الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر هنا قول شهاب الدين مسعود بن محمد بن مسعود السبكي المالكي:
وباذهنج إذا حر المصيف أتى
…
أهدى النسيم وقد رقت حواشيه
مصغ إلى الجو ما ناجاه نافحة
…
إلا ونم عليه فهو واشيه
قلت: ومما قلته أنا في باذهنج:
بنينا للتنسم باذهنجا
…
غلا فعلى إلى جو السماء
وراق به الهواء ورق لطفاً
…
فسميناه راووق الهواء
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه في شيخ منحن مطيلس:
كالعين شيخ منحن
…
مطيلس أعرفه
تقويسها كظهره
…
ورأسها رفرفه
قلت: هذا تشبيه عجيب، وتخيل غريب إلى الغاية.
وأنشدني قال أنشدني فيمن جهز إليه بوريه فايتة:
دع الاضطراب عن الحيا
…
ة وخل نفسك ثابتة
وازرع فحبات القلو
…
ب بها المحبة نابته
وذكرت فايتةً فقم
…
للفور واقض الفايته
محمد بن جنكلي
الأمير ناصر الدين ابن الأمير بدر الدين جنكلي ابن البابا الحنبلي.
تقدم ذكر والده في حرف الجيم مكانه.
كان جمال المواكب، وثمال الكواكب، أحسن خلق الله وجهاً وقواما، كأنه غصن بان ركب الله في أعلاه قمراً تماما، مع أخلاق ما للنسيم لطفها، ولا لأزاهر الرياض اليانعة عرفها، ولا للغصون الناعمة لينها ولا عطفها، وسماح يتعلم السحاب سحه، ويظهر من البحر شحه، وكتابة إن وصفتها بالخمائل أخملتها، وإن قلت: هي كالعقود، فقد نقصت من قدرها وأهملتها، تصبح بها السطور وقد توشت، والعيون وقد تردت بالمحاسن وتغشت، وفقه ما لابن حزم حزمه، ولا لابن عبد البر نقله ولا جزمه، وحديث ما ترقى الخطيب درجه، ولا ألم به ابن عساكر ولا خرجه، وأسماء رجال يغرق فيها ابن نقطه، ويتحقق سامعه أنه ما عند السمعاني بعدها غبطه، وأدب ما وصل الحصري إلى أنماطه، ولا صاحب " الذخيرة " إلى التقاطه، ولا صاحب " القلائد " إلى تيجانه وأقراطه، وشعر راق نسجه، ولاق نهجه:
شخص الأنام إلى جمالك فاستعذ
…
من شر أعينهم بعيب واحد
ولم يزل على حاله إلى أن حل بحماه الحمام، وأبكى عليه حتى الحمام.
وتوفي رحمه الله تعالى في شهر رجب الفرد سنة إحدى وأربعين وسبع مئة.
ومولده سنة سبع وتسعين وست مئة.
كان أولاً قد اشتغل بمذهب أبي حنيفة، ثم إنه تمذهب للإمام أحمد بن حنبل
وأنشدني من لفظه لنفسه غير مرة:
بك استجار الحنبلي
…
محمد بن جنكلي
فاغفر له ذنوبه
…
فأنت ذو التفضل
وكتب طبقة واشتغل في غير ما فن، ولم يزل مواظباً على سماع الحديث، واختلط بشيخنا الحافظ فتح الدين بن سيد الناس وبه تخرج، وعنه أخذ معرفة الناس وأيامهم وطبقاتهم وأسماء الرجال.
وكان آية في معرفة فقه السلف ونقل مذاهبهم وأقوال الصحابة والتابعين، وهذا أجود ما عرفه، مع مشاركة جيدة في العربية والطب والموسيقا.
وكان في النظم متوسط الطبقة وربما تعذر عليه حيناً، لكن له ذوق في الأدب، يفهم لطائف المعاني ويدركها ويهتز للفظ السهل، ويطرب لنكت الشعراء المتأخرين كأبي الحسين الجزار والوراق وابن النقيب وابن دانيال وابن العفيف ومن جرى مجراهم، ويستحضر من مجون ابن حجاج جملة.
