الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدعي والمدعى عليه
(1)
قاعدة: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى رجال دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه"(2) قال العلماء الحكمة في ذلك أن جانب المنكر أقوى، الأصل البراءة فجعلت البينة من جانب المدعي؛ لأنها حجة قوية بالبراءة (3)، عن التهمة؛ لأن العدل (4) لا يجلب لنفسه خيراً، ولا يدفع ضراً ليعتضد جانب المدعي بالحجة القوية، واليمين حجة ضعيفة إذ الحالف قد يتهم في يمينه؛ لأنه يجلب بها لنفسه نفعاً ويدفع ضرًّا فانجبرت الضعيفة (5) بقوة جانبه.
(1) من هامش المخطوطة.
(2)
هذا الحديث بهدا اللفظ أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس موصولاً في كتاب القضاء رقم 30 باب اليمين على المدعى عليه جـ 2 ص 1326. وأخرجه البخارى أيضاً في صحيحه كتاب تفسير القرآن رقم 3 جـ 5 ص 167. عن ابن عباس موصولاً بلفظ "لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم" إلى آخر الحديث. وأخرج أعنى البخارى الجزء الأخير من هذا الحديث في صحيحه أيضاً كتاب الرهن باب رقم (6) جـ 3 ص 106 عن ابن عباس بلفظ: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن اليمين على المدعى عليه" وبهذا اللفظ أيضاً أخرجه مسلم في صحيحه الإحالة السابقة عن ابن عباس أيضاً، وبهذا اللفظ أيضاً أخرجه الترمذى في سننه عن ابن عباس في كتاب الأحكام رقم 13 باب رقم 12 حديث رقم 1342. وقال حسن صحيح وبهذا اللفظ أيضاً أخرجه أبو داود في سننه كتاب الأقضية رقم 18 باب في اليمين على المدعى عليه رقم 23. وأخرج هذا الحديث أيضاً الترمذى في سننه الإحالة السابقة عن عمر بن شعيب بلفظ:"البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه" وقال فيه: "هذا حديث في إسناده مقال". وأخرجه بن ماجة في سننه كتاب الأحكام رقم 13 باب رقم 7. عن ابن عباس بلفظ المؤلف.
(3)
هكذا في المخطوطة ولعل الأولى "كالبراءة".
(4)
أى الشاهد العدل.
(5)
أى الحجة الضعيفة. راجع قواعد العلائي لوحة 205.
وقد اختلف الأصحاب (1) في حد المدعي والمدعى عليه ولهم في ذلك عبارات يرجع حاصلها إِلى معنيين مستنبطين من كلام الشافعي (2) لا منصوصان كما زعم الفُراني أحدهما أن المدعي "من يخالف قوله الظاهر"، والمدعى عليه من يوافق قوله الظاهر، وهذا ما صرح به الروياني، وكلام أكثر الأصحاب يقتضيه ورجحه الرافعي (3) والنووي (4).
الثاني: أن المدعي هو الذي لو سكت خلي وسكوته، والمدعى عليه من لا يخلى وسكوته بل يطلب منه الجواب. وقد يتفق أن يكون الواحد مدعياً ومدعى عليه كالمتبايعين إِذا اختلفا فيما يقتضي التحالف. وكذا الزوجان إِذا اختلفا في قدر الصداق، وفي قدر بدل الخلع ونحوه.
ثم العبارتان تتفقان في صور كثيرة، فإن زيداً إِذا ادعى على عمرو ديناً في ذمته أو عيناً في يده وأنكره عمرو، فزيد يدعى خلاف الظاهر، ولو سكت خلي وسكوته وعمرو إِنكاره على وفق الظاهر؛ لأن الظاهر براءة ذمته وفراغ يده وهو الذي لو سكت لم يترك.
ويظهر أثر العبارتين فيما إِذا (5) أسلم زوجان قبل المسيس ثم اختلفا، فقال الزوج
(1) انظر هذا الخلاف مفصلاً في روضة الطالبين جـ 12 ص 7 - 8. ومغني المحتاج جـ 4 ص 464.
