الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّالِثَةُ، الْمُسْتَرْسِلُ، إِذَا غُبِنَ الْغَبْنَ الْمَذْكُورَ. وَعَنْهُ، أَنَّ النَّجْشَ وَتَلَقِّيَ الرُّكْبَانِ بَاطِلَانِ.
ــ
مِن البائِعِ، أو لم يَكُنْ. وقال أصحابُ الشّافِعِيِّ: إنْ لم يكُنْ ذلك بمُواطَأةٍ مِن البائِعِ وعِلْمِه، فلا خِيارَ. واخْتَلَفُوا فيما إذا كانَ بمُوَاطَأَةٍ منه، فقال بَعْضُهم: لا خِيَارَ للمُشْتَرِي، لان التَّفْرِيطَ منه، حيث اشْتَرَى ما لا يَعْرِفُ قِيمَتَه. ولَنا، أنَّه تَغْرِيرٌ بالعاقِدِ، فإذا غُبِنَ ثَبَتَ له الخِيَارُ، كما في تَلَقِّي الرُّكْبانِ، وبذلك يَبْطُلُ ما ذَكَرُوه. ولو قال البائِعُ: أُعْطِيتُ بهذه السِّلْعَةِ ما لم يُعْطِ. فَصَدَّقَه المُشْتَرِي، ثم بان (1) كاذِبًا، فالبَيعُ صَحِيحٌ، وللمُشْتَرِي الخيارُ أيضًا؛ لأنَّه في مَعْنَى النَّجْشِ.
1622 - مسألة: (الثالِثَةُ، المُسْتَرْسِلُ، إذا غُبِنَ الغَبْنَ المَذْكُورَ)
يَعْنِي إذا غُبِنَ غَبْنًا يَخْرُجُ عن العَادَةِ -كما ذَكَرْنا في تَلَقِّي الرُّكْبانِ والنَّجْشِ- يُثْبِتُ له الخِيارَ بينَ الفَسْخِ والإِمْضَاءِ. وبه قال مالِكٌ. وقال ابنُ أبي مُوسَى: وقد قيلَ: قد لَزِمَهُ البَيعُ، ولا فَسْخَ له. وهو مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ،
(1) في الأصل، ق، م:«كان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشّافِعِيِّ؛ لأنَّ نُقْصَانَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ مع سَلَامَتِها لا يَمْنَعُ لُزُومَ العَقْدِ، كغَيرِ المُسْتَرْسِلِ، وكالغَبْنِ اليَسِيرِ. ولَنا، أنَّه غَبْنٌ حَصَلَ لجَهْلِه بالمَبِيعِ، فأَثبَتَ الخِيارَ، كالغَبْنِ في تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، فأمّا غيرُ المُسْتَرْسِلِ، فإنَّه دَخَلَ على بَصِيرَةٍ بالغَبْنِ، فهو كالعالِمِ بالعَيبِ، وكذا لو اسْتَعْجَلَ فجَهِلَ ما لو تَثَبَّتَ لَعَلِمَه، لم يكُنْ له خِيارٌ؛ لأنَّه انْبَنَى على تَفْرِيطِه وتَقْصِيرِه. والمُسْتَرْسِلُ هو الجاهِلُ بقيمَةِ السِّلْعَةِ، ولا يُحْسِنُ المُبايَعَةَ. قال أحمدُ: المُسْتَرْسِلُ الذي لا يُحْسِنُ أنْ يُماكِسَ. وفي لَفْظٍ: الذي لا يُماكِسُ. فكَأنَّه اسْتَرْسَلَ إلى البَائِعِ، فأَخذَ ما أعْطَاهُ مِن غيرِ مُمَاكَسَةٍ، ولا مَعْرِفَةٍ بغَبْنِه. ولا تَحْدِيدَ للغَبْنِ، في المَنْصُوصِ عن أحمدَ. وحدَّه أبو بكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» ، وابنُ أبي مُوسَى في «الإِرْشادِ» بالثُّلُثِ. وهو قولُ مالِكٍ؛ لقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«والثُّلُثُ كَثِيرٌ» (1).
(1) أخرجه البخاري، في: باب الوصية بالثلث. . . .، من كتاب الوصايا. صحيح البخاري 3/ 4، 4. ومسلم، في: باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصية. صحيح مسلم 3/ 1253.
كما أخرجه النسائي، في: باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصايا. المجتبى 6/ 204. وابن ماجه، في: باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصايا. سنن ابن ماجه 2/ 905. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 230، 233.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: السُّدْسُ. والأوْلَى تَحْدِيدُه بما لا يَتَغابَنُ النّاسُ به في العادَةِ؛ لأنَّ ما لا يَرِدُ الشَّرْعُ بتَحْدِيدِه يُرْجَعُ فيه إلى العُرْفِ.