وكان يلعب الشطرنج والنرد، وقل أن رأيت مجموعه في أحد.
رأيته غير مرة واجتمعت به كثيراً، وقد شاركته في بعض سماعاته، وسمع بقراءتي على شيخنا الحافظ أبي الفتح كثيراً، ورد علي يوماً بعض الأسماء صحفته أنا ذهولاً مني، ولما فرغنا أنشدته:
يرد علينا ما نقول أميرنا
…
لئلا يرانا في النهى دون حدسه
ويختار منا أن نكون كمثله
…
ويطلب عند الناس ما عند نفسه
فأعجبه هذا التضمين وطرب له.
وكان فيه بر وإيثار لأهل العلم والفقراء، ويخير مجالسة أهل العلم على مجالسة الأمراء والأتراك، وكان كثير الميل إلى من يهواه، لا يزال متيماً، هائماً، يذوب صبابة
ويفنى وجداً، ويستحضر في هذه الحالة ما يناسبها من شعر الشريف الرضي ومهيار وابن المعلم، ومتيمي العرب جملة يترنم بها ويراسل بذلك، ويعاتب.
وخرج له شهاب الدين أحمد الدمياطي أربعين حديثاً، وحدث بها قبل موته، وأثنى عليه الفاضل كمال الدين الأدفوني في تاريخه:" البدر السافر " ثناء كثيراً.
ولما بلغتني وفاته - رحمه الله تعالى - وأنا بدمشق قلت أرثيه، وضمنت القصيدة أعجاز أبيات قصيدة أبي الطيب:
هي الأيام ليس لها ذمام
…
وليس لها على عهد دوام
نصبنا للردى غرضاً فأصمت
…
حشانا من رزاياه السهام
وما بعد الرضاع وذاك حق
…
تبين عندنا إلا الفطام
نسير على مطايا للمنايا
…
وفي كف الزمان لها زمام
إذا متنا تنبهنا لهول
…
نرى أن الحياة هي المنام
ألم تر كيف عاث الدهر فينا
…
وأودى ناصر الدين الهمام
فشق الرعد جيب السحب لما
…
تلهب برقها وبكى الغمام
فيا أسفاً لوجه كان يبدو
…
فيستحيي له القمر التمام
وبالشمائل كم هام فيها
…
فؤاد ما يسليه المدام
ويا لخلائق كالروض لما
…
تفتح عن أزاهره الكمام
ويا لفضائل قلنا لديها
…
أفدنا أيها الحبر الإمام
ويا لكتابة كالدر لما
…
يؤلفه على النحر انتظام
وكان يرام في بذل العطايا
…
وأما في الجدال فما يرام
ولم نر في الزمان له شبيهاً
…
وإن كثر التجمل والكلام
أيا من في الرقاب له أياد
…
هي الأطواق والناس الحمام
لئن عمت مصيبتك البرايا
…
وصار بها على الدنيا ظلام
فكم حسنت بك الأوقات حتى
…
كأنك في فم الدنيا ابتسام
ستندبك المواكب كل يوم
…
ويبكيك المثقف والحسام
لأنك ما شهدت الحرب إلا
…
تعالى الجيش وانحط القتام
فلو تفدى بذلنا كل نفس
…
لأن حلال بقيانا حرام
ولو رد الردى حرب لشبت
…
وكان وقودها جثث وهام
وكف الخطب عنك كفاة أهل
…
هم في الروع أمجاد كرام
أب وأخ هما ليثا عرين
…
إذا ما كان للحرب اصطلام
يعز عليهما أن بت فرداً
…
وجالت في محاسنك الهوام
وما تركاك رهن الترب عندا
…
ولكن معدن الذهب الرغام
فنم فلو افتقرت لفعل بر
…
لأعطوك الذي صلوا وصاموا
وما تحتاج عند الله قربى
…
مواهبه لنا أبداً جسام
فللرحمن لطف واعتناء
…
بمن بالعلم كان له اعتصام
فكم أذريت خوف الله دمعاً
…
غمائمه إذا انهلت سجام
قضيتك بالوفا حقاً أكيداً
…
لأن بصحبة يجب الذمام
سأجعل طيب ذكرك لي سميراً
…
ومن يعشق يلذ له الغرام
وأرجو الله أن يوليك رحمى
…
ومن إحدى عطاياه الدوام
فلا تبعد فنحن عليك وفد
…
وغايتنا لهذا والسلام
وأورد الكمال الأدفوي في آخر ترجمة الأمير ناصر الدين، وأظن ذلك في نظم كمال الدين المذكور فيه:
أبكي عليك بدمعة كتبت على
…
صفحات خد للكئيب سطورا
تجري من العين التي أنشأتها
…
ما زال من إحسانه مسرورا
سالت عقيقاً فاستحالت عندما
…
شابت فصارت لؤلؤاً منثورا
قلت: العين وإنسانها لا يوصفان بسرور البتة، وإنما السرور من صفات القلب.
وأنشدني من لفظه لنفسه - رحمه الله تعالى - لما أخرج السلطان الملك الناصر محمد خليل بن بلغدار إلى الشام بسببه، وكان له إليه ميل عظيم:
ومن حيثما غيبت عني ظاهراً
…
وسرت على رغمي وفارقتني قسرا
أقمت ولكني وعيشك آيس
…
من الروح بعد الخل أن تسكن الصدرا
فكم عبرة للعين أجريتها دماً
…
وكم حرق في القلب أذكيتها جمرا
لعل الذي أضحى له الأمر كله
…
على طول ما ألقاه يحدث لي أمرا
وأنشدني من لفظه لنفسه في المذكور، اهتدم قول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
…
وحولي
…
إذخر وجليل
وهل أردن يوماً مناهل جلق
…
ويبدو لعيني شامة وخليل
وقال كمال الدين الأدفوني نقلت من خطه له:
وإذا اعتبرت سني عمرك في الهوى
…
ومرورها في أعصر الخسران
وعلمت أن المرء منها راحل
…
سقراً به للسخط أو رضوان
أيقنت أن الفوز فيها للتقى
…
ولمن يقوم بمحكم القرآن
فاجهد لنفسك يا أخي مخلصاً
…
فلقد نصحتك في جميل بيان
وكتبت له وأنا بالقاهرة منشوراً بإمرة أحد وأربعين رمحاً في أيام السلطان الملك الناصر محمد سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة وهو: " الحمد لله الذي نصر هذا الدين بمحمده، وجعل مفارق العدا من أغماد مهنده، وأطفأ بوبل نبله حر الوغى إذا زاد في توقده وجمع له بين فضل السيف والقلم، فكان هذا الجمع من مزايا تفرده.
نحمده على نعم التي منحت دولتنا القاهرة ولياً تعقد عليه الخناصر، وخصت أيامنا الزاهرة بماجد طابت منه الأصول، كما طابت العناصر، وزانت مواكبنا الوافرة بفارس يصبح النجم عن مداه وهو قاص والبرق قاصر، واعتزت جيوشنا الباهرة منه ببطل من لم يكن له وسمه واسمه " فماله من قوة ولا ناصر ".
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ترغم معاطس الكفر والضلال ونعلي بها كلمة الإيمان بصدور البيض البتر وكعوب السمر الطوال، ونطلع بها في ليل العجاج المظلم أسنة الذوابل تتقد كالذبال، وننال بإخلاصها النصر إذا تبت يد الكافر يوم الفتح في القتال.
ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده ونصر الدين الحنيف بأنواع أعوانه وأجياد جياده وأتعب السيوف في راحته حتى لقي الشرك وألوفه بالتوحيد وآحاده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين دعاهم إلى هداهم فثنوا إليه الأعنة ورأوا أفعاله فرووا عنه السنة وجالدوا عداه، فرووا منهم الأسنة واستبشروا ببيعهم الذي بايعهم بأن لهم الجنة، صلاة تتبلج بها نجوم الظلم، وتتأرج بها نسمات الضال والسلم ما خفقت عذبات علم وثل الإيمان عرش البهتان وثلم، وسلم تسليماً كبيراً إلى يوم الدين.
وبعد: فإن أحق الأولياء بموالاة النعم ومغالاة القيم ومضاعفة الآلاء عليه حتى تخجل الديم، من تزاحم النجوم علياه بالمناكب، ويغدو بدر الجيوش في هالة المواكب، ويمتشق الصوارم بيمناه ويركب من شوق إلى كل راكب، ويعتقل الذوابل فتلج في علو " كأنما تحاول ثأراً عند بعض الكواكب ".
وكان المجلس السامي الأميري وألقابه الناصري ونعوته محمد بن الجناب العالي الأميري البدري محمد بن جنكلي بن البابا الناصري من قوم ندعوهم فيلبون إلى طاعتنا مسرعين، ونرجو لفتاهم كمال المئة، فإنه قد تجاوز حد الأربعين، فهم أبطال تفرق الأسود الغلب من وثباتها وثباتها، وفرسان قوائم خيلهم صوالج تلعب من رؤوس
العدى بكراتها في كراتها، وشجعان ألفوا مقاعد الخيل فكأنهم ولدوا على صهواتها، وأمراء زانوا مواكبنا السعيدة التي لا تخرج الأقمار عن هالاتها، قد احتكم إلى يمينه السيف والقلم، وانطوى على نشر العلم والعلم، ونقص عند أقوامه زيد الخيل، وشاب من شجاعته عامر بن الطفيل، وعجز ابن عساكر عن حفظه، وغرق ابن نقطة في بحر لفظه، فهو من المناضلة إلى المفاصلة، ومن تدبير العوالي إلى تسطير الأمالي، ومن جلاد الفوارس إلى جدال المدارس، ومن ظهور السابقة العراب، إلى بطون الناطقة بالصواب عملاً بقول القائل:
أعز مكان في الدنا سرج سابح
…
وخير جليس في الزمان كتاب
لأنه نجل والده الذي ما رفعنا راية رأيه في أمر ففسد، وفرع أصله الذي نشأ في خدمتنا الشريفة، والشبل في المخبر مثل الأسد، كم لوالده من يوم حرب أذكر الناس بيوم بدر، وكم له من ليلة علا فيها قدره " وما أدراك ما ليلة القدر ".
وقد اقتضت آراؤنا الشريفة تغيير إقطاعه ليقوى حزبه على الحرب وينتقي من يكون أمامه من أبناء الطعن والضرب، وتمرح به كمت الجياد في الأرسان وتشاهد في مقامات حربه مقاتل الفرسان وينظم في صفاته " صحاح " الجوهري إذا نثر من الدماء " قلائد العقيان "، فالفتوح تيسر للدين القيم بالحتوف، والجنة كمال قال صلى الله عليه وسلم تحت ظلال السيوف:
وليس لله بمستنكر
…
أن يجمع العالم في واحد
يفوق الألوف فلذلك خرج الأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري أعلاه الله تعالى وشرفه أن يجرى في إقطاعه.