(2)
يريد المؤلف بكلام الشافعي هنا كلامه الوارد في مسألة إِسلام الزوجين. انظر الأم جـ 5 ص 47. وممن صرح بأن الخلاف في هذه المسألة إنما هو مستنبط من كلام الشافعي الرافعي والنووي راجع الروضة الإحالة السابقة.
(3)
انظر روضة الطالبين ج 12 ص 7.
(4)
انظر الروضة الإحالة السابقة والنهاج ص 155.
(5)
راجع هذه المسألة في المصادر السابقة في هامش (1).
أسلمنا معاً فالنكاح باق (1)(وأنكرت)(2) وقالت بل على التعاقب فقولان، وإن قلنا أن المدعي من يذكر خلاف الظاهر فالزوج هو هنا المدعي؛ لأن التساوي خلاف، الظاهر والمرأة مدعى عليها فتحلف وينفسخ النكاح الا أن يقيم الزوج بينة بما ادعاه وإن قلنا بالعبارة الأخرى فالمرأة هي المدعية؛ لأنها لو سكتت تركت واستمر النكاح والزوج مدعى عليه؛ لأنه لو سكت لم يترك، فإِنه (3) يحاول بسكوته استبقاء النكاح والنزاع (4) فالزوج الساكت منكر فالقول قوله مع يمينه وهي مسلطة على تكذيبه بالبينة. والله أعلم.
وقد أورد القاضي حسين (5) على الأظهر من العبارتين تصديق المودعَ في التلف أو الرد إلى المالك مع أن قوله على خلاف الظاهر، قال: إِلا (أن)(6) هنا أصلاً آخرًا وهو بقاء الأمانة. فإن المودع ائتمنه ثم ادعى الجناية عليه إذا (7) أنكر القبض أو التلف، ففي الحقيقة يصير المودع بكسر الدال مدعياً والمودعَ مدعى عليه والله أعلم.
(1) نهاية صفحة (أ) من لوحة 164.
(2)
في هامش المخطوطة وأنكرت وفي صلب النص وأنكر وقالت، فالذى يظهر أن تاء التأنيث سقط على المؤلف سهواً. وانظر المصادر السابقة في هامش (1) في الصفحة السابقة وكذلك مجموع العلائي لوحة 206.
(3)
هكذا في المخطوطة ولعل الأولى "لأنه يحاول بسكوته؛ لأن الجملة واقعة لتعليل ما قبلها.
(4)
هكذا النص في المخطوطة ولعل الأولى إضافة لفظ: "وقع في الانفساخ" إلى لفظ "النزاع" ليصبح النص: "والنزاع وقع في الانفساخ" وذلك إِنهما قد تصادقا على عقد النكاح ابتداء واختلفا في الانفساخ وعدمه. وانظر ما يؤيد ذلك في الأم جـ 5 ص 47. ومجموع العلائي لوحة 206.
(5)
انظر قرل القاضي حسين في مجموع العلائي الإحالة السابقة. وراجع هذه المسألة أيضاً في الروضة جـ 6 ص 346.
(6)
في المخطوطة "الأن" والمثبت هنا تصحيحاً لما يقتضيه السياق وانظر مجموع العلائي لوحة 206.
(7)
هكذا النص في المخطوطة.
وأعلم أن الماوردي (1) قال: إِن الدعوى على ستة أضرب صحيحة وفاسدة ومجملة وناقصة وزائدة وكاذبة. أما الصحيحة فضربان: دعوى استحقاق، ودعوى اعتراض، ودعوى الاستحقاق تارة تتوجه إِلى عين في اليد. وأخرى إِلى شيء في الذمة فتصح كل منهما بشروطها، قلت: وبقي قسم ثالث: وهي دعوى الحقوق الشرعية كالنكاح والقصاص والرد بالعيب ونحوها ودعوى المعارضة (2) أيضاً إِنما تكون بما يستغربه المدعي ويبطل دعواه.
