الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي، وابن الواسطي، والأبرقوهي، وابن الشقاري، وغيرهم من الشعراء.
وكان حسن المذاكرة، سليم الباطن صادقاً، وفي تاريخه عجائب وغرائب عامية. أجاز لي بخطه - رحمه الله تعالى - سنة ثلاثين وسبع مئة.
وتوفي - رحمه الله تعالى -
…
سنة تسع وثلاثين وسبع مئة بدمشق، ودفن في مقابر الباب الصغير.
وروى عنه الشيخ علم الدين البرزالي هذه الأبيات:
إلهي قد أعطيتني ما أحبه
…
وأطلبه من أمر دنياي والدين
وأغنيتني بالقنع عن كل مطمع
…
وألبستني عزاً يجل عن الهون
وقطعت عن كل الأنام مطامعي
…
فنعماك تكفيني إلى يوم تكفيني
ومن دق باباً غير بابك طامعاً
…
غدا راجعاً عنه بصفقة مغبون
قلت: وأنا أستكثر هذه الأبيات عليه، وإن لم تكن في الذروة.
محمد بن إبراهيم بن إبراهيم
ابن داود بن حازم، الشيخ الإمام الصدر الكامل قاضي القضاة الأذرعي شمس الدين الحنفي.
كان فاضلاً من أعيان مذهبه، يعرف الفقه والأصول والنحو، ودرس بالمدرسة الشلبية، وولي القضاء بدمشق سنة كاملة، وروى عن ابن عبد الدائم.
قال شيخنا البرزالي: قرأت عليه بدمشق وبتبوك. توجه إلى القاهرة متمرضاً، ونزل بخانقاه سعيد السعداء، فأقام خمسة أيام.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في خامس شهر رجب سنة اثنتي عشرة وسبع مئة.
ومولده سنة أربع وأربعين وست مئة.
وكان قد ولي القضاء بدمشق في ثاني عشر ذي القعدة سنة خمس وسبع مئة عوضاً عن القاضي شمس الدين بن الحريري، ولما وصل توقيعه في شهر ربيع الآخر سنة ست وسبع مئة غلط البريدي، وتوجه بالتوقيع إلى ابن الحريري، ولما قرئ علم أنه قد غلط، فعاد به إلى الأذرعي.
محمد بن إبراهيم
العدل الرئيس الفاضل صلاح الدين أبو عبد الله الطيب المعروف بابن البرهان. كان أبوه جرائحياً، وفي أبيه يقول القائل، وقد ظرف:
كل من عالج الجراحة فدم
…
وأقيم الدليل بالبرهان
ولما نشأ صلاح الدين المذكور لأبيه أقرأه أبوه القرآن، فحفظ منه نحو النصف، وقرأ طرفاً من العربية على الشيخ بهاء الدين بن النحاس، وقرأ الطب على العماد النابلسي، ثم على الشيخ علاء الدين بن النفيس.
وكان قد أجيز أولاً بالكحل، ثم بالتصرف في الطب، وكان فاضلاً في فروع الطب، مشاركاً في الحكمة، مائلاً إلى علم النجوم والكلام على طبائع الكواكب وأسرارها، وقرأ في آخر عمره على الشيخ شمس الدين الأصفهاني كثيراً من الحكمة،
وسمع بقراءة فخر الدين عبد الوهاب كاتب الدرج كتاب " الشفاء " لابن سينا على الشيخ شمس الدين، وهو يشرحه لصلاح الدين ميعاداً فميعاداً إلى أن أكمله.
قال القاضي شهاب الدين بن فضل الله: وسألت الشيخ شمس الدين عنه، فقال: اشتغاله أكثر من ذهنه، وكان علمه بالطب أكثر من معالجته.
وقال لي شيخنا شمس الدين: إنه طلعت في أصبعه سلعة، فاستطب لها صلاح الدين، فبهت، ثم وصف أشياء لم تفده، فقال له فخر الدين عبد الوهاب: لو عملت كذا وكذا كان أنفع له، فعمله، فنفعه، وبرئ به.
وكان صلاح الدين المذكور ذا مال ومتجر، وأكثره في إخميم، وكان من أعيان أطباء السلطان الذين يدخلون عليه، ويعرف له السلطان مكانته وفضله، وكان خصيصاً بالنائب الأمير سيف الدين أرغون. ثم إنه اختص بعده بالأمير سيف الدين طقزتمر، ويطلع معه في كل سنة إلى الصعيد، فيكون في خدمته، ويستعين بجاهه على استخراج أمواله وإنفاق متاجره.
وصحب قاضي القضاة تاج الدين القزويني، وكان يسفر عنده لقضاة الصعيد، يقدم كتبهم، ويتنجز أجوبتهم. وكان لا يزال ضيف الذرع من تقدم القاضي جمال الدين بن المغربي رئيس الأطباء عليه، وسأل من السلطان الإعفاء من الطب، وأن يكون من تجار الخاص، فقال السلطان: نحن نعرف أنه إنما قال هذا لكون ابن المغربي هو الرئيس، وكونه هو أكبر وأفضل، فلا يأخذ في خاطره من هذا، فهو عندنا عزيز كريم، ولكن إبراهيم صاحبنا، ونعرف أنه ما يستحق التقدم عليه.
فطاب قلب صلاح الدين بهذا الكلام، وخطب بعد ذلك أخت ابن المغربي، وتزوج بها، واتحدا بعد مباينة البواطن.
وكان صلاح الدين يثبت علم الكيمياء، ويقول إنه صحب ابن أمير كان اسمه ابن سنقر الرومي، وقال: عملها بحضوري غير مرة.
وكان مغرى بالروحانيات، واعتقاد ما يقال من مخاطبات الكواكب، حدثني بهذا جميعه القاضي شهاب الدين بن فضل الله، وكان كثير التردد إليه والاجتماع به، وقد اجتمعت به أنا غير مرة، وسمعت كلامه، وكان يستحضر كليات " القانون "، وكان يلثغ بالراء لثغة مصرية، وعلى ذهنه شيء من الحماسة والمقامات وشعر أبي الطيب.
وكان في ذهنه جمود، وكان يجتمع هو والشيخ ركن الدين بن القوبع - رحمه الله تعالى - في دكان الشهود التي على باب الصالحية، فيذكر صلاح الدين شيئاً من كلام الرئيس ابن شينا، إما من الإشارات أو من غيرها، ويشرح ذلك شرحاً غير مطابق، فما يصبر له الشيخ ركن الدين، ويقول: سبحان الله! من يكون ذهنه هكذا يشتغل فلسفة، هذا الكلام معناه كيت وكيت، فهو في واد وأنت في واد، وهذا الذي يفهم من كلام الشيخ هو المطابق للقواعد عند القوم. فيعود صلاح الدين في خجل كبير من الجلوس. وأظنه فارق الزوجة أخت ابن المغربي قبل وفاته.
ولما مرض النائب أرغون بحلب أول مرة طلبه من السلطان، فجهزه إليه فحضر وعالجه، ثم توجه إلى القاهرة، ثم إنه مرض الثانية، فطلبه، فوصل إلى إربد، وبلغته وفاته، فعاد من إربد إلى القاهرة.
وتوفي صلاح الدين - رحمه الله تعالى - في سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة.