الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن شاء الله - والمرسي، واليلداني، وأجز له ابن يعيش النحوي والحافظ الضياء، وإبراهيم بن الخشوعي. وحدث بالكثير.
قال شيخنا الذهبي: كان خيراً أميناً.
توفي - رحمه الله تعالى - في سابع المحرم سنة سبع وعشرين وسبع مئة، وله اثنتان وتسعون سنة.
وكان يعرف مضيه للسماع من ابن قميرة بدرب السوسي، وإنما لم يجزم لأن له أخوين باسمه.
قال شيخنا البرزالي: كان الأخوة الثلاثة يسمعون، ولكن يترجح هذا لأنه الأكبر.
محمد بن أحمد بن محمد
ابن أحمد بن محمود، الصدر الرئيس القاضي عز الدين بن القلانسي العقيلي، ناظر الخزانة بقلعة دمشق، ومحتسب البلد.
سمع من ابن البخاري مشيخته. وحدث، وسمع منه بعض الطلبة.
وكانت له ديانه، وفيه مسكة وصيانه، وعنده للخير محبة وإيثار، وعنه في حسن المباشرات أحاديث مروية وآثار.
وكان كافياً فيما يتولاه من الوظائف، وله على العوام سائق من مهابته وظائف، شكرت سيرته، وظهرت لما ظهرت بالأمانة سريرته، لم يعهد الناس منه إلا عفافاً، ولم يباشر الحسبة إلا ودخل الناس منها جنات ألفافاً.
وما زال إلى أن لبى داعيه، وسمع الناس ناعيه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - بكرة الاثنين تاسع شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة ثلاث وسبعين وست مئة.
وكان شكلاً ضخماً، عليه مهابة ووقار، يتحدث وهو مطرق، ولم يضرب أحداً من السوقية إلا دون العشرة ضرباً خفيفاً، وله في قلوبهم المهابة العظمى، باشر الحسبة مدة سنين، ووصل من مصر إلى دمشق في أوائل صفر مباشراً نظر الخزانة عوضاً عن نجم الدين البصروي بحكم ولايته الوزارة.
ولما شهد جماعة من رؤساء دمشق بأن الصاحب شمس الدين غبريال، إنما عمر أملاكه من بيت المال، لأنه كان فقيراً طلب عز الدين المذكور ليشهد بذلك، فقال. كيف أشهد وهو في كل شهر يصرف له جامكية من بيت المال بمبلغ عشرة آلاف درهم؟ وله هذه المدة الطويلة يتناول ذلك، ومن كان كذلك لا يكون فقيراً، ولم يشهد. فقالوا له: تعزل من وظائفك، فلم يوافق. وعزل من الحسبة، وبقي بيده نظر الخزانة. وأعجب ذلك الأمير سبف الدين تنكز، وأثنى عليه، ولما بلغ السلطان أعجبه دينه، ولم يحل أملاك الصاحب شمس الدين.
محمد بن أحمد بن محمد
القاضي الرئيس الأصيل، بقية الرؤساء، عماد الدين بن الصاحب تاج الدين بن الشيرازي، ناظر الجامع الأموي، ومحتسب دمشق.
كان من الرؤساء بالشام، ومن أولي الحشمة الذين لهم فيها الوجوه الوسام والأيادي الجسام، عريق في الرئاسة، غريق في السيادة والمباشرة والسياسة، يخدم الناس، ويتقرب إلى القلوب بسائر أنواع المكارم والأجناس. يزته فاخره، ووجاهته من شكله ظاهره. بقية أولئك الرؤساء الأول، والأكابر الذين تجملت بهم الأيام والدول، باشر الجامع مرات، وأثر فيه من العمارة ما يجلب للنفس المسرات. وباشر الحسبة مرات عده، فما رأى الناس إلا كل خير أعده واستجده.
ولم يزل على حاله متنقلاً فيما يتولاه، ويباشر أمره، فيملؤه ما جلاه وحلاه، إلى أن دارت عليه طاحون الطاعون، وراح مع أولئك القوم الذين هم إلى الساعة ساعون.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في شعبان سنة تسع وأربعين وسبع مئة في طاعون دمشق.
وكان قد تولى نظر الجامع الأموي بعد تقي الدين بن مراجل في سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأول. وفي هذا اليوم دخلت أنا في ديوان الإنشاء بدمشق. وأقام فيه مدة سنين. ثم إنه نقل إلى نظر الحسبة، وأقام بها مدة. ثم إنه جاء المرسوم في أيام الصالح بعزله، فأقام في المدرسة الطرخانية جوار داره تقدير شهرين، ووزن بعض شيء، ثم أعيد إلى الحسبة.
وكتبت أنا له عدة تواقيع منها ما هو بنظر الحسبة، ومنها ما هو بنظر الجامع
الأموي، فمن ذلك توقيع كتبت له بالحسبة مضافاً إلى نظر الجامع الأموي في جمادى الأولى سنة ست وأربعين وسبع مئة ارتجالاً من رأس القلم، وهو: الحمد لله الذي جعل ولي هذه الدولة القاهرة عماداً، وملكه من الرئاسة التي امتاز بها من غيره قياداً، وثنى الجوزاء تحت يده لما ساد وساداً، وبلغ همته العلية من المفاخر السامية مراماً ومراداً.