وأما الدعوى الفاسدة فهي على ثلاثة أضرب؛ لأن الفساد إِما أن يعود إِلى المدعي أو المدعى به، أو إِلى سببب الدعوى. فالأول: كما إِذا ادعى المسلم نكاح مجوسية أو الحر نكاح أمة وهو يجد طول حرة. والثاني: كما إِذا ادعى ما لا يتمول كالخمر وكجلد الميتة إِذا غصبه وطلب قيمته وحكى (3) في جلود الميتة والأرواث من دوابه هل
(1) انظر ما قاله الماوردى هنا في كتابه الحاوي الكبير جـ 22 لوحة 167 - 173. مخطوط بدار الكتب المصرية رقم 82. وهذا نصه: " والدعوى على صتة أضرب صحيحه وفاسده ومجمله ونقصة وزائد وكاذبه
…
"
(2)
الذي في الحاوي الكبير الإحالة السابقة: "فأما دعوي الاعتراض فضربان أحدهما يتوجه إلى ما في يده. والثاني إلى ما يتعلق بذمته".
(3)
"حكى" بالبناء للمعلوم والفاعل ضمير مستتر تقديره هو عائد على الماوردى انظر حاويه جـ 22 لوحة 171. ونصه: "واختلف في اليد عليها إذا كانت الجلود من أموات حيوانه والسراجين من أرواث بهائمه هل تكون يد ملك أو يد انتفاع؟. على ثلاثة أوجه، أحدها: أنها يد انتفاع لا يد ملك لخروجها عن معاوضه الأملاك، والوجه الثاني: أنها يد ملك؛ لأنه أحق بها كسائر الأموال، والوجه الثالث: أن ما كان منها ملكاً يعتاض عنه كجلود الميتة كانت اليد عليها يد ملك، وما خرج عن أملاك المعاوضة كالكلاب، كانت اليد عليها يد انتفاع لا يد ملك فإِذا توجهت الدعوى إلى شيء من هذا فإن كان تالفاً كانت الدعوى باطلة وإن كان باقياً، فإِن ادعاه بعوض كانت الدعوى فاسدة لأنها لا تملك بالعوض وإن ادعاها بغير عرض فقد تصح دعواها في اليد في أحد أوجه أحدها: إِن تغصب فتصح دعوى غصبها. =
يده عليها يد اختصاص أو يد ملك؟. ثلاثة أوجه الثالث: ما يؤول إلى الملك بالإصلاح كجلد (1) فيده يد ملك، وما لا يؤول كالميتة فيده يد اختصاص وانتفاع فتقبل الدعوى بها على الغاصب إذا كانت باقية دون ما إذا تلفت.
الثالث: من التقسيم (2) كما إذا ادعى الكافر شراء المصحف أو العبد وطلب تسليمه وكذا كل من ذكر سبباً لاستحقاقه باطلاً أو مختلفاً فيه، والحاكم يرى بطلانه كبيع الغائب وشبهه وذلك (3) فيما تكون اليد عليه يد اختصاص أنه تصح الدعوى به مع بقائه أيضاً في الهبة والوصية إذا ادعى أنه وهب منه أو أوصى له به قال: فلو أطلق الدعوى به ولم يفسرها بما تصح به أو تفسد فوجهان: أحدهما أن الحاكم يستفسره ليعمل بما يترتب من صحة أو فساد، والثاني يسكت ولا يسأل المدعى عليه حتى يذكر المدعي سبباً يصحح دعواه.
وأما الدعوى المجملة فكقوله لي عليه شيء فلا تسمع للجهالة، والفرق بين الدعوى والإقرار حيث يصح بالمجهول: أن المدعي مقصر في حق نفسه، والمقر مقصر في حق غيره
= والثاني: أن يوصي له بها فتصح دعوى الوصية بها والثالث أن توهب له فتصح دعوى هبتها".
(1)
هكذا في المخطوطة والأولى إضافة لفظ "الميتة" إلى لفظ "كجلد" ليصبح النص، الثالث: ما يزول إِلى الملك بالإصلاح كجلد الميتة "وانظر نص الماوردي في هامش 3 الصفحة السابقة.
(2)
أي من تقسيم الدعوى الفاسدة. وهذا القسم هو ما عاد الفساد فيه إلى سبب الدعوى.