فصل: وإذا وقَعَ البَيعُ على غيرِ مُتَعَيِّن، كقَفِيزٍ مِن صُبْرَةٍ، ورَطْلٍ مِن دَنٍّ، فظاهِرُ قَوْلِ الخِرَقِيِّ أنَّه يَلْزَمُ بالتَّفَرُّقِ، سواءٌ تَقَابَضَا، أوْ لَا. وقال القاضِي في مَوْضِعٍ:[المَبِيعُ الذي](1) لا يَلْزَمُ إلَّا بالقَبْضِ، كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ، فقد صَرَّحَ بأنَّه لا يَلْزَمُ قبلَ قَبْضِه. وذكرَ في موضِع آخَرَ: مَن اشْتَرَى قَفِيزَينِ (2) مِن صُبْرَتَينِ، فتَلِفَتْ إحْدَاهُما قبلَ القَبْضِ، بَطَلَ العَقْدُ في التّالِفِ دُونَ الباقِي. رِوايَةً واحِدَةً، ولا خِيارَ للبائِعِ. وهذا تَصْرِيحٌ باللُّزُومِ في حَقِّ البائِحِ قَبْلَ القَبْضِ، فإنَّه لو كان جائِزًا، كان له الخِيارُ، سَواءٌ تَلِفَتْ إحْدَاهُما أوْ لم تَتْلَفْ. ووَجْهُ الجَوازِ،
(1) في ر ا: «البيع» .
(2)
في م: «قفيزًا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه مَبِيعٌ لا يَمْلِكُ بَيعَه ولا التَّصَرُّفَ فيه، فكان جائِزًا، كما قبلَ التَّفَرُّقِ، ولأَنَّه لو تَلِفَ لكانَ مِن ضَمانِ البائِعِ. ووَجْهُ اللُّزُوم قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «وإنْ تَفَرَّقَا بعدَ أنْ تَبَايَعَا، ولم يَتْرُكْ أحَدُهما البَيعَ، فقد وَجَبَ البَيعُ» (1). وما ذَكَرْناه للقولِ الأوَّلِ يَنْتَقِضُ بِبَيعِ المَوْصُوفِ والسَّلَمِ، فإنَّه لازِمٌ مع ما ذَكَرْناه. وكذلك سائِرُ المَبِيعِ (2) في إحْدَى الرِّوَايَتَينِ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 265.
(2)
في م: «البيع» .
فَصْلٌ: الرَّابعُ، خِيَارُ التَّدْلِيسِ بِمَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ، كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَتَحْمِيرِ وَجْهِ الْجَارِيَةِ، وَتَسْويدِ شَعَرِهَا وَتَجْعِيدِهِ، وَجَمْعِ مَاءِ الرَّحَى وَإرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا. فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ.
ــ
فصل: قال، رضي الله عنه:(الرَّابعُ، خِيَارُ التَّدْلِيسِ بما يَزِيدُ به (1) الثَّمَنُ؛ كتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ، وتحْمِيرِ وَجْهِ الجارِيَةِ، وتَسويدِ شَعَرها وتَجْعِيدِه، وجَمْعِ ماءِ الرَّحَى وإرْسَالِه عندَ عَرْضِها. فهذا يُثْبِتُ للمُشْتَرِي خِيارَ الرَّدِّ) التَّصْرِيَةُ: جَمْعُ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ. يُقالُ: صَرَّى الشّاةَ، وصَرَى اللَّبَنَ في ضَرْعِ الشّاةِ. بالتَّشْدِيدِ والتَّخْفِيفِ. ويُقالُ: صَرَى الماءَ في الحَوْضِ، وصَرَى الطّعامَ في فِيه، وصَرَى الماءَ في ظَهْرِه. إذا تَرَكَ الجِماعَ. وأنشد أبو عُبَيدٍ (2):
(1) سقط من: م.
