الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حضور طشتمر من بلاد الروم، ولم يزل في الليل والنهار يعمل على ذلك إلى أن حضر، ووصل إلى دمشق، فخرج وتلقاه، وأنزله بالنجيبية على الميدان، وحمل إليه مالاً عظيماً.
ووردت كتب الملك الناصر أحمد إلى الأمراء الكبار بالشام تتضمن أن الأمير سيف الدين
قطلوبغا
الفخري هو كافل الشام يولي النيابات الكبار لمن يختار، فوجه الأمير علاء الدين طيبغا حاجي إلى حلب نائباً، ووجه الأمير حسام الدين طرنطاي البشمقدار إلى حمص نائباً، ووجه الأمير سيف الدين طينال إلى طرابلس نائباً، وشرع في عمل آلات السلطنة وشعار الملك، ويسأل من الناصر أحمد الحضور وهو يسوف به وبالأمير سيف الدين طشتمر إلى أن عزم الفخري وطشتمر على التوجه إليه بالعساكر إلى القاهرة، فلما قاربا القاهرة بعث إلى الفخري وإلى طشتمر من يتلقاهما، وأكرم نزلهما، واستتب الأمر للناصر أحمد، وحلف المصريون والشاميون له، وكان يوم البيعة الفخري واقفاً مشدود الوسط، وبيده عصاً محتفلاً بذلك الأمر احتفالاً كبيراً.
وخرج الأمير سيف الدين آقسنقر الناصري إلى غزة نائباً، وخرج الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي إلى صفد نائباً، وخرج الأمير سيف الدين الملك إلى حماة نائباً، وخرج الأمير علاء الدين أيدغمش أمير آخور إلى حلب نائباً، وخرج الفخري بعد الجميع إلى دمشق نائباً، فلما كان قريباً من العريش لحقه الأمير علاء الدين ألطنبغا المادراني في ألفي فارس لإمساكه والقبض عليه، فأحس بذلك، ففرق
ما معه من الأموال وهرب في نفر قليل من مماليكه، ولحق بالأمير علاء الدين أيدغمش وهو على عين جالوت، واستجار به. فأكرم نزله أول قدومه، ثم بدا له فيما بعد، فأمسكه وقيده وجهزه مع ولده أمير علي إلى القاهرة، فلما بلغ الناصر أحمد إمساكه خرج إلى الكرك، وأخذ معه طشتمر - وكان قد أمسكه أولاً على ما تقدم في ترجمته - وسير إلى أمير علي من تسلم الفخري منه، وسار به إلى الكرك، ودخل الناصر أحمد الكرك، واعتقل الفخري وطشتمر بالكرك مدة يسيرة، فيقال: إنهما في ليلة كسرا باب حبسهما وخرجا، ولو كان معهما سيف أو سلاح ملكا قلعة الكرك تلك الليلة، وكان الناصر أحمد في تلك الليلة قد بات خارج القلعة، ولما أصبح أحضرهما وقتلهما صبراً قدامه.
يحكى أن طشتمر خار من القتل وضعف وانحنى، وأما الفخري فلم يهب الموت، وقال للموكلين بهما: والكم قدموني قبل أخي هذا، فإن هذا ماله ذنب، لعله يحصل له بعدي شفاعة. وكان قتلهما في التاريخ المذكور.
وكان الفخري شجاعاً مقداماً أريباً داهيةً حليماً جواداً أمياً لا يحسن يكتب شيئاً، وإنما يكتب على التواقيع وعلى الكتب دواداره طغاي.
قال لي القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله: ما رأيت أكرم منه، لا يستكثر على أحد شيئاً يطلبه. انتهى.
قلت: ولما جاء ونزل في القصر الأبلق بعد هروب ألطنبغا كتب كتباً على لسانه
إلى الأمراء المصريين، ورمى بينهم، فاختلفوا على قوصون وأمسكوه، هذا وهم في قصر دمشق فعل هذه الفعلة، فكنت أعجب من دهائه مع غتميته وأميته وما دبره وما اعتمده حتى خبط الشام ومصر. على أنه لما أدبرت سعادته كان حتفه فيما دبره:
إن المقادير إذا أبرمت
…
ألحقت الحازم بالعاجز
ولقد أقول إذا فكرت فيه:
أضاعوه وأي فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد ثغر
وقلت أنا فيه لما قتل رحمه الله، تعالى -:
سمت همة الفخري حتى ترفعت
…
على هامة الجوزاء والنسر بالنصر
وكان به للملك فخر فخانه ال
…
زمان فأضحى ملك مصر بلا فخر
ولما كان بعد واقعته جلسنا يوماً بحماة في خدمة القاضي شهاب الدين بن فضل الله، فأخذ في نظم شيء من المجون مع شخص ينبسط معه، ونظم هو وغيره أشياء ما بين هجو وما بين مجون، وألزمني، فاستعفيت، فقال: لا بد، وأقسم علي، فقلت:
هل لك في أير غدا رأسه
…
تعجب منه قبة النسر
لو أنه في جيش ألطنبغا
…
خري له قطلوبغا الفخري
فأعجباه وزهزه لهما كثيراً، وقال: ما بقي بعد هذا شيء، وترك ما كان فيه.
قطلوبغا
الأمير سيف الدين الناصري المعروف بالمغربي.