الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوران الحاجب، فرسم عليه وتهدده بالطرقجي، ففعل بنفسه ذلك في سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة.
نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
محمد بن إسماعيل بن أحمد بن سعيد
القاضي الرئيس الكاتب كمال الدين بن الأثير، موقع الدست بالديار المصرية.
كان فاضلاً في صناعته، كاملاً في براعته، فصيحاً في عبارته، مليحاً في إشارته وشارته. يكتب خطاً آنق منالحدائق، وأرشق من الأغيد الذي لطفت منه الخلائق، كتب المناشير الكبار والتواقيع، وأتى فيها بمقاصد الكتاب المطابيع، فكان كما قال الغزي:
تصيخ له الأسماع ما دام قائلاً
…
وتعنو له الأبصار ما دام كاتباً
ولم يزل على حاله في توقيع الدست بمصر إلى أن أصبح مسجى.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في ذي الحجة النصف منه سنة إحدى وعشرين وسبع مئة. ودفن بالقرافة، وكانت جنازته حافلة بأرباب الدولة والعلماء والصوفية، وصلي عليه بالجامع الأموي بدمشق، يوم الجمعة سادس عشر ذي الحجة.
ورثاه شيخنا العلامة شهاب الدين محمود - رحمه الله تعالى - بقصيدة طنانة وهي....
ومن إنشاء القاضي كمال الدين بن الأثير - رحمه الله تعالى - نسخة تقليد للأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري بنيابة دمشق عقيب قدوم الملك الناصر من الكرك وهو: "
الحمد لله الذي أنجز من الألفة للإسلام ما وعد، وأطفأ لهب الخلف، وقد وقد، وأحسن عاقبة المسلمين فيما صدر من أمرهم وما ورد، جاعل الملك من هذا البيت الشريف منتقلاً في عقبه، آيلاً إلى من أصبح ومغناه أهل به لما حل في رتبه، وأضحى وهو مفروض الطاعة على الأولياء في تغير الدهر ومنقلبه. نحمده حمد من يعلم أنه يؤتي الملك من يشاء من عباده، وأن الأقدار جارية على مراده، غير معترض على مشيئته معرض نفسه لعناده.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من رضي بقسمه، وفوض الأمر إلى حكمه، ووقف في زمرة قوم يعلمون أن الله " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه ".
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي وطأ للإسلام مهاده، وأزال عن جفن الإيمان غمض الشرك وسهاده، واستنفذ من يد الضلالة ربا الحق ووهاده.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أصحاب الحل والعقد ذوي الاجتهاد والجد، وأهل السعي المقترن بالسعد، صلاةً مستمرة الإيراد، متصلة الأوراد، موفيةً بالمراد مؤذنةً للرائد بخصب المراد، وسلم تسليماً.
وبعد: فإن الممالك أولى من قام بنصرها، وقعد بالمصلحة في أمرها، وأقيمت به دعوتها وعزت بعزمه ذروتها، وفوض تدبيرها إلى نظره، وحسنت فيها مواقع أثره، واستقامت هضبة أسها على رايه، واستقلت بمهامها كفالة ولائه، من حمى سرحها
وبنى صرحها، وسدد أمورها، وسد ثغرها وثغورها، وحماها من الأيدي المتخطفه، وصانها من الأغراض المتحيفه، واستقل بأعبائها التي آدت، ونهض بحفظها، وقد كانت العزائم همت بأن تفل أو كادت، ووقف المواقف التي تهول، وثبت بحيث الأقدام تزل والأحلام تزول، واصطلى في مضائق الحروب جمرها، وكان فيها بحمد الله في الرأي قيسها، وفي الإقدام عمرها، وهو الجناب العالي الأميري الشمسي قراسنقر، ذو الصفات الكامله، والسيرة العادله، والأنا الجميلة والهمم الجليله، والمحاسن الجزيله، والطريقة المتبعه، والأفعال التي لا تخشى منها تبعه، والآراء الصائبه، والمساعي التي لم تشبها في نصرة الإسلام شائبه.
طالما خاض الغمرات، واصطلى الجمرات، وأقدم إقدام الليث، وحرس الممالك من العيث، وأقام الأدلة على فضله، وأجلب إلى الأعداء بخيله ورجله. إليه تشد الرحال في صون الأمور وصلاح الجمهور، واستطلاع خبايا المقاصد، وأخذ الأعداء بالمراصد، وإقامة شعائر الدين، ونصرة حزب الموحدين.
وقد اقتضى رأينا الشريف أن نفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس من حدود العرائش إلى سلميه، وجعلنا كلمته في النفاذ باقيه، وعزمته في رتبة المضاء راقيه، واقتضينا في المهمات عقدة عزمه وحله، وأمضينا في مصلحة المملكة تصرفه كله، واستندنا من تدبيره إلى ركن شديد، وعطفنا إلى مضافرته كل جيد، إذ كان الملك بمثله يصان، وبمحاسنه يزان، وبتدبيره يستد ثلمه، وبتفويقه يستد سهمه. وقد قلدناه منا سيف اعتناء مطلق الحد، ومضافرة غير متناهية إلى حد، ومنحناه
اهتماماً يكفيه ما أهم، ومعاضدةً لرأيه الذي يشرق في ليل الخطب إذ ادلهم، وقبولاً يبلغه من رفعة القدر ما يريد، واتحاداً أقرب إلى الداعي من حبل الوريد.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري، لا زالت دولته مباركة على الإسلام وأيامه عائدةً بصلات الجميل التي لا تحصرها الأقلام، أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس، وأعمالها وعساكرها وممالكها وقلاعها وبلادها ورعاياها وذخائرها وأموالها، وثغورها ورجالها، وكبيرها وصغيرها، ومأمورها وأميرها، وكل ما يتعلق بها وينسب إليها، على عادة من تقدمه في ذلك كله، علماً منا بأنه أولى من فرع ذروتها، وقرع مروتها، وحلت له حباها، وحمي به حماها، واتسقت به عقودها، وحفظت به عهودها.
فليمض على رسله فيما رتبناه فيها وقررنا، ويتحقق حسن النية فيما أعلنا من أمره وأسررنا، ويدأب في بسط المعدلة والسيرة المجملة، والعمل بالعدل فإنه الطريق المسلوك، وليشمل الرعايا بنظره فإنهم عند الملوك هذه وصيتنا له، وأما عداها من مصالح المسلمين، واعتماد كل ما يقتضي بنصرة المؤمنين، وجند تعرض، وأرزاق تفرض، وأموال تثمر، وبلاد تعمر، وثغور تسد، وعقود تشد، وسطوة تكف الأيدي عن الجور، ومهابة تزعزع كل جبار متعدي الطور، ونظر في المصلحة الخاصة والعامه، وقصد يدل على الخبرة التامه، وشرع يتبع حكمه، وأمر بالمعروف يجدد رسمه، وقلوب تؤلف على الطاعه، وخدم يبذل فيها جهد الاستطاعه، فهو أدرى بما يعاد منها وما يبدا، ولم يزل في طرق الخيرات ولله الحمد أهدى أن يهدى. وهو غني عن شرح فيها يطول، والعمدة في ذلك على الله تعالى ثم على تدبيره المعول.
وسبيل كل من يقف على هذا التقليد الشريف من أمراء الدولة ونوابها ووزرائها ومتحفظي حصونها وولاة أمورها كافة أن يأتمروا بأمره، ويعرفوا له جلالة قدره، وينتهوا إلى إشارته في سر كل عمل وجهره.