الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف القاف
القاسم بن محمد بن يوسف
شيخنا الإمام الحافظ المحدث المؤرخ علم الدين أبو محمد ابن العدل بهاء الدين ابن الحافظ زكي الدين البرزالي - بكسر الباء الموحدة، وسكون الراء وبعدها الزاي، وألف ولام - الإشبيلي ثم الدمشقي الشافعي.
حفظ القرآن العظيم ثم التنبيه ومقدمة
…
في صغره، وسمع سنة ثلاث وسبعين وست مئة من أبيه، ومن القاضي عز الدين بن الصائغ.
ولما سمع " صحيح البخاري " على الإربلي بعثه والده فسمعه سنة سبع، وأحب طلب الحديث ونسخ الأجزاء، ودار على الشيوخ، وسمع من ابن أبي الخير، وابن أبي عمر، وابن علان، وابن شيبان، والمقداد، والفخر، وغيرهم. وجد في الطلب وذهب إلى بعلبك، وارتحل إلى حلب سنة خمس وثمانين، ومنها ارتحل إلى مصر، وأكثر عن العز الحراني وطبقته.
وكتب بخطه كثيراً وخرج لنفسه ولغيره كثيراً، وجلس في شبيبته مع العدول
الأعيان مدة. وتقدم في معرفة الشروط. ثم إنه اقتصر على جهات تقوم به، وحصل كتباً جيدة، وأجزاء في أربع خزائن، وبلغ عدد مشايخه بالسماع أزيد من ألفين، وبالإجازة أكثر من ألف، رتب كل ذلك وترجمهم في مسودات متقنة.
وكان - رحمه الله تعالى - رأساً في صدقه، بارعاً في خدمه، أميناً صاحب سنة واتباع، ولزوم فرائض ومجانبة الابتداع، متواصعاً مع أصحابه ومن عداهم، حريصاً على نفع الطلبة وتحصيل هداهم، حسن البشر دائمه، صحيح الود حافظ السر كاتمه، ليس فيه شر، ولا له على خيانة مقر، فصيح القراءة عدم اللحن والدمج، ظاهر الوضاءه، لا يتكثر بما يعرف من العلوم، ولا يتنقص بفضائل غيره، بل يوفيه فوق حقه المعلوم.
وكان عالماً بالأسماء والألفاظ، وتراجم الرواة والحفاظ، وخطه كالوشي اليماني، أو رونق الهنداوني، لم يخلف بعده في الطلب وعمله مثله، ولا جاء من وافق شكله شكله.
ولم يزل على حاله إلى أن حج سنة تسع وثلاثين وسبع مئة، فتوفي بخليص محرماً بكرة الأحد رابع ذي الحجة عن أربع وسبعين سنة ونصف، وتأسف الناس عليه.
وكان - رحمه الله تعالى - لدمشق به في الحديث جمال، بلغ ثبته أربعاً وعشرين مجلداً، وأثبت فيه من كان يسمع معه، وله " تاريخ " بدأ فيه من عام مولده الذي توفي فيه الإمام أبو شامة، فجعله صلة لتاريخ أبي شامة في ثماني مجلدات، وله مجاميع وتعاليق كثيرة، وعمل كثير في الرواية، قل من وصل إليه، وخرج أربعين
بلدية، وحج سنة ثمان وثمانين وأخذ عن مشيخة الحرمين. وحج غير مرة، وكان باذلاً لكتبه لا يمنعها من سأله شيئاً منها، سمحاً في كل أموره، مؤثراً متصدقاً، وله إجازات عالية عام مولده من ابن عبد الدائم وإسماعيل بن عزون والنجيب وابن علاق، وحدث في أيام شيخه ابن البخاري.
ولي دار الحديث مقرئاً فيها، وقراءة الظاهرية سنة ثلاث عشرة وسبع مئة، وحضر المدارس، وتفقه بالشيخ تاج الدين عبد الرحمن الفزاري، وصحبه، وأكثر عنه، وسافر معه، وجود القراءة على رضي الدين بن دبوقا، وتفرد ببعض مروياته. ثم تولى مشيخة دار الحديث النورية، ومشيخة النفيسية، ووقف كتبه وعقاراً جيداً على الصدقات.
