الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ شَرَطَ رَهْنًا فَاسِدًا وَنَحْوَهُ، فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
1597 - مسألة: (وإن شَرَطَ رَهْنًا فاسِدًا)
كالخَمْرِ (ونحْوِه، فهل يَبْطُلُ البَيْعُ؟ على وَجْهَيْنِ) أصْلُهما الرِّوَايَتَانِ في الشُّروطِ الفاسِدَةِ، وقد مَضَى ذكْرُهما.
فصل: وَإذا قال رَجُلٌ لغَرِيمِه: بِعْنِى هذا على أن أَقْضِيَكَ دَيْنَكَ منه. ففَعَلَ، فالشَّرْطُ باطِلٌ؛ لأَنَّه شَرَطَ أن لا يَتَصَرَّفَ فيه بغيرِ القَضاءِ. وهل يَبْطُلُ (1) البَيْعُ؟ يَنْبَنِى على الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ في البَيْعِ، على ما ذَكَرْنا. وإن قال: اقْضِنِى (2) حَقِّى على أن أبِيعَكَ كذا وكذا. فالشَّرْطُ باطلٌ، والقَضاءُ صَحِيحٌ؛ لأنَّه أقْبَضَه حَقَّه. وإن قال: اقْضِنِى (2) أَجْوَدَ من مالِى، على أن أَبِيعَكَ كذا. فالقَضَاءُ والشَّرْطُ باطِلَانِ، وعليه رَدُّ ما قَبَضَه، ويُطالِبُ بمالِه.
(1) في م: «يفسد» .
(2)
في م: «اقبضنى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَتَى حَكَمْنَا بفَسَادِ العَقْدِ، لم يَثْبُتْ به مِلْكٌ، سواءٌ اتَّصَلَ به القَبْضُ أو لَا. ولا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ المُشْتَرِى فيه بِبَيْعٍ، ولا هِبَةٍ، ولا عِتْقٍ، ولا غيرِه. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حَنِيفةَ: يَثْبُتُ المِلْكُ فيه إذا اتَّصَلَ به القَبْضُ، وللبَائِعِ الرُّجُوعُ فيه، فيَأْخُذُه مع زِيادَتِه المُنْفَصِلةِ (1)، إلَّا أن يَتَصَرفَ فيه المُشْتَرِى تصَرُّفًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فيه، فيَأْخُذَ قِيمَتَه. مُحْتَجًّا بحَدِيثِ بَرِيرَةَ؛ فإنَّ عائِشَةَ اشْتَرَتْها بشَرْطِ الوَلاءِ، فأعْتَقَتْها، فأَجَازَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم العِتْقَ، والبَيْعُ فاسِدٌ. ولأنَّ المُشْتَرِىَ على صِفَةٍ يملِكُ المَبِيع ابْتِداءً بعَقْدٍ، وقد حَصَلَ عليه الضَّمَانُ للبَدَلِ عن (2) عَقْدٍ فيه تَسْلِيطٌ، فوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَه، كالعَقْدِ الصَّحِيحِ. ولَنا، أنَّه مَقْبُوضٌ بعَقْدٍ فاسِدٍ، فلم يمْلِكْهُ، كما لو كان الثَّمَنُ مَيْتَةً، أو دَمًا. فأمّا حَدِيثُ بَرِيرَةَ، فإنّمَا يَدُلُّ على صِحَّةِ العَقْدِ، لا على ما ذَكَرُوه. وليس في الحَدِيثِ أنَّ عائِشَةَ اشْتَرَتْهَا بهذا الشَّرْطِ، بل الظاهِرُ أنَّ أَهْلَها حينَ بَلَغَهُم إنْكَارُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم هذا الشَّرْطَ، تَرَكُوهُ. ويَحْتَمِلُ أنَّ الشَّرْطَ كان سابِقًا للعَقْدِ، فلم يُؤَثِّرْ فيه.
(1) في م: «المتصلة» .
(2)
في م: «غير أنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وعليه رَدُّ المَبِيعِ، مع نَمائِه [المُتَّصِلِ و](1) المُنْفَصِلِ، وأُجْرَةِ مثلِه مُدَّةَ بقَائِه في يَدَهِ، وإنْ نَقَصَ ضَمِنَ نَقْصَهُ؛ لأنَّها جُمْلَةٌ مَضْمُونَةٌ، فأجْزَاؤُها تكونُ مَضْمُونَةً أيضًا. وإنْ تَلِفَ المَبِيعُ في يَدِ المُشْتَرِى، فعليه ضَمانُه بقِيِمَتِه يومَ التَّلَفِ. قاله القاضِى. ولأنَّ أَحمَدَ نَصَّ عليه في الغَصْبِ. ولأنَّه قَبَضَه بإذْنِ مالِكِه، فأشْبَهَ العارِيَّةَ. وذَكَرَ الخِرَقِىُّ في الغَصْبِ، أنّه يَلْزَمُه قِيمَتُه أكْثَرَ ما كانت. فيُخَرَّجُ ههنا كذلك. ولأصْحابِ الشافِعِىِّ وَجْهَانِ كهذَيْنِ.
فصل: فإنْ كان المَبِيعُ أمَةً، فَوَطِئَها المُشْتَرِى، فلا حَدَّ عليه؛ لاعْتِقَادِه أَنَّها مِلْكُه، ولأنَّ في المِلْكِ اخْتِلَافًا. وعليه مَهْرُ مِثْلِها؛ لأنَّ الحَدَّ إذا سَقَطَ للشُّبْهَةِ، وَجَبَ المَهْرُ. ولأنَّ الوَطْءَ في مِلْكِ الغَيْرِ يُوجِبُ المَهْرَ. وعليه أرْشُ البَكَارَةِ، إنْ كانَتْ بِكْرًا. فإنْ قيلَ: أليس إذا تَزَوَّجَ امرأةً تَزْويجًا فاسِدًا، فَوَطِئَها، فأزَالَ بكَارَتَها، لا يَضْمَنُ البَكَارَةَ؟ قُلْنا: لأنَّ النِّكَاحَ. تَضَمَّنَ الإِذْنَ في الوَطْء المُذْهِب للبَكَارَةِ؛ لأنَّه مَعْقودٌ على الوَطْءِ، ولا كذلك البَيْعُ، لأنَّه ليس بمَعْقودٍ على الوَطْءِ،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بدَلِيلِ أنَّه يَجُوزُ شِراءُ مَنْ لا يَحِلَّ وَطْؤُها. فإنْ قيلَ: فإذا أوْجَبْتُم مَهْرَ بِكْرٍ، فكيف تُوجِبُونَ ضمانَ البَكَارَةِ، وقد دَخَلَ ضَمانُها في المَهْرِ؟ وإذا أوْجَبْتُم ضمانَ البَكَارَةِ، فكيف تُوجِبُونَ مَهْرَ بِكْرٍ، وقد أَدَّى عِوَضَ البَكَارَةِ بضَمانِه لها، فجَرَى مَجْرَى مَنْ أَزَالَ بكارَتَها بإصْبَعِه، ثم وَطِئَها؟ قُلْنا: لأَنَّ مَهْرَ البِكْرِ ضمانُ المَنْفَعَةِ، وأَرْشَ البَكَارَةِ ضمانُ جُزْءٍ، فلذلك اجْتَمَعَا، وأمّا الثَّانِى، فإنَّه إذا وَطِئَها بِكْرًا، فقد اسْتَوْفَى نَفْعَ هذا الجُزْءِ، فَوَجَبَتْ قِيمَةُ ما اسْتَوْفَى مِن نَفْعِه، وإذا أَتْلَفَه وَجَبَ ضمانُ عَيْنِه، ولا يَجُوزُ أن يَضْمَنَ العَيْنَ ويُسْقِطَ ضمانَ المَنْفَعَةِ، كما لو غَصَبَ عَيْنًا ذاتَ مَنْفَعَةٍ، فاسْتَوْفَى مَنْفَعَتَها، ثم أَتْلَفَها، أو غَصَبَ ثَوْبًا، فلَبِسَه حتى أَبْلاهُ وأتْلَفَه، فإنَّه يَضْمَنُ القِيمَةَ والمَنْفَعَةَ، كذا ههُنا.