(2)
في النسخ: «عبيدة» . والرجز في غريب الحديث، لأبي عبيد 2/ 241. وتهذيب اللغة 12/ 224. واللسان (ص ر ى). وهو للأغلب العجلي، وكان جاهليا إسلاميا، قتل بنهاوند، وهو أول من شبه الرجز بالقصيد وأطاله. الشعر والشعراء، لابن قتيبة 2/ 413.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَأتْ (1) غُلامًا قدَ صَرَى في فِقْرَتِه
…
ماءَ الشَّبَابِ عُنْفُوانَ شِرَّتِه (2)
قال البُخَارِيُّ: أصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الماءِ. يُقالُ: صَرَّيتُ الماءَ. ويقال للمُصَرَّاةِ: المُحَفَّلَةُ. وهو مِن الجَمْعِ أيضًا. ومنه سُمِّيَتْ مَجامِعُ النَّاسِ مَحافِلَ. والتَّصْرِيَةُ حَرَامٌ إذا أُرِيدَ بها التَّدْلِيسُ على المُشْتَرِي؛ لقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا تُصَرُّوا الإِبلَ» (3). وقولِه: «مَنْ غَشَّنَا فلَيسَ مِنّا» (4). ورَوَى ابنُ ماجَه (5)، بإسْنَادِه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«بَيعُ المُحَفَّلَاتِ خِلَابَةٌ، ولا تَحِلُّ الخِلابَة لمُسْلِمٍ» . ورَواهُ ابنُ عبدِ البرِّ:
(1) في م: «رأيت» .
(2)
في الأصل، ق:«ستره» .
(3)
أخرجه البخاري، في: باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم. . . .، وباب إن شاء رد المصراة وفي حلبتها صاع من تمر، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 92، 93. ومسلم، في: باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه. . . .، و: باب حكم بيع المصراة، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1155، 1158، 1159. وأبو داود، في: باب من اشترى مصراة فكرهها، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 242. والنسائي، في: باب النهي عن المصراة. . . .، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 223. والإمام مالك، في باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 683، 684. والإمام أحمد، في: المسند 242/ 2، 417، 460، 465.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 144.
(5)
في: باب بيع المصراة، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 753 كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 433.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«ولا تَحِلُّ خِلَابَةُ مُسْلِم» (1). فمَن اشْتَرَى مُصَرَّاةً مِن بَهِيمَةِ الأَنْعامِ وهو لا يَعْلَمُ تَصْرِيَتَها، ثم عَلِمَ، فله الخِيارُ في الرَّدِّ والإِمْسَاكِ. رُوِيَ ذلك عن ابنِ مَسْعُودٍ،، وابنِ عمرَ، وأبي هُرَيرَةَ، وأَنسٍ. وإليه ذَهَبَ مالِكٌ، وابنُ أبي لَيلَى، والشّافِعِيُّ، وإسْحاقُ، وأبو يُوسُفَ، وعامَّةُ أهْلِ العِلْمِ. وذَهَبَ أبو حَنِيفَةَ، ومحمدٌ إلى أنَّه لا خِيَارَ له؛ لأنَّ ذلك ليس بعَيبٍ، بدَلِيلِ أنَّها لو لم تكُنْ مُصَرَّاةً فوَجَدَها أقلَّ لَبَنًا مِن أَمثالِها، لم يَمْلِكْ رَدَّها، والتَّدْلِيسُ بما ليس بعَيبٍ لا يُثْبِتُ الخِيارَ، كما لو عَلَفَها، فانْتَفَخَ بَطْنُها، فَظنَّ المُشْتَرِي أنَّها حامِلٌ. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيرَةَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لا تُصَرُّوا الإِبلَ والغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَها فإنَّه بِخَيرِ النَّظَرَينِ بعدَ أنْ يَحْلِبَها، إنْ شاءَ أَمْسَكَ، وإنْ شاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِن تَمْر» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ورَوَى ابنُ عمرَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنِ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً، فَهُوَ بالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أيّامٍ، فإنْ رَدَّها رَدَّ مَعَها مِثْلَ أو مِثْلَيْ لَبَنِها قَمْحًا» . رَواهُ أبو دَاودَ (3). ولأنَّه تَدْلِيسٌ بما يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ باخْتِلافِه، فوَجَبَ به
(1) الاستذكار 21/ 85. التمهيد 18/ 209، 210.
