الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ مِنْ غَيرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ، وَلَا رِضَاهُ. وَإنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَفْسَخَا، بَطَلَ خِيَارُهُمَا،
ــ
1609 - مسألة: (ولِمَنْ له الخِيارُ الفَسْخُ مِن غَيرِ حُضُورِ صاحِبِه، ولا رِضَاهُ)
وبهذا قال مالِكٌ، والشّافِعِيُّ، وأبو يُوسُفَ، وزُفَرُ. وقال أبو حَنِيفَةَ: ليس له الفَسْخُ إلَّا بحُضُورِ صاحِبِه، كالوَدِيعَةِ. ولَنا، أنَّه رَفْعُ عَقْدٍ لا يَفْتَقِرُ إلى رضَا صاحِبِه، فلم يَفْتَقِرْ إلى حُضُورِه، كالطَّلاقِ. وما ذَكَرَه يَنْتَقِضُ بالطَّلاقِ، والوَدِيعَةُ لا حَقَّ للمُودَعِ فيها، ويَصِحُّ فَسْخُها مع غَيبَتِه.
1610 - مسألة: (وإن مَضَتِ المُدَّةُ، ولم يَفْسَخَا، بَطَلَ خِيَارُهما)
إذا انْقَضَتْ مُدَّةُ الخِيارِ، ولم يَفْسَخْ أحَدُهُمَا، بَطَلَ الخِيَارُ، ولَزِمَ العَقْدُ. وهذا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ، والشّافِعِيِّ. وقال القاضِي: لا يَلْزَمُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمُضِيِّ المُدَّةِ. وهو قَوْلُ مالِكٍ؛ لأنَّ مُدَّةَ الخِيارِ ضُرِبَتْ لِحَقٍّ له، لا لِحَقٍّ عليه، فلم يَلْزَمِ الحُكْمُ بِنَفْسِ مُرُورِ الزَّمَانِ، كمُضِيِّ الأَجَلِ في حَقِّ المُولِي. ولَنا، أنَّها مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بالعَقْدِ، فَبَطَلَتْ بانْقِضَائِها، كالأَجَلِ. ولأنَّ الحُكْمَ بِبَقَائِها يُفضِي إلى بَقاءِ الخِيارِ في غيرِ المُدَّةِ التي شَرَطِاه فيها، والشَّرْطُ يُثْبِتُ الخِيارَ، فلا يَجُوزُ أنْ يَثْبُتَ به ما لم يَتَنَاوَلْه، ولأنَّه حُكْم مُوقَّتٌ، فَفَاتَ بفَواتِ وَقْتِه، كسائِرِ المُؤَقَّتاتِ. ولأنَّ البَيعَ يَقْتَضِي اللُّزُومَ، وإنَّما يَخْتَلِفُ مُوجَبُه بالشَّرْطِ، ففيما لم يَتَناوَلْهُ الشَّرْط يَجِبُ أنْ يَثْبُتَ مُوجَبُه؛ لزَوَالِ المُعارِضِ، كما لو أمْضَيَاهُ. وأمّا المُولِي، فإنَّ المُدَّةَ إنَّما ضُرِبَتْ لاسْتِحْقاقِ المُطَالبَةِ، وهي تُسْتَحَقُّ بمُضِيِّ المُدَّةِ. والحُكْمُ في هذه المسألةِ ظاهِرٌ.
فصل: فإنْ قال أحَدُ المُتَعاقِدَينِ عندَ العَقْدِ: لا خِلَابَةَ (1). فقال أحمدُ: أَرَى ذلك جائِزًا، وله الخِيارُ إِنْ كان خَلَبَهُ، وإنْ لم يَكُنْ خَلَبَه، فليس له خِيارٌ. وذلك لأنَّ رَجُلًا ذَكَرَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يُخْدَعُ في البَيعِ، فقال:«إذَا بايَعْتَ، فقُلْ: لا خِلَابَةَ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ولمُسْلِم:
(1) الخلابة: المخادعة.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب ما يكره من الخداع في البيع، من كتاب البيوع، وفي: باب ما ينهى عن إضاعة المال. . .، من كتاب الاستقراض، وفي: باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإِمام. . .، من كتاب الخصومات، وفي: باب ما ينهى من الخداع في البيع، من كتاب الحيل. صحيح البخاري 3/ 85، 86، 157، 159، 9/ 31. ومسلم، في: باب من يخدع في البيع، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1165. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«مَنْ بايَعْتَ فَقُلْ: لا خِلَابَةَ» . فكان إذا بايَعَ يقولُ: لا خِلَابَةَ (1). قال شَيخُنا (2): ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَكُونَ له خِيارٌ، ويكونُ هذا الخَبَرُ خاصًّا لِحَبَّان (3)؛ لأَنَّه رُوِيَ أنَّه عاشَ إلى زَمَنَ عثمانَ، فكان يُبَايعُ الناسَ ثم يُخَاصِمُهم، فيَمُرُّ بهم بعضُ الصَّحَابَةِ، فيقولُ لمَنْ يُخَاصِمُه: وَيحَكَ، إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ له الخِيارَ ثَلاثًا (4). وهذا يَدُلُّ على اخْتِصَاصِه بهذا؛ لأنَّه لو كانَ للنَّاسِ عامَّةً لقال لِمَنْ يُخاصِمُه: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الخِيارَ لِمَنْ قال: لا خِلَابَةَ. وقال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنْ كانَا عالِمَينِ أنَّ ذلك عِبَارَةٌ عن خِيارِ الثَّلاثِ، ثَبَتَ، وإنْ عَلِمَ أحَدُهما دُونَ الآخَرِ، فعلى وَجْهَينِ؛ لأنَّه رُوِيَ أنَّ حَبَّانَ بنَ مُنْقِذِ بنِ عَمْرٍو، كان لا يَزَالُ. يُغْبَنُ، فأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَ ذلك له، فقال: «إذَا أنْتَ بَايَعْتَ فقُلْ: لا خِلَابَةَ. ثُمَّ أنْتَ في كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَها بالخِيَارِ ثَلاثَ لَيالٍ، فإنْ رَضِيتَ أَمْسَكْتَ، وإن
= كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يقول عند البيع لا خلابة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 253. والترمذي، في: باب ما جاء في من يخدع في البيع، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 257. والنسائي، في: باب الخديعة في البيع، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 222. وابن ماجه، في: باب الحجر على من يفسد ماله، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 788. والإمام مالك، في: باب جامع البيوع، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 685. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 72، 80، 129، 130.
(1)
في صحيح مسلم: «خيابة» . وانظر شرح النووي 4/ 24.
(2)
في: المغني 6/ 46.
(3)
حَبَّان بن منقذ بن عمرو، الأنصاري الخزرجي، له صحبة، شهد أحدًا وما بعدها، توفي في خلافة عثمان. أسد الغابة 1/ 437.
(4)
أخرجه البيهقي، في: باب الدليل على أنه لا يجوز شرط الخيار في البيع أكثر من ثلاثة أيام، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 5/ 273، 274.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سَخِطْتَ فارْدُدْها على صَاحِبِهَا» (1). وما ثَبَتَ في حَقِّ واحِدٍ مِن الصَّحَابَةِ، ثَبَتَ في حَقِّ غَيرِه، ما لم يَقُمْ على اخْتِصاصِه دَلِيلٌ. ولَنا، أنَّ هذا اللَّفْظَ لا يَقْتَضِي الْخِيَارَ مُطْلَقًا، ولا يَقْتَضِي تَقْيِيدَه بثَلَاثٍ، والأصْلُ اعْتِبارُ اللَّفْظِ فيما يَقْتَضِيهِ. والخَبَرُ الذي احْتَجُّوا به إنَّما رَوَاهُ ابنُ ماجَه مُرْسَلًا، وهم لا يَرَوْنَ المُرْسَلَ حُجَّةً، ثم لم يَقُولُوا بالحَدِيثِ على وَجْهِه، إنَّما قالُوا: إنَّه في حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ أنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبوتُ الخِيارِ ثَلَاثًا. ولا يَعْلَمُ ذلك أحَدٌ؛ لأنَّ اللَّفْظَ لا يَقْتَضِيه، فكَيفَ يَعْلَمُ أنَّ مُقْتَضَاهُ ما لا يَقْتَضِيه، ولا يَدُلُّ عليه، وعلى أنَّه إنَّما كان خاصًّا لحَبَّانَ، بدَلِيل ما رَوَينَاهُ، ولأَنَّه كان يُثْبِت له الرَّدَّ على مَن لم يَعْلمْ مُقتَضَاهُ.
فصلِ: إذا شَرَطَ الخِيَارَ حِيلَةً على الانْتِفَاعِ بالقَرْضِ، لِيَأْخُذَ غَلَّةَ المَبِيعِ ونفْعَه في مُدَّةِ انْتِفاعِ المُقْتَرِضِ بالثَّمَنِ، ثم يَرُدَّ المَبِيعَ بالخِيَارِ عندَ رَدِّ الثَّمَنِ، فلا خَيرَ (2) فيه؛ لأنَّه مِن الحِيَلِ. ولا يَحِلُّ لآخِذِ الثَّمَنِ الانْتِفَاع به في مُدَّةِ الخِيارِ، ولا التَّصَرُّفُ فيه. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عَبْدِ اللهِ يُسْأَلُ عن الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِن الرَّجُلِ الشَّيءَ، ويقولُ: لَكَ الخِيَارُ إلى كذا وكذا. مِثلَ العَقَارِ؟ قال: هو جائِزٌ إذا لم يَكُنْ حِيلَةً؛ أرادَ أنْ يُقْرِضَهُ، فيَأْخُدُ منه العَقَارَ، فَيَسْتَغِلُّهُ، ويَجْعَلُ له فيه الخِيَارَ،
(1) أخرجه ابن ماجه، في: باب الحجر على من يفسد ماله، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 789.
(2)
في م: «خيار» .