فصل: وإنْ وَلَدَت كان وَلَدُها حُرًّا؛ لأنَّه وَطِئَها بشُبْهَةٍ، ويَلْحَقُ به؛ لذلك، ولا ولاءَ عليه؛ لأنَّه حُرُّ الأَصْلِ، وعلى الوَاطِئَ قِيمَتُه يومَ وَضْعِه؛ لأنَّه يومُ الحَيْلُولَةِ بَيْنَه وبينَ صاحِبِه. فإنْ سَقَطَ مَيْتًا لم يَضْمَنْ؛ لأنَّه إِنَّما يَضْمَنُه حينَ وَضْعِه، ولا قِيمَةَ له حِينَئِذٍ. فإنْ قيلَ: فلو ضَرَبَ بَطْنَها فألْقَتْ جَنِينًا مَيْتًا وجَبَ ضَمانُه. قُلْنا: الضّارِبُ يَجِبُ عليه غُرَّةٌ، وههُنا يَضْمَنُه بقِيمَتِه، ولا قِيمَةَ له، ولأنَّ الجانِىَ أتْلَفَه وقَطَعَ نماءَه، وههُنا يَضْمَنُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالحَيْلُولَةِ [بينه وبينَ سَيِّدِه، وَوَقْتُ الحَيْلُولةِ وَقْتُ السُّقُوطِ، وكان مَيْتًا، فلم يجبْ ضَمانُه، وعليه ضَمانُ نقْصِ الوِلادةِ](1). فإن كان الضَّارِبُ أَجْنَبيًّا، فألْقَتْ جَنِينًا مَيْتًا، فعلى الضّارِبِ غُرَّةٌ؛ عَبْدٌ أو أَمَةٌ، للسَّيِّدِ أقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِن دِيَةِ الجَنِينِ، أو قِيمتِه يومَ سَقَطَ؛ لأنَّ ضمانَ الضّارِبِ له قامَ مَقامَ خُرُوجِه حَيًّا، ولذلك ضَمِنَه للبائِعِ. وإنَّما كان للسَّيِّدِ أقلُّ الأمْرَيْنِ؛ لأنَّ الغُرَّةَ إنْ كانَتْ أَكْثَرَ مِن القِيمَةِ، فالباقِى منها لوَرَثَتِه؛ لأنَّه حَصَلَ بالحُرِّيَّةِ، فلا يَسْتَحِقُّ السَّيِّدُ منها شيئًا. وإنْ كانَتْ أقَلَّ، لم يَكُنْ على الضّارِبِ أكثرُ منها؛ لأنَّهُ بسَبَبِ ذلك ضَمِنَ. وإنْ ضَرَبَ الواطِئُ بَطْنَها، فأَلْقَتِ الجَنِينَ مَيْتًا، فعليه الغُرَّةُ أيضًا، ولا يَرِثُ منها شيئًا، وللسَّيِّدِ أقَلُّ الأَمْرَيْنِ، كما ذَكَرْنا. وإنْ سَلَّمَ الجارِيَةَ المَبِيعَةَ إلى البائِعِ حامِلًا، فوَلَدَتْ عندَه، ضَمِنَ نَقْصَ الوِلادَةِ، وأنْ تَلِفَتْ بذلك ضَمِنَها؛ لأنَّ تَلَفَها بسَبَبٍ منه. وإنْ مَلَكَها الواطِئُ، لم تَصِرْ بذلك أُمَّ وَلَدٍ، على الصَّحِيحِ مِن المَذهَبِ؛ لأَنَّها عَلِقت منه في غيرِ مِلكِه، فأشْبَهَ (2) الزَّوْجَةَ. وهكذا كُلُّ مَوْضِعٍ حَبِلَتْ في مِلْكِ غيرِه، لا تَصِيرُ له أُمَّ وَلَدٍ بهذا.
(1) في م: «بعينه» .