(3)
الذي يظهر من سياق نص المؤلف هنا أن فيه عدم تناسق، فقوله وذلك فيما تكون اليد عليه يد اختصاص، إلى قوله أو أوصى له به كان ينبغي أن يعقب قوله في صفحة (4/ 247) فتقبل الدعوى بها على الغاصب إذا كانت كاقية دون ما إذا تلفت كما فعل صاحب الأصل وهو الماوردى في الحاوي جـ 22 لوحة 166 - 173. راجع هامش (3) في صفحة (4/ 247).
فيؤاخذ به ويطالب بالبيان. قلت: وقد تسمع الدعوى بالمجهول في صور منها (1): في الوصية إِذا ادعى أن مورثه أوصى له بشيء قال الجمهور تسمع ومنها: دعوى الإقرار بالمجهول وفيه وجهان، اختيار الأكثرين المنع.
واختار (2) أبو على (3) والقاضي أبو الطيب (4) وابن الصباغ الجواز.
وقال أبي الدم (5) الوجه عندى أن هذا الخلاف مبني على أن من أقر لغيره بمجهول وطولب بتفسيره فامتنع هل يحبس أم لا؟. فإِن قلنا أنه يحبس حتى يفسر سمعت الدعوى بذلك؛ لأنها تلزمه وإلا لم تسمع، إِذ لا فائدة لها. وهذا البناء يقتضي أن يكون الأصح سماع (الدعوى)(6) بذلك؛ لأن الأصح الذى مال إِليه الجمهور (7) أنه
(1) راجعها مفصلة في أشباه السيوطي ص 500 - 504. وقد عدها خمساً وثلاثين مسألة وانظر في ذلك أيضاً الروضة جـ 12 ص 9 - 10. فقد عد النووى صوراً مستثناة من اشتراط العلم بالمدع به.
(2)
نهاية لوحة 164.
(3)
هو أبو على السنجي صاحب الشرح الكبير على مختصر المزني. انظر شرح مختصر المزني جـ 11 لوحة 55 للقاضي أبي الطيب: وهو أبو علي الحسين بن شعيب المروزى السنجي إمام زمانه في المذهب الشافعي تفقه على القفال المروزى وعلى الشيخ أبي حامد كان أول من جمع في تصانيفه ببن طريقة العراقيين والخراسانيين في المذهب الشافعي، توفي سنة سبع وعشرين وأربعمائة وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في تهذيب النووى جـ 2 ص 261. وطبقات ابن السبكي الكبرى جـ 3 ص 150. وطبقات الأسنوى جـ 2 ص 28.
(4)
انظر شرحه على مختصر المزني الإحالة السابقة في هامش (3).
(5)
انظر كتابه أدب القضاء ص 171.
(6)
ما بين القوسين أثبته لما يقتضيه السياق وانظر النص في مجموع العلائي لوحة 207.
(7)
وهو الوجه الراجح عند فقهاء الشافعية من ثلاثة أوجه راجعها مدونة في الشرح الكبير على الوجيز جـ 11 ص 120. وروضة الطالبين جـ 4 ص 372 - 373.
يحبس حتى يفسر. وقد تقدم أن الأكثرين على منع سماع الدعوى (1)، وفرق بين والإقرار الدعوى بأن الدعوى حقه فردها بالجهاله لا يضرُّ به؛ لأنه يمكنه أن يفسرها والإقرار حظ الغير فلو رددناه بالجهالة لأخذ ذلك بالغير، ووجةَ القاضي (2) سماع الدعوى بالمجهول بأنه لما صح أن يقر بمجهول فليزمه، صح أنه يدعي عليه أنه أقر له بشيء مجهول قال ابن الرفعة وقضية هذا التعليل أنه تصح الدعوى بالإبراء عن المجهول إذا صححناه ويكون مما يستثنى وقد صرح به في الإشراف (3).
ومنها: إِذا كان المطلوب تعيين شيء يقدِّرْه الحاكم فإِنه لا يشترط تعيينة كالمفوضة إذا طلبت الفرض قبل الدخول إِذا قلنا أن المهر لا يجب بالعقد، والواهب يدعي بالثواب (4) المطلق إذا قلنا أن الهبة تقتضيه، ولم يكن شرط ثواباً معيناً، وكذا الدعوى بالمنفعة والحكومة فإن ذلك راجع إِلى ما يقدره القاضي.