فلما جهز المنشور إليه كتب هو إلي قرين تشريف جهزه والده رحمهما الله تعالى إلي: " يا مولانا ما هذا منشور إن هذا إلا لؤلؤ منثور، كل سطر منه جنة قد حفت بالثمار، وكل شطر من سطره لو يباع اشتري بألف دينار، تلعب فيه قلم مولانا بالعقول، وأدار بكلامه على الأسماع كأس الشمول، فعلم كل بليغ ما يقول، وتصدق على المملوك بأوصاف استعارها له بيانه، ورصع جواهرها بنانه، وقد وقف عليه محبكم الوالد وقال: بمثل هذا الفضل يحيى الذكر الخالد، وقد سير إليكم شيئاً من تمام الإحسان قبوله، وهو يعتذر بما إذا حضر المملوك يذكره ويقوله، والله تعالى يعلي لمولانا المكانة، ويديم لهذه الدولة الشريفة بيانه بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
وكنت قد كتبت أنا إليه وأنا بالقاهرة في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة:
لي في الجوانح من حزني حرارات
…
كما لبرد اللمى فيها حرارات
وللبوارق إن لاحت أو اعترضت
…
في الضوء من ثغرك الضاحي إشارات
وللغصون إذا ورق الحمام تلت
…
أيات عطفيك في الأسحار سجدات
أشكو ظلام ذؤابات دجت فغدت
…
وما لها غير نور الفرق مشكاة
خيالك البدر في جو السماء إذا
…
نظرت فيها لأن الأفق مرآة
ومن يسق نفسه للوجد فيك ففي
…
لعب الغرام على خديك شامات
يا بدر حسن له دون البرية في
…
أهلة اللثم لا في السحب هالات
دينار خدك واف في الجمال فلم
…
زيدت به من سواد القلب حبات
لولا تجنيك لم يعذب جناك ولا
…
طابت عليك لذات الصب لذات
لم لا سمعت دعاوى الصب فيك على
…
هواك إن دعاويه صحيحات
وأنت يا من أداجيه على شغفي
…
به وهيهات أن تخفى الصبابات
لا تقبلن شهادات الدموع ومن
…
تعديل عطفيه في جفني جراحات
حلبت شطري زماني وارتضيت بها
…
لي وحشة عن أنيس فيه إعنات
فكم مجالس لهو خمرها غزلي
…
وشمعتي فكرة فيها شرارات
وليس لي طرب إلا إذا تليت
…
عن ناصر الدين أخبار وآيات
فتى إذا فكرتي صاغت له مدحاً
…
شنت على الوصف في علياه غارات
وسابق اللفظ في نظمي مدائحه
…
الدر والزهر والزهر المنيرات
حوى الفضائل من سيف ومن قلم
…
فليس عند الورى إلا فضالات
له محاريب حرب كلما ركعت
…
سيوفه سجدت إذ ذاك هامات
فالأرض طرس وغى والخيل أسطره
…
والسمهري ألف واللام لامات
وكم أدار كؤوس الموت حين شد ال
…
حسام وارتقصت للسمر قامات
ليث فرائسه الفرسان يوم وغى
…
وما البراثن إلا المشرفيات
إن أظلم الجو من جون العجاج فمن
…
خرصان ذبله فيه ذبالات
وإن دجا البحث في تحقيق مسألة
…
جلت حنادسه منه الدلالات
وأوضح الحق بالبرهان وازدحمت
…
فيما يرى نصره منه العبارات
وإن أتاك بنقل فالبحور طمت
…
ويعضد الرأي ما تهدي الروايات
وإن تمسك في قول بظاهره
…
تخضع له الشهبات الفلسفيات
نقول إلا إذا ما كان حاضرنا
…
فهو الخطيب ومنا نحن إنصات
وإن أدار على قرطاسه قلماً
…
فباطن الطرس أنهار وجنات
عن كل همز سما في سطره ألفاً
…
فقل غصون بأعلاها حمامات
يكاد من عبارات يسطرها
…
تبدو لها من حمام الهمز رنات
نظم يروق ومعناه يرق لنا
…
