الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْخُلْفِ في الصِّفَةِ، وَتَغَيُّرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ. وَقَدْ ذَكَرنَاهُ.
ــ
لأَجْلِ الاسْتِبْراءِ. وبهذا قال أبو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ. وحُكِيَ عن مالِكٍ في القَبِيحَةِ. وقال في الجَميلَةِ: يَضَعُها على يَدَيْ عَدْلٍ حتى تُسْتَبْرَأَ؛ لأنَّ التُّهْمَةَ تَلْحَقُه فيها، فمُنِعَ منها. ولَنا، أنَّه بَيعُ عَينٍ لا خِيارَ فيها (1)، قد قَبَضَ ثَمَنَها، فوَجَبَ تَسْلِيمُها، كسائِرِ المَبِيعات، وما ذَكَرَه مِن التُّهْمَةِ لا يُمَكِّنُه مِن المَنْعِ، كالقَبِيحَةِ. ولأنَّه إنْ كان اسْتَبْرَأَها قبلَ بَيعِها، فاحْتِمالُ وجُودِ الحَمْلِ منها بَعِيدٌ نادِرٌ، وإن كان لم يَسْتَبْرِئها، فهو الذي تَرَكَ التَّحَفُّظَ لنَفْسِه. ولو طالبَ المُشْتَرِي البائِعَ بكَفِيلٍ، لئَلَّا تَظْهَرَ حامِلًا، لم يكُنْ له ذلك؛ لأَنَّه تَرَكَ التَّحَفُّظَ لنَفْسِه حال العَقْدِ، فلم يَكُنْ له كَفِيلٌ، لو طالبَ كَفِيلًا بالثَّمَنِ المُؤجَّلِ.
1667 - مسألة: (ويَثْبُتُ الخيارُ للخُلْفِ في الصِّفَةِ، وتَغَيُّرِ ما تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُه. وقد ذَكَرْنَاهُ)
في الفَصْلِ السادِسِ (2)، مِن كتابِ البَيعِ بما يُغْنِى عن إعادَتِه.
(1) في ق: «فيه» .
(2)
انظر ما تقدم في صفحة 94.
فصْلٌ: وَمَنِ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، لَمْ يَجُزْ بَيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَه. وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، إلا أنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَينَ فَسْخِ الْعَقْدِ، وَبَينَ إِمْضَائِهِ وَمُطَالبَةِ مُتْلِفِهِ ببَدَلِهِ.
ــ
فصل: قال، رضي الله عنه:(ومَن اشْتَرَى مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، لم يَجُزْ بَيعُهُ حتى يَقْبِضَه. وإن تَلِفَ قبلَ قَبْضِه، فهو مِن مالِ البائِعِ، إلَّا أنْ يُتْلِفَه آدَمِي، فيُخَيَّرُ المُشْتَرِي بينَ فَسْخِ العَقْدِ، وإمْضَائِه ومُطَالبَةِ مُتْلِفِه ببَدَلِه) وعنه، في الصُّبْرَةِ المُتَعَيِّنَةِ أنّه يَجُوزُ بَيعُها قبلَ قَبْضِها، وإن تَلِفَتْ، فهي مِن ضَمانِ المُشْتَرِي. ظاهِرُ المَذْهَبِ، أنَّ المَكِيلَ والمَوْزُونَ لا يَدْخُلُ في ضمانِ المُشْتَرِي إلَّا بقَبْضِه. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ وكذلك قال في المَعْدُودِ، سواءٌ كان مُتَعَيِّنًا كالصُّبْرَةِ، أو غيرَ مُتَعَيِّن كقَفِيزٍ منها. وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ. ونحوُه قولُ إسحاقَ. ورُوِيَ عن عثمانَ بنِ عَفّانَ، وسَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ، والحَسَنِ، والحَكَمِ، وحَمّادِ بنِ أَبِي سُلَيمانَ، أنَّ كُلَّ ما بِيعَ على الكَيلِ والوَزْنِ لا يَجُوزُ بَيعُه قبلَ قَبْضِه، وما ليس بمَكِيلٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا مَوْزُونٍ يجوزُ بَيعُه قبلَ قَبْضِه. وقال القاضِي وأصحابُه: المرادُ بالمَكِيلِ والمَوْزُونِ والمَعْدُودِ، ما ليس بمُتَعَيِّن، كالقَفِيزِ مِن صُبْرَةٍ، والرَّطْلِ من زُبْرَةٍ (1)، فأمّا المُتَعَيِّنُ فيَدْخُلُ في ضَمانِ المُشْتَرِي، كالصُّبْرَةِ يَبِيعُها مِن غيرِ تَسْمِيَةِ كَيلٍ. وقد نُقِلَ عن أحمدَ نحوُ ذلك، فإنَّه قال في رِوَايَةِ أبي الحارِثِ، في رَجُلٍ اشْتَرَى طَعامًا، فطَلَبَ مَن يَحْمِلُه، فرَجَعَ وقد احْتَرَقَ: فهو من مالِ المُشْتَرِي. وذكَرَ الجُوزْجَانِيُّ عنه في مَن اشْتَرَى ما في السَّفِينَةِ صُبْرَةً، ولم يُسَمِّ كَيلًا: فلا بَأْسَ أنْ يَشْتَرِكَ فيها، ويَبِيعَ ما شاءَ، إلَّا أنْ يكونَ بينهما كَيلٌ، فلا يُوَلِّي