وقرأت أنا عليه بالرواحية قصيدة لابن إسرائيل يرويها عن المصنف سماعاً، وهي في مديح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولها:
غنها باسم من إليه سراها
وقرأت أيضاً عليه قصيدتين ميمية، أولها:
هي المنازل فانزل يمنة العلم
ودالية أولها:
قلب يقوم به الغرام ويقعد
في مديح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نظم الضياء أبي الحسن علي بن محمد بن يوسف الخزرجي رواهما لي سماعاً عن المصنف بالإسكندرية.
وسمعت عليه وعلى الحافظ جمال الدين المزي " جزء الأربعين العوالي، من المصافحات والموافقات والأبدال "، تخريج ابن جعوان للقاضي دانيال. وقرأت عليه غير ذلك، وقرأ هو علي قطعة من شعري.
وكان دائم البشر لي جميل الود، وكان من عقله الوافر وفضله السافر أنه يصحب المتعاديين، وكل منهما يعتقد صحة وده، ويبث سره إليه.
وكان العلامة تقي الدين بن تيمية يوده ويصحبه، والشيخ العلامة كمال الدين بن الزملكاني يصحبه ويوده ويثني عليه.
وقال القاضي شهاب الدين بن فضل الله يرثيه:
تراهم بالذي ألقاه قد علموا
…
شط المزار، وبان البان والعلم
لهفي عليهم وقد شدوا ركائبهم
…
عن الديار ولا يثني بهم ندم
قد كان يدنيهم طيف ألم بنا
…
فالآن لا الطيف يدنيهم ولا الحلم
الله أكبر كم أجرى فراقهم
…
دمعاً، وعاد بمن لا عاد وهو دم
أموا الحجاز فما سارت مطيتهم
…
حتى استقلت دموعاً قدمت لهم
وأحرموا لطواف البيت لا حرموا
…
من لذة العيش طول الدهر لا حرموا
زاروا النبي وساروا نحو موقفهم
…
حتى إذا فارقوا مطلوبهم جثموا
يا سائرين إلى أرض الحجاز لقد
…
خلفتم في حشاي النار تضطرم
هل منشد فيكم أو ناشد طلباً
…
أضللته وادلهمت بعده الظلم
قد كان في قاسم من غيره عوض
…
فاليوم لا قاسم فينا ولا قسم
من لو أتى مكةً مالت أباطحها
…
به سروراً، وجادت أفقها الديم
هذا الذي يشد المختار هجرته
…
والبيت يعرفه والحل والحرم
أقسمت منذ زمان ما رأى هجرته
…
لقاسم شبهاً في الأرض لو قسموا
هذا الذي يشد المختار هجرته
…
والبيت يعرفه والحل والحرم
ما كان ينكره ركن الحطيم له
…
لو أخر العمر حتى جاء يستسلم
له إليه وفادات تقر بها
…
جبال مكة والبطحاء والأكم
محدث الشام صدقاً بل مؤرخه
…
جرى بهذا وذا فيما مضى القلم
يا طالب العلم في الفنين مجتهداً
…
في ذا وهذا ينادى المفرد العلم
يروي حديث العوالي عن براعته
…
وماله طاعن فيها ومتهم
قد كان يدأب في نفع الأنام ولا
…
يرده ضجر منه ولا سأم
وحقق النقد حتى بان بهرجه
…
وصحح النقل حتى ما به سقم
وعرف الناس كيف الطرق أجمعها
…
إلى النبي فما حاروا ولا وهموا
وعرف الناس في التاريخ ما جهلوا
…
وبعض ما جهلوا أضعاف ما علموا
يريك تاريخه مهما أردت به
…
كأن تاريخه الآفاق والأمم
ما فاته فيه ذو ذكر أخل به
…
ولو يروم لعادت عاد أو إرام
إذا نشرت له جزءاً لتقرأه
…
تظل تنشر أقواماً وهم رمم
يا أيها الموت مهلاً في تفرقنا
…
شتت شمل المعالي وهو منتظم
تجد فينا وتسعى في تطلبنا
…
اصبر سنأتيك لا تسعى بنا قدم
قد ظفرت بفرد لا مثيل له
…
وإن أردت له مثلاً فأين هم
يا ذاهباً ما لنا إلا تذكره
…
آهاً عليك وآه كلها ألم
جادت عليك من الغفران بارقة
…
عراء يضك فيها البارد الشيم