وأما الدعوة الناقصة: فقال الماوردى (5): هي ضربان نقصان صفة ونقصان شرط، فالأول: كقوله لي عليه ألف درهم ولا يعين صفتها، فيسأله الحاكم ولا يحمله على غالب نقد البلد كما في البيع؛ لأنه يجوز أن يكون من غيره.
(1) أى سماع الدعوى بالإقرار بالمجهول راجع صفحة (4/ 248).
(2)
هو القاضي أبو الطيب الطبرى. راجع قواعد العلائي لوحة 207.
(3)
هو كتاب في الفقه الشافعي شرح به مؤلفه أبو سعد الهروى كتاب شيخه أبي عاصم العبادى المسمى"أدب القضاة يسمى الإشراف على غوامض الحكومات" ويسمى أيضاً "تهذيب أدب القضاء" توجد نسخة منه مصورة فلم بمعهد المخطوطات رقم 108.
(4)
هكذا النص في المخطوطة ولعل الأولى حذف الباء ليصبح النص: "والواهب يدعي الثواب المطلق".
(5)
راجع الحاوى الكبير الإحالة السابقة في صفحة (4/ 247) هامش (1).
ونقصان الشرط كدعوى عقد النكاح من غير أن يذكر الولي والشهود فلا يسأله الحاكم عن ذلك بل يتوقف على (1) سماعها حتى يصححها بشروطها؛ لأن هذه الدعوى مترددة بين صحة وفساد، فيعرض عنها بخلاف نقصان ماله عن ذلك؛ لأن دعواه مترددة بين صحة وفساد، قلت: ويستثني من هذا مسألة دعوى المسمى في ملك الغير، أو حق (2) إِجراء الماء فيه قال جمهور الأصحاب لا يشترط فيها تعيين ذلك بحد أو ذرع، بل يكتفى فيها بتحديد الدار أو الأرض التى يدعي ذلك فيها، وفي وجه لا بد في صحة الدعوى بذلك من التعريف بالحد أو الفرع.
وأما الشهادة به فإِن قلنا يشترط التقدير في الدعوى ففي الشهادة أولى وهو اختيار الثقفي (3)، وإن قلنا لا يحتاج في الدعوى إِلى ذلك ففي الشهادة وجهان حكى الهروى (4) عن الأكثر أنه لا يشترط، وعن بعضهم اشتراطه واختاره هو. قال؛ لأن
(1) هكذا في المخطوطة ولعل الأولى "عن بدليل سياق النص راجع قوله في النص فلا يسأله الحاكم عن ذلك" وانظر قوله بعد ذلك: "فيعرض عنها .. " وانظر مجموع العلائي لوحة 207 وهذا الوجه هو الراجح في الفقه الشافعي وهناك تفصيلات أخرى في هذه المسألة - راجع في ذلك روضة الطالبين جـ 12 ص 13، 14.
(2)
انظر هذه المسألة مفصلة في الروضة جـ 12 ص 9، 10.
(3)
هو أبو علي الثقفي انظر الروضة جـ 12 ص 9 ومجموع العلائي لوحة 208. وهو محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب الثقفي، كان إماماً جليلاً جامعاً بين العلم والتقوى. أثنى عليه فقهاء مذهبه تفقه على محمد بن نصر المروزى وابن خزيمة رويت عنه مواقف في أصول الدين خالف فيها حتى الأشاعرة كانت وفاته سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة انظر ترجمته وافية في طبقات ابن السبكي جـ 2 ص 172 - 174. وطبقات الأسنوى جـ 1 ص 325، 326. وطبقات ابن هداية الله ص 60، 61.
(4)
هو القاضي أبو سعد الهروي صاحب شرح أدب القضاة انظر مجموع العلائي لوحة 208 وروضة الطالبين جـ 12 ص 9.
الشهادة أعلى شأناً من الدعوى وذكر عن العبادى (1) أن جمهور الأصحاب سكتوا عن اشتراط ذلك في البيع، فإذا قال بعتك هذا البيت على أن الممر من هذا الجانب أو أطلق جهته يصح، وقال الثقفي (2) لا بد فيه من تعيين ذلك بالحد أو بالذرعان (3)، قال الهروي وهذا متجه (4) فإن ظهر نقل بخلافه فلعل الرجوع فيه إلى العرف.
وأما الدعوى الزائدة فتارة تكون تلك الزيادة غير مفسدة، فتارة تكون لغواً كقوله ابتعت منه هذا الثوب في سوق كذا ونحوه، وتارة تكون مؤكدة كقوله ابتعت منه هذا العبد على أني إن وجدت به عيباً رددته، وتارة تكون الزيادة مفسدة كقوله: ابتعت (على)(5) أني إذا استقلته يقيلني ونحوه.
وأما الدعوى الكاذبة: فهي المستحيلة التي يقطع بكذبها كمن ادعى بمكة أنه تزوج فلانة أمس بالبصرة (6) ونحوه، فلا تكون مسموعة والله أعلم.
قلت: (7) وتنقسم الدعوى أيضاً إلى ملزمة وغير ملزمة ترجع غالباً إلى الناقصة
(1) هو أبو عاصم العبادي صاحب أدب القضاة الذي شرحه تلميذه أبو سعد السابق الذكر انظر مجموع العلائي الإحالة السابقة.
(2)
هو أبو علي الثقفي السابق الذكر في هامش (3) من الصفحة السابقة راجع هذا القرل عنه في الروضة جـ 12 ص 9.
(3)
هو وجه من الأوجه التي يجمع عليها لفظ "ذراع" راجع المصباح المنير جـ 1 ص 222.
(4)
نهاية صفحة (1) من لوحة 165.
(5)
ما بين القوسين أثبته لما يقتضيه السياق وانظر مجموع العلائي لوحة 208.
(6)
ضرب المؤلف هذا المثال للدعوى الكاذبة بناء على ما كان معتاداً في زمنه من وسائل النقل أما في وقتنا الحاضر فلا يمكن أن يعتبر هذا المثال مستحيلاً حتى ترد الدعوى به بل ذلك متوقع فيجب سماع الدعوى به ويمكن أن يمثل للدعوى المستحيلة بأن يدعي مثلاً رجل عمره عشرون سنة على رجل عمر ستون سنة أنه ابن له ويلحق بهذا النوع كل ما شهدت به قرائن الحال بكذب الدعوي راجع تفصيل هذا الموضوع في الروضة جـ 12 ص 11.
(7)
انظر هذا الموضوع بنصه في الروضة جـ 12 ص 10.
فإِنهم قالوا إذا ادعى أنه وهب مني كذا أو باع لم تسمع حتى يقول ويلزمه التسليم إليَّ، لأنه قد يهب ويرجع قبل القبض، وقد يبيع ويفسخ في المجلس.
ومن صور الخلل في الصيغة الترديد (1) في الدعوى بين حالتين كما إِذا ادعى غاصب ثوب وطلب رده إن كان باقياً، أو قيمته إِن كان تالفاً وفيها وجهان: أصحهما تسمع، وقيل لا حتى يفرد كل طلب بدعوى. وفى الدعوى بالدين المؤجل قبل حلوله ثلاثة (2) أوجه يفرق في الثالث بين أن يكون الغرض منها الإثبات فتسمع ليترتب أداء البينة عليها، أو لا يكون الغرض ذلك فلا تسمع، وفي دعوى الجارية الاستيلاد والرقيق التدبير أو تعليق العتق بصفة طريقان إِحداهما القطع بسماع الدعوى بذلك، والثاني على الخلاف في الدين المؤجل. والله أعلم.
* * *
(1) انظر هذه المسائل بنصوصها في روضة الطالبين جـ 12 ص 18 - 19.
(2)
ذكر المؤلف من هذه الأوجه الثلاثة الوجه الثالث، والوجهان الآخران الأول: وهو الصحيح عند الرافعي والنووى وغيرهما لا تسمع مطلقاً إذ لا يتعلق بها إِلزام ومطالبة في الحال، والثاني أنها تسمع مطلقاً فهما وجهان متقابلان. راجع ذلك مفصلاً في الروضة الإحالة السابقة.