(2)
في م: «فأشبهت» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا باعَ المُشْتَرِي المَبِيعَ الفاسِدَ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه باعَ مِلْكَ غَيْرِه بغيرِ إذنِه، وعلى المُشتَرِى رَدُّه على البائِعِ الأَوَّلِ؛ لأنَّه مالِكُه، ولبائِعِه أخْذُه حيث وجَدَه، ويَرْجِعُ المُشْتَرِى الثَّانِى بالثَّمَنِ على الذى باعه، ويَرْجِعُ الأَوَّلُ على بائِعِه. فإن تَلِفَ في يَدِ الثَّانِى، فللبَائِعِ مُطَالَبَةُ مَن شاء منهما؛ لأنَّ الأوَّلَ ضامِنٌ، والثانِىَ قَبَضَه مِن يَدِ ضامِنِه بغيرِ إذْنِ صاحِبِه، فكانَ ضامِنًا. فإنْ كانت قِيمَتُه أكْثَرَ مِن ثَمَنِه فضَمِنَ الثَّانِى، لم يَرْجِعْ بالفَضْلِ على الأوَّلِ، لأنَّ التَّلَفَ في يَدِه، فاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه. وإن ضَمِنَ الأَوَّلُ، رَجَع بالفَضْلِ على الثَّانِى.
فصل: وإنْ زَادَ المَبيعُ في يَدِ المُشْتَرِى بسِمَنٍ أو نحوِه، ثم نَقَص حتى عادَ إلى ما كانَ عليه، أَو وَلَدَتِ الأَمَةُ في يَدِ المُشْتَرِى ثم ماتَ وَلَدُها، احْتَمَلَ أن يَضْمَنَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ، لأَنَّها زِيادَةٌ في عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ، أشْبَهَتِ الزِّيَادَةَ في المَغْصُوبِ، واحْتَمَلَ أن لا يَضْمَنَها؛ لأنَّه دَخَلَ على أن لا يَكُونَ في مُقابَلَةِ الزِّيادَةِ عِوَضٌ. فعلى هذا تَكُونُ الزِّيَادَةُ أَمانَةً في يَدِه؛ إن تَلِفَتْ بتَفْرِيطِه أو عُدْوَانِه، ضَمِنَها، وإلَّا فَلَا. وإن تَلِفَتِ العَيْنُ بعدَ زِيادَتِها، أُسْقِطَت تلك الزِّيادَةُ مِن القِيمَةِ، وضَمِنَها بما بَقِىَ مِن القِيمَةِ حينَ التَّلَفِ. قال القاضِى: وهذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا باعَ بَيْعًا فاسِدًا، وتَقابَضَا، ثم أَتْلَفَ البائِعُ الثَّمنَ، ثم أَفْلَسَ، فله الرُّجُوعُ في المَبِيعِ، والمُشْتَرِى أُسْوَةُ الغُرَماءِ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حَنِيفَةَ: المُشْتَرِى أحَقُّ بالمَبِيعِ مِن سائِرِ الغُرَماءِ؛ لأنَّه في يَدِه، فكانَ أحَقَّ به، كالمُرْتَهِنِ. ولَنا، أنَّه لم يَقْبِضْه وَثِيقَةً، فلم يَكُنْ أحَقَّ به، كما لو كان وَدِيعَةً عنده، بخِلَافِ المُرْتَهن؛ فإنّه قَبَضَه على أنَّه وَثِيقةٌ بحَقِّهِ.
فصل: وإذا قال: بعْ عَبْدَكَ مِن فُلانٍ بأَلْفٍ، على أنَّ عَلَىَّ خَمْسَمائَةٍ. فبَاعَهُ بهذا الشَّرْطِ، فالبَيْعُ فاسِدٌ؛ لأنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ أن يكونَ جَمِيعُه على المُشْتَرِى، فإذا شَرَطَ كَوْنَ بَعْضِه على غيرِه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ المَبِيعَ، والثّمنُ على غَيْرِه، ولا يُشْبِهُ هذا ما لو قال: أعْتِقْ عَبْدَكَ -أو- طَلِّقِ امْرَأَتَكَ وعَلَىَّ خَمْسُمائَةٍ. لكَوْنِ هذا عِوَضًا في مُقابَلَةِ فَكِّ الزَّوْجَةِ ورَقَبَةِ العَبْدِ، ولذلك لم يَجُزْ في النِّكَاحِ. أمّا في مَسْأَلتِنا، فإنّه مُعَاوَضَةٌ في مُقَابَلَةِ نَقْلِ المِلْكِ، فلا يَثْبُتُ؛ لأَنَّ العِوَضَ على غَيْرِه. وإن كان هذا القَوْلُ على وَجْهِ الضَّمانِ، صَحَّ البَيْعُ، ولَزِمَ الضَّمَانُ.