نحمده على نعمه التي حسنت مواقعها عند من ألفها معاجاً ومعاداً، ومنته التي فاقت جواهرها ازدواجاً وازدياداً، وعوارفه التي تجد النفوس لعرفها ارتياحاً وارتياداً، وأياديه التي تتخير الاقتراح محاسنها انتقاءً وانتقاداً.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزعم معاطس من أنكرها عناداً، وتخجل من تلفظ بها تقية وأضمر الباطل اعتقاداً، وتدحص حجج من أصر على البهتان، وتمالا ضلالاً وتمادى، وتنير وجوه قائلها بياضاً يوم تدلهم وجوه جاحديها سواداً.
ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي ارتقى شبعاً شدادا، وأبلى في أعداء الدين القيم لله جهادا، وجلى غياهب العجاج والأسنة تحكي النجوم اتقادا، وحمى سرح الحق فما ضره من عاد إلى الباطل وكاد وعادى.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تسابقوا في حلبة الهدى جياداً، واتحدوا في سبيل الله محبة وودادا، وتقلدوا لنصر دينه بيضاً صفاحا، واعتقلوا سمراً صعادا،
ونظمت جواهر معاليهم على جيد الزمان تؤاماً وفرادى صلاةً لا يمل طرف السهى من مراقبتها سهادا، ولا يعرف الأبد لأمدها ولا مددها نفادا، ما نزعت يد الصباح عن منكب الظلماء حدادا، ونفت نسمات الصبا عن عيون الأزهار رقادا، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وبعد: فإن نظر الحسبة الشريفة بالشام المحروس منصب جليل القدر، ومحل سامي الأفق، لا يطلع في أوجه إلا من تم تمام البدر، ومكان لا يستكن في ذراه إلا من رفض عش الغش، ولم يخض في غدير الغدر، من ولي أمره غدقت به الأمور، وعلقت به مصالح الجمهور، وساس الرعية سياسةً محبتها في القلوب ومحلتها في الصدور، لأنه ينظر فيما دق وجل، وكثر وقل، وانحصر بمقدار، وضبط بمثقال ورطل وقنطار، وكل ما ابتلعته فم كيل وامتد له باع ذراع، أو تحدث فيه لسان ميزان مما يجلب من تحف البلاد ونفائس البقاع، وكل ما يعمل من أنواع المعايش، وكل ما أمره محرر أو سهم تقديره طائش، وله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحديث فيما شأنه أن يشكى أو يشكر، فهو الآمر في كل ذلك أجمع، وشآبيب تأديبه تهمع، وبروق تهديده تلمع.
وكان الجناب الكريم العالي المولوي القضائي العمادي محمد بن الشيرازي ممن قتل هذا المنصب خبرا، وقلبيته معرفته بطناً وظهرا، باشره مدة أمدها الله بالمحاسن الباهره، وجعل رياضها بالعدل زاهره، وأتى بيوت الرئاسة من أبوبها، وجنى ثمر السعادة من حدائق الإقبال متشابها، وجاذبته السيادة أهداب هدابها، ومدت له المعالي من المجرة طويل أطنابها، وذرب هذه الوظيفة فعرفها جيداً، كما أن أهل مكة أخبر
بشعابها، وتشوقت عوده إليها تشوق الروض إذا ذوى إلى صوب الغمام، وتشوقت إلى رجوعه تشوق المشتاق إلى نوح الحمام.
فلذلك رسم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الكاملي السيفي - أعلاه الله تعالى - أن يفوض إليه نظر الحسبة الشريفة بالشام المحروس، لأنه أفضل من سكته التجارب ذهبا، وأولى من دربته المعارف، فأظهرته حساماً ماضي الشبا.
فليباشر ما فوض إليه مباشرةً ألفها الناس من سياسته، وعرفها الأنام من حميد رئاسته، وعهدها الرعية لما أنامهم الأمن في مهد حراسته، وشهدها البرية من جميل أصله ونفاسته، لأن آثار اعتماده في الجامع المعمور للعيون مشاهدة، وحسنات صنيعه في صحائف الأيام والليالي خالده، ومحاسن ما زخرفه في جدرانه على كل عامود حالة وعلى كل قاعدة قاعده. هذا إلى ما أنماه من أجوره، وأسماه من إدرار ما عليه من الرواتب، حتى شارك بها الواقف في أجوره، وأتعب من يأتي بعده حتى يسد مسده، أو يلبث مدة ما يمد قلمه من الدواة مدة.
ووصايا هذه الحسبة الشريفة كثيرة إلى الغاية، عزيزة لا يقف القلم في سردها عند نهاية، شهيرة عند معارفه التي أصبح فيها آية، ولكن القلم يطرق عند مثله لائذاً بالصمت، ويجف ريق المداد في لهوات الدواة هيبةً لما يراه فيه من عظمة الوقار وحسن السمت. فاجر فيها على عادتك الحسنى، وأول الناس فيها أمناً ومنا، واستعمل البأس في موضعه الذي يليق به وضعا، والرفق ولكن عز مكانه، فإن الغدر والخيانة يكونان في أكثر الناس طبعا، وأمر نوابك - أعزك الله - أن يحذروا في العفة والأمانة حذوك، وأن يتلوا في حسن السياسة تلوك، وأن يصبروا على مر طريقك في