فاللفظ كأس له المعنى سلافات
يا شاكي الزمن الجاني استجر كرماً
…
به فللدهر من نعماه ردات
وسوف يغفر للأيام زلتها
…
وتنجلي ظلمات أو ظلامات
فما سمي النبي الهاشمي له
…
بدع إذا انكشفت عنك الغيابات
لقد سما والورى من دون رتبته
…
ولم تزل تفضل الأرض السماوات
خلائق مثل أنفاس الرياض إذا
…
مرت بأزهارها ليلاً نسيمات
وجود كف كأن الفقر قفر فلاً
…
تهمي على عطش منه غمامات
من معشر قد سها طرف السهى لهم
…
عليه من مجدهم ترخى الذؤابات
لا زال في نعم أنفاس لذتها
…
في كل ناد لها بالند نفحات
فكتب هو الجواب إلي عن ذلك:
أوراق نظمك للأبصار روضات
…
فيها لغر المعاني منك زهرات
يا ناظماً نزلت زهر السماء له
…
كانت بروجاً فأضحت وهي أبيات
وفاضلاً لا يفض الله خالقنا
…
له فما منه للدنيا كمالات
ترجلت لك فرسان القريض وولوا منك خوفاً كأن القوم أموات
كل بفضلك أمسى وهو معترف
…
وليس يقوى لعصف الريح نسمات
يروي الأنام حديث الفضل عنك وقد
…
علت لهم منك في ذاك الإجازات
ومن يعاند فيما رحت أذكره
…
عما حويت من العليا فقل هاتوا
وكتبت أنا إليه أهنئه بقدومه من الحجاز في شهر الله المحرم سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة:
قدمت قدوم البدر والليل قد دجا
…
فأشرقت الآفاق من سائر الأرجا
وكانت ربا مصر رياضياً تصوحت
…
فجئت إليها كالغمام إذا ثجا
إذا النوق أعياها المسير فإنها
…
بطيب الثنا والذكر عنك غدت تزجى
أيا من سرى والأنجم الزهر في الدجى
…
ليهدى بها في القفر قد علقت سرجا
وأمسى هلال الأفق كوراً لنجبه
…
وإلا على ظهر الجياد له سرجا
قطعت الفيافي نحو مكة محرما
…
ولم تتخذ إلا التقى والفلا منجا
وجردت من ثوب مخيط ولم تزل
…
برود الندى والبأس تحكمها نسجا
ولبيت لباك الإله لأنه
…
رأى خير من لبى بركبك أو عجا
وطفت ببيت لم تر الباب مرتجاً
…
متى جئته تدعو ولا الركن مرتجا
ترى الحجر المسود أحسن موقعاً
…
بقلبك من خال على وجنة بلجا
فتوسعه لثماً بأبيض واضح
…
إذا قال قلنا السحر من لفظه مجا
وفي عرفات كان عرفك ذائعاً
…
تضوع عرفاً نشره ملأ الفجا
وحلقت حتى لا تكون مقصراً
…
وذلك أنجى في العبادات بل أرجى
وسقت مطايا الهدي تنحر كومها
…
وقد نضجت أكبادها بالسرى نضجا
فبخلت حتى السحب في جود وبلها
…
وزدت إلى أن كدت أن تغرق اللجا
وجئت إلى قبر حوى خير مرسل
…
ومن حبه الذخر المؤمل والملجا
تجادل عنه أو تجالد من غدا
…
يعالج منه المسلمون فتىً علجا
إذا أنت رفعت الرماح مراوداً
…
تشق بها من نقعه مقلةً دعجا
وإن ظمئت يوم الوغى أنفس العدا
…
سللت لها في الروع بيض الظبا خلجا
أيا من غدت أعلامه وعلومه
…
تنير لنا مثل الشهاب إذا أجا
قطعت الورى بحثاً وطفت بمكة
…
فأصبحت في الحالين أفضل من حجا
بقيت مليكاً في الفضائل والعلا
…
متى هاج خطب والتفت له هجا
ولا زلت محروس الجناب من العدا
…
يسل لها غمد الدجا فجره نمجا
وكتب هو إلي من القاهرة بعد خروجي منها إلى صفد في سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد:
يا راحلاً وجميل الصبر يتبعه
