بما اشْتَرَاهُ عَيبًا. وقَوْلُهم: إنَّه قاصِرٌ. غيرُ صَحِيحٍ، وجَوازُ فَسْخِه لا يُوجِبُ قُصورَهُ، ولا يَمْنَعُ نَقْلَ المِلْكِ فيه، كبَيعِ المَعِيبِ، وامْتِنَاعُ التَّصَرُّفِ إنَّما كان لأَجْلِ حَقِّ الغَيرِ، فلا يَمْنَعُ ثُبُوتَ المِلْكِ، كالمَرْهُونِ. وقَوْلُهم: إِنَّه يَخْرُجُ عن مِلْكِ البائِعِ، ولا يَدْخُلُ في مِلْكِ المُشْتَرِي. لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يُفْضِي إلى وُجُودِ مِلْكٍ بغيرِ مالِكٍ، وهو مُحَالٌ، ويُفْضِي أيضًا إلى ثُبُوتِ المِلْكِ للبائِعِ في الثَّمَنِ، مِن غيرِ حُصُولِ
(1) في الأصل، م:«بعوض» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عِوَضِه للمُشْتَرِي، أو إلى نَقْلِ مِلْكِه عن المَبِيعِ، مِن غيرِ ثُبُوتِه في عِوَضِه. وكونُ العَقْدِ مُعاوَضَةً يأْبَى ذلك. وقولُ أصْحابِ الشّافِعِيِّ: إنَّ المِلْكَ مَوْقُوفٌ، إنْ أمْضَيَا البَيعَ تَبَيَّنَّا أنَّه انْتَقَلَ، وإلَّا فلا. غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ انْتِقَال المِلْكِ إنَّما يَنْبَنِي على سَبَبِه النَّاقِلِ، وهو البَيعُ، وذلك لا يَخْتَلِفُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بإمْضَائِه وفَسْخِه، فإنَّ إمْضاءَه ليس مِن المُقْتَضِي، ولا شَرْطًا فيه، إذْ لو كان كذلك لَما ثَبَتَ المِلْكُ قَبْلَه، والفَسْخُ ليس بمَانِعٍ، فإنَّ المَنْعَ لا يَتَقَدَّمُ المانِعَ، كما أنَّ الحُكْمَ لا يَسْبِقُ سَبَبَهُ ولا شَرْطَهُ. ولأنَّ البَيعَ مع الخِيَارِ سَبَبٌ يَثْبُتُ المِلْكُ عَقِيبَه فيما إذا لم يُفْسَخْ، فوَجَبَ أن يُثْبِتَه وإنْ فُسِخَ، كبَيعِ المَعِيبِ، وهو ظاهِرٌ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى.