الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوفي - رحمه الله تعالى - في أوائل سنة ست وخمسين وسبع مئة.
الألقاب والأنساب
القبتوري: خلف بن عبد العزيز.
قتال السبع: اسمه آقوش.
قجا الأمير سيف الدين
مشد الخاص بزرع وإربد وطفس، ومشد مراكز البريد بالقبلية والشمالية، أحد أمراء الطبلخانات بدمشق.
كان خبيراً نحريراً، ذكياً بصيرا، يعرف ما يباشره، ويعرف الرجل قبلها يعاشره، إلا أنه كان متشدداً في أموره، متجدداً في يقظته يخاف من نسبته إلى قصوره.
وكان لا يمكن رفيقه من الحديث، ولا يدعه يستريب ولا يستريث، وكان المباشرون معه في بوتقة حصر، وأبواعهم المديدة تشكو من القصر. لا ينخدع ولا ينصدع، ولا يرتد عن الشدة ولا يرتدع. فكان الكتاب وغيرهم يبيتون معه بليلة السليم، ويصبح كل منهم وهو غير سليم:
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعةً
…
بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم
ولم يزل في جبروته يتشدد، وفي قسوته يتمرغ ويتمرد، إلى أن قصمت بالمنون عرى غروره وبات وليه في حزنه، وعدوه في سروره.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في ليلة الأحد رابع شوال سنة ست وخمسين وسبع مئة، وقد تعدى الخمسين.
ومن الغريب أنه في بلاد الساحل بغزة قد توجه للقسم وأرجف بأنه مات. وكان ذلك في شعبان، وأظنه بلغه الخبر، فنجز أشغاله، وحضر إلى دمشق، ورأى الناس نفسه وما به قلبه. ثم إنه توجه لقبض مغل زرع، فأرجف بموته، فحضر في آخريات رمضان وهو متوعك، وركب وجاء لدار السعادة في ليالي العيد، وهو يتجلد، ويري أنه ممن يخلد:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
…
ألفيت كل تميمة لا تنفع
فأقام على حاله بعد ذلك، وتوفي سامحه الله
…
وأول أمره كان من جملة البريدية، وكان فيه حذق ومعرفة وخبرة، فجهز الأمير سيف الدين تنكز - رحمه الله تعالى - بمشافهة فيها قوة وغلظة، إلى الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب حلب، فبلغه المشافهة بعبارة فجة مؤلمة، فبقيت في قلب ألطنبغا.
ولما جاء نائب الشام أراد أذاه، فقطع خبزه وتهدده، وكان قجا رجلاً فسعى في إصلاح أمره، وسكنت القضية.
ولم يزل على حاله في جملة البريدية، إلى أن جاءت واقعة بيبغاروس، فاحتاج الأمير سيف الدين أرغون الكاملي إلى المطالعة بأمره، فكتب مطالعة، واستنجد بالمصريين في سرعة إنجاده، وندب سيف الدين قجا في التوجه بالمطالعة، فتوجه بها، وكان ذلك مهماً كبيراً، فجاء قجا وقد أعطي إمرة عشرة، ثم إنه أخذ تقدمة البريدية وأخذ في الترامي إلى الأمير سيف الدين صرغتمش، والانتماء إليه.
فلما كان السلطان الملك الصالح صالح بدمشق أعطي طبلخاناه، وتحدث في أمر شد زرع وطفس وإربد، ثم إنه توجه في أواخر سنة خمس وخمسين وسبع مئة إلى مصر وأثبت محاضر بوقفيه زرع وطفس وإربد، وأنه هو مشدها، وأبطل من كان فيها مباشراً، واستخدم غيرهم.
وزادت عظمته ووجاهته، وتسلطه إلى أن مات - رحمه الله تعالى - في وسط عزه.
وكتبت له توقيعاً بتقدمة البريدية عوضاً عن ناصر الدين محمد بن القرايلي، لما توفي إلى رحمة الله تعالى، في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة، ارتجالاً من رأس القلم وهو: " أما بعد حمد الله على نعمه التي جردت من أولياء هذه الدولة القاهرة سيفا، ومنعت بجده جنفاً من الأيام التي زادت خطباً وحيفا، وجمعت بمضائه من المصالح ما كانت الأطماع لا تؤمل أن تراه طيفا، وصلاته على سيدنا محمد،
وآله وصحبه الذين نصروا حزبه، وتظاهروا على قمع عداه، فحازوا من المعالي أرفع رتبه، وتضافروا على اتباع هداه، فلم يكن بين الكواكب وبينهم نسبه، صلاةً يملأ البر بريدها، ويكاثر موج البحر عديدها، ما تقعقع من البريد لجام، وزعزع من المهمات ريح تثير السحب السجام، وسلامه إلى يوم الدين.
فإن أولى من غدق به أمر البريد المنصور، وأضيفت إليه أمر التقدمة على فرسانه الذين يسابقون البروق اللامعة في الديجور، من قدمت خدمته في الدولة القاهرة، وساق في مهماته الشريفة، فشخصت لسيره، وسراه عيون النجوم الزاهره، وقطع المسافة في وقت تقصر عنه فيها الطيور الطائرة، كم تألق برق دجنة فسبقه في شق جيب الظلام، وأتى في مهم فبلغ الغاية قبل وصول خبره على أجنحة الحمام.
يكاد من السرعة يأتي، وما جف ختم كتابه، ولا ارتسم ظله على الأرض، ولا اعتقل الخيال بركابه، وتحمل من أسرار الملوك مشافهات لم يبدها من القلم لسان، وأدى فيها الأمانة التي لم تحملها الجبال وحملها الإنسان.
وكان المجلس السامي الأميري السيفي قجا الصالحي، هو الذي تضمنته هذه الإشارة، ومن ربا ذكره نفح عبير هذه العباره. وعلى شخصه دلت هذه الأدلة، وعليه وقع اختيار هذه الإماره. فلذلك رسم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الصالحي أن يرتب مقدماً على جماعة البريدية الشاميين عوضاً عمن كان بها على عادة ابن الفراء، لما كان أمير عشرة، لأنه نصل تجرع العدو منه الغصة لما تجرد، وأصل تفرع