الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن عثمان بن أبي الحسن
ابن عبد الوهاب الأنصاري، قاضي القضاة، شمس الدين بن الحريري، قاضي القضاة بدمشق وبالقاهرة.
سمع من ابن أبي اليسر، وابن عطاء، والجمال بن الصيرفي، والقطب بن أبي عصرون، وجماعة. وتفقه فبرع في الفقه، وحفظ " الهداية " وغيرها، وأفتى ودرس وتميز.
وكان من قضاة العدل، والحكام الذين خص ستر وقارهم بالهدل، نظيف البزه، صلب القناة في الحق عند الغمز والهزه، عليه مهابة ووقار، وسمت ترمى النجوم عنده بالاحتقار، وله عباره، وشارة وإشاره، وكان قوالاً بالحق، قواماً بالصدق، حميد الأحكام، صارماً على الخاص والعام، متين الديانه، وصين الصيانه، له أوراد يقوم بأوقاتها، ويعد ذلك لنفسه من أقواتها.
وكان يراعي الإعراب في كلامه، وفي فصله القضاء عند أحكامه، ومع نسائه وخدامه، إلا أنه كان مفرطاً في تعظيم نفسه، ورؤية الناس من أبناء جنسه. وبهذا لا غير نقم عليه، وبه يشار عند الذم إليه.
ولم يزل على حاله إلى أن لبس الحريري قطن أكفانه، وأطبق القبر على إنسانه ما يطول من غمض أجفانه.
وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة يوم السبت رابع جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبع مئة.
وفي شهر ربيع الأول ورد البريد يطلبه إلى مصر متولياً قضاء القضاة بها عوضاً عن قاضي القضاة شمس الدين السروجي، وولاه السلطان أيضاً تدريس الناصرية والصالحية وجامع الحاكم. وكان وهو بدمشق قد عزل بقاضي القضاة شمس الدين الأذرعي، وطلب للأذرعي توقيع شريف من الشام، فلما كان في شهر ربيع الآخر سنة ست وسبع مئة وصل البريد من مصر ومعه توقيع فتوهم البريدي أنه لقاضي القضاة ابن الحريري، فتوجه به إليه، وحضر أصحابه إليه للهناء به، ففتح التوقيع وقرئ، ولما وصل القارئ إلى الاسم وجده غير فطوى التوقيع، وحصل لقاضي القضاة خجل من هذا الأمر، وكانت هذه واقعة غريبة.
ولما أقام بمصر قاضياً كان لبكتمر الساقي إصطبل بأرض بركة الفيل لورثة الملك الظاهر وقفاً، فتعرض إليهم وقال: هذه الأرض زادت معكم، فتوجه وكيل بيت المال ونائب الحكم لقياس الأرض فما زادت شيئاً، ثم أرسلوهم مرة أخرى وتحيلوا على الزيادة وقالوا: أعطونا أرض الإصطبل بالزيادة، فقالوا: نحن نشهد علينا بقبض الأجرة ونعوض، فقيل للسلطان: في مذهب أبي حنيفة يجوز التعويض، فقال لابن الحرير عن ذلك، فقال: هذا رواية عن أبي يوسف وحده، وما أعمل بها، فولى السلطان القاضي سراج الدين عمر صهر القاضي السروجي قاضياً وعزل ابن
الحريري، وحكم سراج الدين بذلك وبقي على القضاء مدة يسيرة، ثم مات، وأعيد ابن الحريري، وعظمت مكانته.
وكان فقيهاً جيداً، له محفوظات جيدة، ودرس بعدة مدارس، وأفتى وشغل الطلبة وولي قضاء دمشق مدة سنتين، وانفصل منه، ثم طلب لقضاء مصر، وكان موصوفاً بالنزاهة لا يقبل لأحد هدية، وكان له حرص على خلاص الحقوق وفصل القضايا، وصحبته جيدة، ومودته أكيدة، ينفع أصحابه ومعارفه.
وكانت جنازته حافلة، وعمل عزاؤه بالجامع الأموي، وكان قد سمع الحديث على النجيب المقداد، وابن علان، وغيرهم. وحدث بدمشق والقاهرة.
قال شيخنا علم الدين البرزالي: وخرجت له جزءاً عن عشرة من الشيوخ، قرئ عليه غير مرة.
وفي قاضي القضاة شمس الدين الحريري يقول شمس الدين الباذرائي:
مذ أسلمتني عين أم سالم
…
إلى الردى يئست من مسالمي
وكلما قل نصيبي عندها
…
تكاثرت في حبها لوائمي
يا مقلتي أنتما نعمتما
…
والقلب يشقى وهو غير جارم
جنيتما الذنب فلا أقل من
…
أن تبكيا قلبي بدمع ساجم
عيناي عونان علي وهما
…
مني وهل بعدهما من راحم