الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان كثير السكون والميل إلى الموادعة والركون، لا يتحدث فيما لا يعنيه، ولا يؤسس الشر ولا يبنيه. وكان شيخنا قاضي القضاة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى يركن إليه ويعتمد عليه.
وروى عن ابن الحبوبي، وعلي بن محمد بن هارون الثعلبي وطائفة.
وكان قد تفقه على الشيخ صدر الدين السبكي، وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي أنه كان يستحضر من " الحاوي " جملة كبيرة، وكان كثير التلاوة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الملك بن عمر
الشيخ الإمام الزاهد القدوة شرف الدين الأرزوني.
كان شيخاً مشهوراً بالصلاح، تام الشكل، أسمر، مهيباً جليلاً قليل الشيب مليح الهمة والعمة والشيبة والبزة، صاحب سمت وهدى ووقار.
صحب الكبار وتعبد وانقطع سنة ست وتسعين وست مئة.
محمد بن عبد الملك بن إسماعيل
الأمير الملك الكامل ناصر الدين ابن الملك السعيد بن السلطان الملك الصالح ابن
العادل الأيوبي سبط الكامل وابن خالة صاحب الشام الناصر يوسف وابن خالة صاحب حماة.
حدث عن ابن عبد الدائم.
كان من أمراء دمشق الأكابر في الطبلخاناة، وكان ذكياً خبيراً، بصيراً بالورود في القضايا والصدور يعد في رؤساء الأمراء وسادة الصدور، ويجلس من المحافل الكبار في الصدور، ينبسط كثيراً مع لطافه، وينخرط في التنديب إلى سلك يزين عقوده من الزمان أعطافه، ونوادره عديده، وبوادره فيها عتيده، لو عاصره أبو العيناء لقال هذا هو الإمام، أو الجماز قفز وناوله هذا الزمام. أو أبو العبر لعثر، أو أشعب الطمع لسلا عما رأى وسمع.
كانت تقع له نكت حاره، وتناديب إلى القلوب ساره، هزازة، خلابه، بزازة سلابه.
ولم يزل يستدين وينفق ويستعين ممن لا يرفق إلى أن بهضه حمل الدين، وصار منه بمنزلة القذى في العين، وصار كلما نهض بهض. وكلما نسخ رسخ.
كخائض الوحل إذا طال العناء به
…
فكلما قلقلته نهضة رسبا
وأنجده الله أخيراً بالأمير سيف الدين تنكز فحجز عليه في إقطاعه، وترم الصاحب شمس الدين يتحدث له في مشتراه وابتياعه ووفاء ديونه وانتفاء غبونه. فصلحت حاله بعض الصلاح. وما تقدر على الإمساك كف تعودت البذل والسماح.
وبقي على حاله حتى فقده الوجود، وترك العيون عليه بالدموع تجود.
وتوفي رحمه الله تعالى في يوم الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وسبع مئة.
ومولده سنة ثلاث وخمسين وست مئة.
وأوصى أن يدفن عند أبيه بتربة الكامل فما مكن، ودفن بتربة جدتهم أم الصالح، ووالدته وهي ربيعة خاتون بنت السلطان الملك الكامل محمد ابن السلطان الملك العادل أبي بكر.
وكان الملك المنصور صاحب حماة ابن خالته، وكان الملك العزيز صاحب حلب مزوجاً بخالته الأخرى.
كان أولاً من أمراء دمشق، ثم نقل إلى حماة، ثم أعيد إلى دمشق، ولما حضر إليها اجتمع بأصحابه، فسألوه عن حماة، فقال: أنا ما كنت في حماة بل كنت في الأردو، يعني بذلك أن الملك المؤيد ابن خالته صاحب حماة يتكلم بالتركي.
وعاشر الأفرم ونادمه وأحبه كثيراً وقربه، وكان لا يصبر عنه، وكان يوما هو والشيخ صدر الدين بن الوكيل عند الأمير جمال الدين الأفرم وقد أحضر لهم على بكرة
سخاتير صنعها لهم وتأنق الطباخون بها، فقال الملك الكامل: يا شيخ أنا أحب السخاتير فقال صدر الدين: " حب الوطن من الإيمان " فانتكى الكامل منها، وكان قد تقرر بينهم أنه من سبق وحضر إلى حضرة الأفرم يركب الذي يجيء بعده ويدور في المجلس فتأخر الملك الكامل تلك الليلة إلى أن تحقق أن صدر الدين قد سبقه وجاء بعده، فقال الأفرم: أيش أخرك إلى هذا الوقت، قم يا شيخ اركبه، فقال: والله طيب إن غبنا ما تذكرونا، وإن جئنا تحملون علينا الكلاب! فقال صدر الدين: يا خوند ما يضيع له شي، استوفاها.
قلت: والشيخ صدر الدين أخذ تنديبته من قول نصير الدين الحمامي، أنشدني من لفظه شيخنا الحافظ فتح الدين اليعمري، قال: أنشدني من لفظه لنفسه النصير الحمامي:
رأيت شخصاً آكلاً كرشةً
…
وهو أخو ذوق وفيه فطن
وقال ما زلت محباً لها
…
فقلت من الإيمان حب الوطن
ونقلت من خط الشيخ شهاب الدين أحمد بن غانم، وأنشد فيه إجازةً:
أيها اللائمي لأكلي كروشا
…
أتقنوها في غاية الإتقان
لا تلمني على الروش فحبي
…
وطني من دلائل الإيمان
وقيل له: إن هلال رمضان ثبت البارحة، فقال: من رآه؟ فقالوا: مجد الدين الميت، فقال: هذا ميت وفضولي، ويخلط شعبان في رمضان.
وحضر عند الصاحب شمس الدين ليلة، فلما أحضرت الحلوى وجاء البابا بالفوطة والماوردية ورش على يده، فأخذ الماورد ومسح به عينيه وقال: الحلوى رأيتها بعيني، وأما بيدي فما لمستها، لأن الصاحب كان قد أشغله بالحديث عنه حتى فرغت، فضحك الصاحب وأحضر له حلوى تخصه.
وحكى لي الأمير شرف الدين حسين بن جندر قال: جرى الحديث بيننا يوماً في حضرة الأفرم، فقلت المثل المشهور:" فقلت اصفعوني وردوا شبابي "، فقال: والله الأولى نقدر عليها الساعة والأخرى ما يقدر عليها إلا الله تعالى.
ونظر ولده يوماً في حضرة الأفرم وهو واقف قدامه إلى بعض الفقهاء وقد لبس بابوجاً أزرق، فتعجب ولده من ذلك فقال: لا تعجب منه، هذا نصراني مقلوب.
ووجدوه يوماً في الصيف وعليه فروة سنجاب، فقالوا: يا ملك في الصيف بفروة؟ فقال: أنا ما ألبس بالفصول، إلا إذا بردت لبست الفروة.
وكان من أخص الناس بالشيخ كمال الدين الزملكاني، وكان إذا وقع بينه وبينه ركب فرسه ودار على أصحابه ومعارفه وقال: قد وقع بيني وبين ابن الزملكاني فلا تسمع في ما يقول، وكذلك يفعل الآخر.
ودخل إليه الأمير شرف الدين حسين بن جندر يعوده في مرضه، وكان قد طلب إلى الديار المصرية وأخذ معه ثلاث مئة درهم فقال: هذه برسم الطبيب، فقال: بالله