حتى يُكَال عليه. ونحوَ هذا قال مالِكٌ، فإنّه قال فيما بِيِعَ من الطّعامَ مُكَايَلَةً أو مُوَازَنَةً: لم يَجُزْ بَيعُه قبلَ قَبْضِه. وما بِيعَ مُجَازَفَةَ، أو بِيعَ من غيرِ الطّعامِ مُكَايَلَةً أو مُوازَنَةً: جازَ بَيعُه قبلَ قَبْضِه. وَوَجْهُ ذلك، ما رَوَى الأَوْزَاعِيُّ، عن الزُّهْرِيِّ، عن حَمْزَةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، أنّه سَمِعَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ يقولُ: مَضَتِ السُّنَّةُ أنَّ ما أدْرَكَته الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا، فهو مِن مالِ
(1) في م: «زبدة» . والزبرة: القطعة الضخمة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُبْتَاعِ. رَواهُ البُخارِيُّ (1) عن ابنِ عمرَ، مِن قولِه، تَعْلِيقًا. وقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: مَضَتِ السُّنَّةُ. يَقْتَضِي سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ولأنَّ المَبِيعَ المُعَيَّنَ لا يَتَعَلَّقُ به حَقُّ تَوْفِيَةٍ، فكانَ مِن مالِ المُشْتَرِي، كغيرِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ. ونُقِلَ عن أحمدَ، أنَّ المَطْعُومَ لا يَجُوزُ بَيعُه قبلَ قَبْضِه، سواءٌ كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، أو لم يَكُنْ. فعَلَى هذا، يَخْتَصُّ ذلك بالمَطْعُومِ في أنَّه لا يَدْخُلُ في ضَمانِ المُشْتَرِي إلَّا بقَبْضِه، فإنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى عن أحمدَ أنَّه أرْخَصَ في بَيعِ ما لا يُكَالُ ولا يُوزَنُ ممّا لا يُؤْكَلُ ولا يُشْرَب قبلَ قَبْضِه. وقال الأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أبا عَبدِ اللهِ عن قَوْلِه: نَهَى عن رِبْح ما لم يُضْمَنْ (2). قال: هذا في الطّعَامِ وما أَشْبَهَه مِن مَأْكُولٍ أو مَشْرُوبٍ، فلا يَبيعُه حتى يَقْبِضَه. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ (3): الأَصَحُّ عنِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ أنَّ الذي يُمْنَعُ مِن بَيعِه قبلَ قَبْضِه هو الطّعامُ. وذلك لأنَّ
(1) في: باب إذا اشترى متاعا أو دابة فوضعه عند البائع، أو مات قبل أن يقبض، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 90. ووصله الدارقطني، في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني 3/ 54.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 216.
(3)
انظر الاستذكار 20/ 153، 154.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيعِ الطّعامِ قبلَ قَبْضِه (1). فمَفْهُومُه إباحَةُ بَيعِ ما سِواهُ قبلَ قَبْضِه. ورَوَى ابنُ عمرَ، قال: رَأَيتُ الذين يَشْتَرُونَ الطّعامَ مُجازَفَةً يُضْرَبُونَ على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَبِيعُوه حتى يُؤْوُوهُ إلى رِحالِهم. وهذا نَصٌّ في بَيعِ المُعَيَّنِ. وعُمُومُ قولِه عليه السلام: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فلا يَبِيعُه حتى يَسْتَوْفِيَه» . مُتَّفَق عليهما (2). ولمُسْلِمٍ (3)،
(1) أخرجه البخاري، في: باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، وباب بيع الطعام قبل أن يقبض. . . .، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 89، 90. ومسلم، في: باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1160. وأبو داود، في: باب. في بيع الطعام قبل أن يستوفي، من كتاب الإِجارة. سنن أبي داود 2/ 252. والنسائي، في: باب بيع الطعام قبل أن يستوفي، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 251، 252. والإِمام مالك، في: باب بيع العينة وما يشبهها، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 640.
(2)
الأول تقدم تخريجه في صفحة 142.