(2)
تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(3)
في: باب من اشترى مصراة فكرهها، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 243.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب بيع المصراة، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 753. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 417.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّدُّ، كالشَّمْطَاءِ إذا سَوَّدَ شَعَرَها. وبه يَبْطُلُ قِياسُهُم، فإنَّ بَيَاضَه ليس بعَيبٍ، كالكِبَرِ، وإذا دَلَّسَه ثَبَتَ له الخِيارُ. وأمّا انْتِفَاخ البَطْنِ فقد يكونُ لغَيرِ الحَمْلِ، فلا مَعْنَى لحَمْلِه عليه، وعلى أنَّ هذا القِياسَ يُخَالِفُ النَّصَّ، واتِّباعُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّما يَثْبُتُ الخِيَارُ إذا لم يَعْلَم المُشْتَرى بالتَّصْرِيَةِ، فإنْ كان عالِمًا، لم يَثْبُتْ له خِيارٌ. وقال أصْحابُ الشّافِعِيِّ: يَثْبُتُ له الخِيَارُ في وَجْهٍ، للخَبَرِ، ولأنَّ انْقِطَاعَ اللَّبَنِ لم يُوجَدْ، وقد يَبْقَى على حالِه، كما لو تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا، ثم طَلَبَتِ الفَسْخَ. ولَنا، أنَّه اشْتَرَاها عالِمًا بالتَّدْلِيسِ، فلم يكنْ له خِيَارٌ، كما لو اشْتَرَى مَن سُوِّدَ شَعَرُها عالِمًا بذلك، ولأنَّه دَخَلَ على بَصِيرَةٍ، فلم يَثْبُتْ له الرَّدُّ،؛ لو اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيبَه، وبَقاءُ اللَّبَنِ على حالِه نادِرٌ بَعِيدٌ، لا يُعَلَّقُ عليه حُكْمٌ، والأصْلُ الذي قاسُوا عليه مَمْنُوعٌ.
فصل: وكذلك كلُّ تَدْلِيس يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لأجْلِه، مثلَ أنْ يُسَوِّدَ شَعَرَ الجارِيَةِ، أو يُجَعِّدَه، أو يُحَمِّرَ وَجْهَهَا، أو يُضْمِرَ الماءَ على الرَّحَى ويُرْسِلَه عنَد عَرْضِهَا على المُشْتَرِي، يُثْبِتُ الخِيارَ أيضًا، لأَنَّه تَدْلِيسٌ يَخْتَلِفُ الثمَنُ باخْتِلافِه، فأَثبَتَ الخِيَارَ، كالتَّصْرِيَةِ. وبهذا قال الشّافِعِيُّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَوَافَقَ أبو حَنِيفَةَ في تَسْويدِ الشَّعَرِ. وقال في تَجْعِيدِه: لا يَثْبُتُ به خِيارٌ؛ لأنَّه تَدْلِيسٌ بما ليس بعَيبٍ، أشْبَهَ ما لو سَوَّدَ أنامِلَ العَبْدِ ليَظُنَّه كاتِبًا أو حَدَّادًا. وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بتَسْويدِ الشَّعَرِ. وأمّا تَسْويدُ أنامِلِ العَبْدِ، فَلَيسَ بمُنْحَصِرٍ في كَوْنِه كاتِبًا؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ قد وَلَغَ بالدَّوَاةِ، أو كان غُلامًا لكاتِبٍ يُصْلِحُ له الدَّوَاةَ، فظَنُّه كاتِبًا طَمَعٌ لا يَسْتَحِقُّ به فَسْخًا. فإنْ حَصَلَ هذا مِن غيرِ تَدْلِيسٍ، مثلَ أَنِ اجْتَمَعَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ مِن غيرِ قَصْدٍ، أو احْمَرَّ وَجْهُ الجارِيَةِ لخَجَلٍ أو تَعَبٍ، أو تَسَوَّدَ شَعَرُها بشيءٍ وَقَعَ عليه، فقال القاضِي: له الرّدُّ أيضًا؛ لدَفْعِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بالمُشْتَرِي، والضَّرَرُ واجِبُ الدَّفْعِ، سواءٌ قَصَدَ أو لم يَقْصِدْ، فأشْبَهَ العَيبَ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَثْبُتَ الخِيارُ بحُمْرَةِ الوَجْهِ بخَجَلٍ أو تَعَبٍ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ ذلك، فتَعَيَّنَ، [فظَنُّه من خِلْقَتِه الأصْلِيَّةِ طَمَعٌ](1)، فأَشْبَهَ سوادَ أنامِلَ العَبْدِ.
فصل: وإنْ دَلَّسَه بما لا يَخْتَلِفُ به الثَّمَنُ، كتَبْييضِ الشَّعَرِ، وتسْبِيطِه، فلا خِيارَ للمُشتَرِى؛ لأنَّه لا ضَرَرَ في ذلك. وإن عَلفَ الشاةَ فَظَنَّها المُشْتَرِي حامِلًا، أو سَوَّدَ أنامِلَ العَبْدِ، أو ثَوْبَه، لِيَظُنَّه كاتِبًا أو
(1) في الأصل، م، ق:«ظنه من خلقته الأصلية لطمع» .