الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمع على أبيك الجمالي سنة سبع وخمسين وهو حاضر في الخامسة، وسمع بعد ذلك على ابن عبد الدائم، وعمر الكرماني، وأبي بكر بن النشبي، وأحمد بن نعمة المقدسي، وغيرهم.
وقرأ القرآن على الشيخ يحيى المنبجي. وكان حسن الصوت في القراءة والأذان والتسبيح موصوفاً بذلك مشهوراً في البلاد، سمع منه الطلبة وأم بنائب السلطنة مدة، وولي حسبة الصالحية والإشراف على الجامع الأموي. وكان يقرأ في المصحف على الكرسي عقيب صلاة الصبح ويخرج أمام الخطيب يوم الجمعة بالسواد.
توفي - رحمه الله تعالى - في ذي الحجة سنة خمس وعشرين وسبع مئة بخانقاه الطواويس.
ومولده تقريباً سنة اثنتين وخمسين وست مئة.
محمد بن أبي طالب الأنصاري الصوفي
شمس الدين المعروف بشيخ حطين أولاً، ثم أخيراً بشيخ الربوة.
رأيته بصفد مرات، واجتمعت به مدة مديدة.
كان من أذكياء العالم وأقوياء الفهم الذي من رزقه فقد سلم وسالم. له قدرة على الدخول في كل فن، وجرأة على التصدي لكل ما سنح في الأذهان وعن، رأيت له عدة من التصانيف في كل علم حتى في الأطعمه، وكل ما يعمل على النار المضرمه، وفي أصول الدين على غير طريق الأشاعره، ولا طريق الاعتزال ولا الحشوية المتظاهره، لأنه
لم يكن له علم. وإنما كان ذكيا، وعقله بفهم الغرائب زكيا، فكنت يوماً أراه أشعرياً، ويوماً أراه معتزليا، ويوماً أراه حشويا، ويوماً أراه يرى رأي ابن سبعين وقد نحا طريقه، وتكلم على العرفان والحقيقه. نعم كان يتكلم على الأوفاق ووضعها، وحفظها فيما يستعمله ورفعها، ويتكلم على أسرار الحروف كلاماً مناسبا، ويدعي أنه لا يرى دونه في ذلك حاجبا، ويعرف الرمل ويتقنه ضربا، ويدريه جنساً ونوعاً وضربا.
وكان ينظم نظماً ليس بطائل، ويستعير فيه ما يريده من جميع القبائل، وكان قد لحقه الصم، وحصل به له ولمن يعرفه ألم، ثم أضر بأخرة من عينه الواحده، وبقي رحمه لمن يراه عدواً أو عنده له معانده.
ولم يزل على حاله إلى أن رأى عين اليقين، وعلم أن معارات الدنيا لا يحمين من الموت ولا يقين.
وتوفي - رحمه الله تعالى - فيما أظن في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وسبع مئة بصفد.
ومولده سنة أربع وخمسين وست مئة.
نقلته من خط شيخنا البرزالي.
كان ذكياً وعبارته حلوة، ما تمل محاضرته، وكان يدعي عمل الكيمياء، ودخل على الأفرم وأوهمه شيئاً من ذلك، فولاه مشيخة الربوة، والظاهر أنه كان يعلم منها ما يخدع به العقول، ويتلعب بالألباب الأغمار، ولما جاء إلى صفد ورأيته بها كان شيخ قرية علمين الفقراء، وهي قرية عند قرية مغران بالقرب من الشريعة عند جسر يعقوب، وقف السلطان صلاح الدين يوسف تغمده الله تعالى برحمته.
قال شيخنا علم الدين البرزالي: ومولده بزاوية جده الشيخ أبي طالب بقصر حجاج بدمشق.
قال الشيخ علم الدين البرزالي: وأعرف جده أبا طالب، وكان صالحاً يصلي الجمعة دائماً تحت النسر، انتهى.
قلت أنا: وهو شيخ النجم الحطيني المعروف بنجيم الذي سمره السلطان الملك الناصر بالقاهرة وجهزه إلى دمشق مسمراً على جمل، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف النون مكانه، وكان هذا النجم يخدمه، وهو شيخ الخانقاه بحطين من بلاد صفد، وورد عليهم إنسان في تلك المدة أضافوه على العادة، وكان هذا النجم رأى مع الضيف ذهباً، فاتبعه لما سرى من الخانقاه، وقتله في الطريق وأخذ ذهبه، وبلغت القضية نائب صفد الأمير سيف الدين كراي، فأحضر الشيخ شمس الدين وضربه ألف مقرعة، على ما قيل، وعوقب زماناً، ثم أفرج عنه، ثم إن هذا النجيم كان بعد ذلك يؤذي الشيخ. حكى لنا الشيخ شمس الدين قال: كنت أخافه على نفسي، فأنام في الربوة وأغلق باب المكان وهو محدود، وأستوثق من الأقفال وغيرها، وأكون نائماً آمناً، وما أشعر به إلا وقد أيقظني فأفتح فأرى السكين في يده مجردة، ويقول: يا أفخاذ الغنمة، ما تريد أن أفعل بك؟ قال: فأدخل بكل طريق من ضروب الخداع والتلطف أنه أي فائدة في قتلي، وفرضنا أني قتلت، فهل في هذا فائدة تحصل، ولا أزل أخدعه حتى يمضي ويتركني.
وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت:
الله أكبر يا الله من قدر
…
حارت عقول أولي الألباب في صدره
نجم به كسفت شمس وذا عجب
…
أن يكسف الشمس جرم النجم مع صغره
ولم يزل الشيخ شمس الدين مروعاً من هذا النجم إلى أن سمر. وكان ما يسميه بعد ذلك إلا الهالك، ويكني عن نفسه بالشخص. فيقول: جرى للشخص مع الهالك كيت وكيت، وما كانت حكاياته عنه تمل، لأنه يؤديها بعبارة فصحى وينمقها ويزمكها.
وجمع هذا الشيخ كتاباً في علم الفراسة سماه " كتاب السياسة في علم الفراسة " كتبته بخطي من خطه، وتناولته منه بصفد، ولم أر في كتب الفراسة مثله، وقد نقله مني جماعة أفاضل بمصر والشام منهم الشيخ شمس الدين الأكفاني، لأنه جمع فيه كلام الشافعي رضي الله عنه وكلام ابن عربي وكلام صاحب المنصوري وكلام أفلاطون وكلام أرسطو، فجاء حسناً إلى الغاية.
ولحقه صم زائد قبل موته بعشرة أعوام، أضرت عينه الواحدة. وتوفي بمارستان الأمير سيف الدين تنكز بصفد رحمه الله تعالى.
كان من أفراد العالم وله في كل شيء يتحدث فيه مصنف.
وأنشدني من لفظه لنفسه، ومن خطه نقلت، في مليح كان يميل إليه، وتوكل بقرية فرادية من عمل صفد، ولاه الحاكم بصفد هذه الوكالة:
قل للمقيمين بفراديه
…
من ذا الذي أفتى بإفراديه
ومن لحيني في الهوى عامداً
…
أصدرني من قبل إفراديه
وما الذي أوجب هجري وأن
…
تقصد الأتراك أكراديه
فقيل مت في حبهم أو فعش
…
فما لمقتول الهوى من ديه
وهجرك الحكم العزيز اقتضى
…
من غير ما ذنب ولا عاديه
وإنما سنة أهل الهوى
…
تغاير الحضار والباديه
ونقلت من خطه له:
للنفس وجهان لا تنفك قابلةً
…
مما تقابل من عال ومستفل
كنحلة طرفاها في مقابلة
…
فيها من اللسع ما فيها من العسل
ونقلت من خطه وأنشدنيه:
نظر الهلال إليه أول ليلة
…
فرآه أحسن منظراً فتزيدا
ورآه أحسن وهو بدر فهو من
…
غم يذوب ويضمحل كما بدا
ونقلت من خطه له:
يا من تعالى أن يجوز بذاته
…
وصفاته التلويح والتصريح
أنت العلي عن الصفات بأسرها
…
لكن تنزيلك اللطيف يبوح
والقول منا عند كل تعقل
…
وتخيل وتوهم سبوح
ونقلت من خطه له، يعني نفسه:
تأدب حتى لم يجد من يناظره
…
وحتى قلته كتبه ودفاتره
ودارس ما فيها فلم ير ذا حجى
…
وذا أدب مما يراه يحاوره
وطاب به الحرمان من كل جانب
…
وظل إليه الفقر تسعى بوادره
فلو رام بحراً زاخراً وهو ظامي
…
يحاول منه شربة غاص زاخره
وكان يعرض شعراً كثيراً علي وأغير منه كثيراً.
وكان صبوراً على القلة والفقر والوحدة، كثير الآلام والأوجاع. وكان به انفتاق في أنثييه يثور به كل قليل ويقاسي منه شدة، وكان قد كبر سنه وأنقى شيبه. والذين رأيتهم يقومون بعلم الفراسة ثلاثة: شيخنا نجم الدين بن الكمال الصفدي الخطيب رحمه الله تعالى، وهذا الشيخ شمس الدين، والحكيم أسد اليهودي، وكان أصدقهم