الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونظم أبو الحسين الجزار أرجوزة سماها: " العقود الدرية في الأمراء المصرية "، ذكر فيها من حكم في مصر من أول الإسلام إلى آخر أيام السعيد بن الظاهر، ثم كمل على ذلك فيما أظن الشيخ علاء الدين بن غانم إلى آخر أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون في الدولة الثانية، ثم كمل عليها القاضي شهاب الدين بن فضل الله إلى آخر أيام الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد، ثم إنني أنا كملت عليها إلى آخر وقت، وهي جميعها في الجزء الرابع من " التذكرة " التي لي.
محمد بن عبد الله بن أحمد
القاضي شرف الدين بن الصاحب فتح الدين القيسراني المخزومي.
روى " جزء ابن عرفة " عن ابن عبد الدائم، وسمع من الفقيه اليونيني، وإبراهيم بن خليل، وجماعة.
ولد بحلب سنة ثمان وأربعين وست مئة.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في يوم الجمعة مستهل شعبان سنة سبع وسبع مئة.
وكان من بيت حشمة وصداره، وكتابة ووجاهة وعباره، وسيادة تسفل عن مراقي مراتبهم النجوم السياره. جملوا الممالك وصانوها، وزادوا الدول بهجة بألفاظهم وزانوها.
وكان القاضي شرف الدين هذا إذا كتب أخذ أرض الطرس ظخرفها وازينت.
وعدت من الخيرات اليمانية وتعينت. نظم كأنه القلائد، ونظم يشبه الدر على لبات الخرائد، كله منتخب، وكله وجه غانية كأنه بالحسن البارع قد انتقب:
كأن طروسه روض نضير
…
وأزهار المعاني فيه غضه
فكم نال الأديب بها غناه
…
لأن كلامه ذهب وفضه
وكان متين الديانة، متوشحاً بالصيانه، معروفاً بالعفة والأمانه، وكان يلازم تلاوة القرآن، لا يخل بذلك في ولا أوان. يقرأ القصص، وإذا فرغ منها عاد إلى التلاوة على الراتب. وإذا مر بآية سجدة دار إلى القبلة وسجد وظهره إلى النائب. وتبرم منه النائب وشكاه، وذكر للسلطان وغيره وحكاه، فما رجع عن عادته، ولا ترك ذلك من سعادته.
ولم يزل على حاله إلى أن سكن نبضه وبطل من بيت المال قبضه.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في التاريخ المذكور.
أخبرني شيخنا الحافظ أبو الفتح بن سيد الناس قال: كان القاضي شرف الدين قد توجه صحبة السلطان إلى غزوة، فرأيته في المنام كأنه منصرف عن الواقعة، وقد نصر الله المسلمين فيها على التتار، فأخبرني بما فتح الله به، فنظمت في المنام بيتين، واستيقظت ذاكراً للأول منهما وهو:
الحمد لله جاء النصر والظفر
…
واستبشر النيران: الشمس والقمر
فكتبت إليه أعلمه بذلك، فكتب إلي الجواب عن ذلك:
أيا فاضلاً تلهي معاني صفاته
…
فكل بليغ فاضل من رواته
ومن يستبين الفهم من لحظاته
…
له أمر بالرشد في يقظاته
وفي النوم يهديه لخير الطرائق
ومن قربه غايات كل فضيلة
…
وأشطره تزهى بزهر خميلة
وجملته في الناس أي جميلة
…
فإن قام لم يدأب لغير فضيلة
وإن نام لم يدأب لغير الحقائق
يقبل اليد العالية الفتحية فتح الله أبواب الجنة بها ولها، وأسعد خاطره الذي ما اشتغل عن الصواب ولا لها، ومشتهى خلقه الذي لا أعرف لحسنه مشبهاً، تقبيل مشتاق إلى روايته ورؤيته، ونتائج بديهته ورويته، كتعطش إلى روائه وإروائه والتيمن بعالي آرائه، والتحلي به في هذه السفرة المسفرة بمشيئة الله تعالى عن الفلاح والنجاح، والغزوة التي لها الملائكة الكرام النجدة، والرايات النبوية السلاح، والحركة التي أخلص المسلمون لله تعالى رواحهم، وغدوهم، وتعلقت آمالهم بأنه سبحانه وتعالى يهلك عدوهم، فإنهم قد بغوا والبغي وخيم المصرع، وابتغوا الفتنة والفتنة لمثيرها تصرع. وقد تكفل الله تعالى بالملة المحمدية أن يديل دولتها، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لا يسلط على هذه الأمة من يستبيح بيضتها، فلهذا ما أمضينا في السهر ليلا، ولا أنضينا في السفر خيلا، ولا رجونا إلا أن " نحمد السرى عن الصباح "، وكدنا أن " نطير إلى الهيجاء زرافات ووحداناً " بغير جناح ولا جناح. وسمحنا بنفوس نفائس في طلب الجنة والسماح رباح، وينهي أن المشرف العالي ورد إليه فتنسم