الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة في خامس جمادى الآخرة سنة عشر وسبع مئة.
محمد بن علي بن عبد الكريم
الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون أقضى القضاة، فخر الدين، أبو الفضائل وأبو عبد الله المصري الشافعي الأشعري المعروف بابن كاتب قطلوبك. تقدم ذكر والده في مكانه.
قرأ القرآن على جماعة منهم الشيخ موسى العجمي. وقرأ العربية والفقه أولاً على الشيخ كمال الدين بن قاضي شبهه، ثم قرأ الفقه على الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين، وقرأ بقية العلوم على الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، وهو أكثرهم إفادة له، وكان معجباً به وبذهنه وبحافظته، يشير إليه في المحافل والدروس وينوه بقدره ويثني عليه، ونزل له عن تدريس العادلية الصغيرة. وقرأ على الشيخ صدر الدين بن الوكيل، وبحث على الشيخ مجد الدين التونسي، وعلى الشيخ نجم الدين القحفازي. كتاب " المقرب " في النحو، وحفظ " الجزولية "، وبحث منها جانباً على شيخنا نجم الدين الخطيب وقرأ الجست على النعمان، والمنطق على جماعة أشهرهم الشيخ رضي الدين المنطقي، وعلى الشيخ علاء الدين القونوي بمصر. وحفظ " التنبيه " و" المنتخب " في أصول الفقه، وحفظ " مختصر " ابن الحاجب في مدة
تسعة عشر يوماً، وهذا أمر عجيب باهر إلى الغاية، فإن ألفاظ " المختصر " غلقة عقدة ما يرتسم معناها في الذهن ليساعد على الحفظ، وحفظ " المحصل " في أصول الدين وهو قريب من ألفاظ " المختصر " وحفظ " المنتقى " في الأحكام، وقال: أحفظ منه في كل يوم خمس مئة سطر. وشرع في حفظ أشياء لم تكمل مثل " مطلع النيرين " و" المنهاج " للنووي، و" تصريف " ابن الحاجب.
وأذن له بالإفتاء وعمره ست وعشرون سنة، وولي تدريس العادلية الصغيرة في سنة خمس وعشرين وسبع مئة، وفيها أذن له بالإفتاء، ولما توفي شيخنا الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين جلس بعده بالجامع الأموي وحلقة الإشغال في المذهب عند الرخامة، وتأدب مع شيخه، فأخلى مكانه وجلس إلى جانب منها.
وأنشدني شيخنا العلامة مفتي الإسلام وشيخهم قاضي القضاء تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى يذكر أول من جلس إلى هذه الرخامة إلى آخر وقت من المصدرين. للإشغال، ومن خطه نقلت وهو:
الجامع المعمور فيه رخامة
…
يأوي لها من للفضائل يطلب
الشيخ فخر الدين ابن عساكر
…
والشيخ عز الدين عنه ينسب
والشيخ تاج الدين نجل فزارة
…
عنه تلقاها يفيد ويدأب
ثم ابنه أكرم به من سيد
…
ورع له كل المنابر تخطب
وتلاه فخر الدين واحد مصره
…
بذكائه كالنار حين تلهب
وابني يليهم زادهم رب السما
…
علماً وفهماً ليس فيه ينصب
وأقدم من سمع عليه الحديث هدبة بنت عسكر، وأحمد بن مشرف.
وحج إلى أن مات تسع حجات فيما أظن أو ثمانية، وجاور في بعضها مرات بمكة والمدينة.
وكان رحمه الله تعالى في الذكاء والحفظ أعجوبه، لم يكن في زمانه من يلحق أسلوبه، قد صار الفقه والأصول له طباعا، ونقل فروع المذهب هوى مطاعا، متى دعاه لباه وجاءه مسرعاً ولا يأباه، فلو رآه أبو ثور لزم التسلسل في التعجب أو الدور، وما قال بتقديم الوصية على الدين، وهو في المذهب أغرب من بياض غراب البين، أو الزعفراني لخلق ثيابه بها فرحا، وفتح دربه ببغداد مرحا، أو عاصره المزني لغرق في قطره وتحقق أن الفخر لمصره، أو ابن سريج لعلم أنه لم يكن من خيل هذه الحلبة، ووصى للماوردي أن يكون صاحب الثناء عليه ونبه. وما أحقه بقول الأرجاني:
غبرت في غرر الذين تقدموا
…
في الدهر من أهل الفضائل والعلا
وسبقتهم ولرب آخر حلبة
…
بسط العنان له فصار الأولا
وكان يتجر ويقتني الأصناف ويدخر إلى أن ثور نعمة طائله، وحصل جملة هائله، إلا أنه كان يخرج الزكاه. أخبرني بذلك من صدقته لما حكاه.
ولم يزل على حاله إلى أن نزلت بشهاب حياته شعوب، ولبست الدنيا من الأصيل عليه ثوب شحوب.
وتوفي رحمه الله تعالى يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وسبع مئة، وصلي عليه الظهر بالجامع الأموي، ودفن في مقابر الباب الصغير، وكانت جنازته حافلة. وتوفي بدمشق بداره بالعادلية الصغيرة بعد مرضة طويلة عوفي منها ثم انتكس.
وسألته عن مولده فقال: في سنة إحدى وتسعين وست مئة.
واجتمعت به غير مرة. وكان ظريفاً ولطيفا، وكان قد حج بعض حجاته وجاور، ولما حضر كتبت له توقيعاً بإعادة نظر الدولعية وتدريسها إليه، وهو: " رسم بالأمر العالي أعلاه تعالى، لا زال يرتفع به العلم الشريف إلى فخره، ويعيده إلى خير حبر تقبس الفوائد من نوره وتغترف من بحره ويجمل الزمان بمن هو علم عصره وفخر مصره أن يعاد المجلس العالي القضائي الشيخي الفخري إلى كذا وكذا، وضعاً للشيء في محله، ورفعاً للوبل على طله، ودفعاً لسيف النظر إلى يد هي مألف هزه وسله، ومنعاً لشعب مكة أن ينزله غير أهله، إذ هو لأصحاب الشافعي رضي الله عنه حجه، ولبحر مذهبه الزاخر لجه، ولأهل فضله الذين يقطعون مفاوزه بالسرى صبح وبالمسير محجه، طالما ناظر الأقران فعدلهم، وجادل الخصوم في حومة
البحث فجد لهم وجدلهم. كم قطع الشبهات بحجج لا يعرفها السيف، وأتى بوجه ما رأى الروياني أحلى منه في أحلام الطيف، ودخل باب علم فتحه القفال لطالب " نهاية المطلب " التبري، وارتوى من معين ورد عين حياته الخضري. وتمسك بفروع صح سبكها فقال ابن الحداد: هذا هو الذهب المصري، وأوضح المغالط بما نسف به جبال النسفي، وروى أقوال أصحاب المذهب بحافظة يتمناها الحافظ السلفي.
كما جاور بين زمزم والمقام، وألقى عصا سفره لما رحل الحجيج وأقام، وكم طاب له القرار بطيبه. وعطر بالإذخر والجليل ردنه وجيبه. وكم استروح بظل نخلها والسمرات. وتملى بمشاهد الحجرة الشريفة، وغيره يسفح على قرب تربها العبرات، وكم كتب له بالوصول وصول، وبث شكواه فلم يكن بينه وبين الرسول رسول، لا جرم إنه عاد وقد زاد وقارا، وآب بعد ما غاب ليلاً فتوضح شيبه نهارا.
فليباشر ما فوض إليه جرياً على ما ألف من إفادته، وعهد من رياسته لهذا العصابة وسيادته، وعرف من زيادة يومه على أمسه، فكانت كنيل بلاده، لا يتعجب من