والثاني أخرجه البخاري، في: باب الكيل على البائع والمعطى، وباب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، وباب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 88 - 90. ومسلم، في: باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1159، 1162. كما أخرجه أبو داود، في: باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 251، 252. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 291. والنسائي، في: باب بيع الطعام قبل أن يستوفى، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 251، 252. وابن ماجه، في: باب النهي عن بيع الطعام قبل ما لم يقبض، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 749. والإِمام مالك، في: باب العينة وما يشبهها، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 640. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 22، 59، 64، 73، 79، 108، 111، 3/ 392، 402، 403.
(3)
تقدم تخريجه في المتفق عليه في صفحة 142.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن ابنِ عمرَ، قال: كُنّا نَشْتَرِى الطَّعامَ مِن الرُّكْبانِ جُزَافًا، فَنَهانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نَبِيعَه حتى نَنْقُلَه مِن مكانِه. وقال ابن المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ مَن اشْتَرَى طَعامًا فليس له أنْ يَبِيعَه حتى يَسْتَوْفِيَه، ولو دَخَلَ في ضَمانِ المُشْتَرِي، جازَ له (1) بَيعُه والتَّصَرُّفُ فيه، كما بعدَ قَبْضِه. وهذا يَدُلُّ على تَعْمِيمِ المَنْعِ في كلِّ طَعَامٍ، مع تَنْصِيصِه على البَيعِ مُجازَفَةً بالمَنْعِ، وهو خِلافُ قَوْلِ القاضِي وأَصْحابِه، ويَدُلُّ بمَفْهُومِه على أنّ ما عَدا الطّعامَ يُخالِفُه في ذلك.
فصل: وكلُّ ما لا يَدْخل في ضَمانِ المُشْتَرِي إلَّا بقَبْضِه، لا يَجُوز له بَيعُه حتى يَقْبضَه. وقد ذَكَرْنا ذلك، وذَكَرْنا الذي يَحْتَاج إلى قَبْضٍ، والخِلافَ فيه، لِما ذَكَرْنا مِن الأَحادِيثِ. ولأَنَّه مِن ضَمانِ بائِعِه، فلم يَجُزْ بَيعُه، كالسَّلَمِ، ولم نَعْلَمْ بينَ أهْلِ العِلْمِ في ذلك خِلافًا، إلَّا ما
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكِيَ عن البَتِّيِّ أنَّه قال (1): لا بَأْسَ بِبَيعِ كُلِّ شيءٍ قبلَ قَبْضِه. قال ابنُ عبدِ البَرِّ (2): وهذا قوْلٌ مَرْدُودٌ بالسُّنَّةِ والحُجَّةِ المُجْمِعَةِ على الطّعامِ، وأَظُنُّه لم يَبْلُغْه الحَدِيثُ، ومثلُ هذا لا يُلْتَفَتُ إليه.
فصل: والمَبِيعُ بصِفَةٍ، أو برُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، مِن ضمانِ البائِعِ حتىِ يَقْبِضَه المُبْتَاعُ، فعلى هذا، لا يَجُوزُ بَيعُه قبلَ قَبْضِه؛ لأَنَّه يَتَعَلَّقُ به حَقُّ توْفِيَةٍ، فجَرَى مَجْرَى المَكِيلِ والمَوْزُونِ.
(1) زيادة من: ر 1.
(2)
انظر الاستذكار 20/ 156.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وما يَحْتَاجُ إلى القَبْضِ إذا تَلِفَ قبلَ قَبْضِه، فهو مِن ضَمانِ البائِعِ. فإنْ تَلِفَ بآفَةٍ سَماويَّةٍ، بَطَلَ العَقْدُ، ورَجَعَ المُشْتَري بالثمَنِ وإن تَلِفَ (1) بفِعْلِ المُشتَرِي، اسْتَقَرَّ عليه الثمَنُ، وكان كالقبْضِ؛ لأَنَّه تَصَرَّفَ فيه. وإن أَتْلَفَه أجْنَبِيٌّ، لم يَبْطُلِ العَقْدُ، على قِياسِ قَوْلِه في الجائِحَةِ، ويَثْبُتُ للمُشْتَرِي الخِيَارُ بينَ الفَسْخِ والرُّجُوعِ بالثَّمَنِ؛ لأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يَدِ البائِعِ، فهو كحُدُوثِ العَيبِ في يَدِه، وبين البَقاءِ على العَقْدِ ومُطَالبَةِ المُتْلِفِ بالمِثْلِ إنْ كان مِثْلِيًّا، وبالقِيمَةِ إنْ لم يَكُنْ مِثْلِيًّا.