…
هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك دموعي وهي دامية
…
ولا وفى لك قلبي وهو يحترق
يا مولانا تذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ما قضى الله لامرئ مؤمن من قضاء إلا وكان الخيرة له فيما قضى من ذلك، إن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له وإن أصابته سراء فشكر كان خيراً له، وليس إلا للمؤمن. وفي الأثر: المؤمن ملقى، وفي حديث سويد الأزدي وقومه حين قدومهم على سيد البشر أنه فسر إيمانهم بخمس عشرة خصلة وعد منها الصبر عند البلاء، والرضا بمواقع القضاء. وبالجملة الحمد والشكر لله أولاً وآخراً، والله معك حيث كنت، والسلام:
أوحشت مصراً فادلهم ربعها
…
شوقاً إلى ذلك المحيا الزاهر
أفضت من فضائلها فضائلاً
…
من بحر علم قد حويت زاخر
نثر إذا نظرته كأنه المنثور لاح وسط روض ناضر
ونظم شعر راق في تأليفه
…
فأخجل العقود في الجواهر
وحسن خط قد جعلت طرسه
…
مدبجاً كالروض بالأزاهر
يا فخر دهر أنت من كتابه
…
تخجل كل ناظم وناشر
وعز ملك كنت في ديوانه
…
تنشئ ما يلعب بالضمائر
إذا ترسلت إلى أعدائه
…
أغنيته عن الحسام الباتر
يا فاضلاً أخنى عليه دهره
…
لا تخضعن لنكبة في الظاهر
فاصبر ولا تقلق لأهوال الردى
…
فإن ثبت نلت أجر الصابر
أرجو لك العود لمصر سرعةً
…
مظفراً كما يظن خاطري
فكتبت أنا الجواب إليه، رحمه اللهتعالى:
يا برق هل ترثي لصب ساهر
…
وهل ترى لكسره من جابر
وهل لما قد نابه من راحم
…
أو لم يكن فهل له من عاذر
أبيت لا أنيس لي إلا الذي
…
يدور من شكواي في ضمائري
أخرجني كالسهم من كنانة
…
حكم زمان في القضاء جائر
وابتزني صبري وما أرى الورى
…
على الذي قد نالني من صابر
فأضلعي تحنى على جمر الفضى
…
وما الشرار غير قلبي الطائر
ومن غدا باطنه مشتعلاً
…
لم يفنه تجلد في الظاهر
ومقلتي تعثرت دموعها
…
لأنها تجري على محاجري
والنوم لا أعرف منه سنة
…
في سنة إلا بحكم النادر
يا دهر قد رميتني بنكبة
…
عدمت فيها قوتي وناصري
القاتل المحل يجود كفه
…
وصاحب الإبداع في المفاخر
كم حدثتني راحتاه عن عطا
…
وكم روى إحسانه عن جابر
يا قاطع البيد إلى أبوابه
…
ظفرت من جدواه بالجواهر
لا تشك في القفر ظماً فكفه
…
أطبقها على الخضم الزاخر
ويا مجاريه لغايات العلا
…
قف واسترح من هذه الخواطر
كم قد جرى البرق على آثاره
…
فلم يفز إلا بجد عاثر
ويا مناوي بأسه إلى الوغى
…
جهلت ما تبغي فلا تخاطر
أما ترى ما حاز من فضائل
…
فاقت على قطر الغمام الماطر
والسيف واليراع في بنانه
…
ما اجتمعا إلا على المآثر
سيادة في بيته مشهورة
…
يعدها في كابر عن كابر
آه على ما فات من نواله
…
وفضله وجبره لخاطري
ولطفه ذاك الذي إذا بدا
…
تعرفه في كل روض زاهر
أبعدني دهري عن أبوابه
…
يا ويح دهر بالفراق ضائري
وربما يسمح لي بعودة
…
فيغفر الأول عند الآخر
وكنت كتبت إليه من الرحبة سنة تسع وعشرين وسبع مئة:
لي حالة بعد الأمير ناصر ال
…
دين لها كل الأنام عاذر
ضنيت بالبعد فما لي قوة
…
وغاب عن عيني فما لي ناصر