(1) في الأصل، م:«بان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبهذا قال الشّافِعِيُّ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا. وإنْ أَتْلَفَه البائِعُ، فقال أَصْحَابُنا: الحُكْمُ فيهكما لو أَتْلَفَه أَجْنَبِيٌّ. وقال الشّافِعِيُّ: يَنْفَسِخ العَقْدُ، ويَرْجِعُ المُشْتَرِي بالثَّمَنِ لا غيرُ؛ لأَنَّه تَلَفٌ يضْمَنُه به البائِعُ، أَشْبَهَ تَلَفَه بفِعْلِ الله تِعالى. وفَرَّقَ أَصْحَابُنا بينهما؛ لكَوْنِه إِذا تَلِفَ بفِعْلِ الله تِعالى، لم يُوجَدْ مُقْتضٍ للضَّمَانِ سِوَى حُكْمِ العَقْدِ، بخِلافِ ما إذا أتْلَفَه، فإنَّ إتْلَافَه يَقْتَضِي الضّمانَ بالمِثْلِ، وحُكْمَ العَقْدِ يَقْتَضِي الضّمانَ بالثَّمَنِ، فكانتِ الخِيَرَةُ إلى المُشْتَرِي في التَّضْمِينِ بأيِّهما شاءَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنْ تَعَيَّبَ في يَدِ البائِعِ، أو تَلِفَ بَعْضُه بأمْرٍ سَماويٍّ، فالمُشْتَرى مُخيَّرٌ بينَ أَخْذِه ناقِصًا ولا شيءَ له، وبينَ فَسْخِ العَقْدِ والرُّجُوعِ بالثَّمَنِ؛ لأَنَّه إنْ رَضِيَه مَعِيبًا، فكَأَنَّه اشْتَرَى مَعِيبًا عالِمًا بعَيبِه، لا يَسْتَحِقُّ شيئًا مِن أَجْلِ العَيبِ. وإنْ فَسَخَ العَقْدَ، لم يكُنْ له أكْثَرُ مِن الثَّمَنِ؛ لأَنَّه لو تَلِفَ المَبِيعُ كُلُّه، لم يَكُنْ له أكْثَرُ مِن الثَّمَنِ، فإذا تَعَيَّبَ أو تَلِفَ بَعْضُه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كان أوْلَى. وإن تَعَيَّبَ بفِعْلِ المُشْتَرِي، أو تَلِفَ بعضُه](1)، لم يَكُنْ له الفَسْخُ لذلك؛ لأَنَّه أَتْلَفَ مِلْكَه، فلم يَرْجِعْ علِى غيرِه. وإن كانَ بِفِعْل البائِعِ، فقِيَاسُ قَوْلِ أصْحَابِنَا، أنَّ المُشْتَرِيَ مُخيَّرٌ بينَ الفَسْخِ والرُّجُوعِ بالثَّمَنِ، وبينَ أخْذِهِ والرُّجُوعِ على البائِعِ بِعِوَضِ ما أتْلَفَ أو عَيَّبَ. وقياسُ قَوْلِ الشّافِعِيِّ، أنّه بمَنْزِلَةِ ما لو تَلِفَ بفِعْل اللهِ تَعالى. وإنْ كان بفِعْلِ أجْنَبِيٍّ، فله الفَسْخُ والمُطَالبَةُ بالثَّمَنِ، وَأَخْذُ المَبِيعِ ومُطَالبَةُ الأَجْنَبِيِّ بِعِوَضِ ما أَتْلَفَ.
فصل: ولو باعَ شاةً بشَعِيرٍ، فأَكَلَتْه قبلَ قَبْضِه، فإنْ كانت في يَدِ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُشْتَرِي، فهو كما لو أَتْلَفَه، وإن كانَتْ في يَدِ البائِعِ، فهو كإتْلَافِه، وكذلك إنْ كانت في يَدِ أجْنَبِيٍّ، فهو كإتْلَافِه. وإن لم تَكُنْ في يَدِ أحَدٍ، انْفَسَخَ البَيعُ؛ لأَنَّ المَبِيعَ هَلَكَ قبلَ قَبْضِه بأمْرٍ لا يُنْسَبُ إلى آدَمِيٍّ، فهو كتَلَفِه بفِعْلِ اللهِ تَعالى.
فصل: ولو اشْتَرَى شاةً أو عَبْدًا أو شِقْصًا بطعامٍ، فَقَبَضَ الشّاةَ أو العَبْدَ وباعَهُما، أو أُخِذَ الشِّقْصُ بالشُّفْعَةِ، ثم تَلِفَ الطّعامُ قبلَ قَبْضِه، انْفَسَخَ الأَوَّلُ دونَ الثانِي، ولا يَبْطُلُ الأَخْذُ بالشُّفْعَةِ؛ لأَنَّه كَمَلَ قَبْلَ فَسْخِ العَقْدِ، ويَرْجِعُ مُشْتَرِى الطّعامِ على مُشْتَرِى الشّاةِ أو العَبْدٍ أو الشِّقْصِ بقِيمةِ ذلك؛ لتَعَذُّرِ رَدِّه، وعلى الشَّفِيعِ مثلُ الطّعامِ؛ لأَنَّه عِوَضُ الشِّقْصِ.