الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وسبع مئة.
ومولده في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وست مئة.
محمد بن أحمد بن عيسى
ابن رضوان القليوبي المحتد، القاضي الفاضل الأديب فتح الدين.
اشتغل بالفقه على مذهب الشافعي على أبيه وعلى غيره، وتأدب. له الشعر الجيد، والنظم الذي به السمع متقيد، يلهي الندامى عن الأوتار، ويغنيهم عن معاطاة كؤوس العقار.
وكانت فطرته ذكيه، ونفسه فيها بقايا من لوذعيه، واسع الكرم والجود، لا يبقي على موجود، كثير التبذير، غزير التنديب والتنذير، واسع الخيال، زائد التوهم والاحتيال، إلا أنه تعب بخياله، وحصل له أنكاد منعته من طيف خياله.
ولم يزل بذلك في نكد، وما يهب نسيم سعوده، حتى يراه وقد ركد.
ولم يزل على حاله إلى أن انقلب القيلوبي في حفرته، وأورث أصحابه دوام حسرته.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في ليلة ثالث عشر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبع مئة.
ومولده في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وست مئة.
حضر هذا فتح الدين إلى صفد قاضي القضاة، بعدما عزل عنها القاضي شرف الدين محمد النهاوندي، وأقام بها قليلاً، وعاد إلى الديار المصرية. وكان كثير التخيل والتوهم، فتوهم شيئاً في قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، فحصلت الوحشة بينهما، فأعرض عنه بعد الإقبال عليه، وجفاه، وأعده، وألجأته الضرورة والحاجة إلى قيام الصورة، حتى ناب القاضي عز الدين عبد العزيز بن أحمد الأشمومي بمدينة المحلة. ثم إنه حصلت بينهما نفرة من خياله، فعاد إلى القاهرة، وأقام بها مدة لطيفة، وتوفي - رحمه الله تعالى - في التاريخ المذكور.
وله نوادر طريفة، منها: قال كمال الدين الأدفوي - رحمه الله تعالى -: حكى لي فتح الدين قال: كنت أجلس دائماً فوق الصدر سليمان المالكي، فجاء مرةً لمجلس قاضي القضاة ابن مخلوف المالكي، فجلس فوقي، فقلت لقاضي القضاة: قال ابن شاس: إن مالكاً رضي الله عنه كره طول اللحية جداً، - قوله " جداً " وصف للكراهة أو للحية - وكان الصدر طويل اللحية، فقام من المجلس. وقلت له مرة: من أي بلد أنت؟ فقال: من شبرا مريق، فقلت له: بلدة مليحة هي! فقال: ما فيها أكثر من الشعير، فقلت له: لأجل ذلك أخذت في وجهك مخلاة.
وطلبوه مرة ليرسلوه إلى العراق، فجلس معي، يشكو إلي، فقلت: يا صدر الدين! ما أوقعك في هذه الحرية إلا هذه الذقن، فتوجه الصدر رسولاً، ثم حضر، فقال له فتح الدين: أي شيء غنمت في هذه السفرة؟ قال: كبرت لحيتي، قال: هذه الغنيمة الباردة.
وجمع فتح الدين من هذه الأشياء كراسة، وسماها " نتف الفضيلة في اللحية الطويلة ".
قلت: لو قال: " نتف الفضيلة في نتف اللحية الطويلة "؛ لكان ذلك حسناً، وقد ذكرت هنا ما اتفق للشيخ تاج الدين الكندي والحافظ ابن دحية، وكان الشيخ تاج الدين جالساً إلى جانب الوزير - أظنه ابن شكر -، فجاء ابن دحية، فجلس من الجانب الآخر، فأورد ابن دحية حديث الشفاعة، فلما وصل إلى قول إبراهيم عليه السلام:" إنما كنت خليلاً من وراء وراء "، وفتح ابن دحية الهمزتين؛ فقال الكندي: وراء وراء بضم الهمزتين، فعز ذلك على ابن دحية، وقال للوزير: من ذا الشيخ؟! فقال: هذا الشيخ تاج الدين الكندي، فتسمح ابن دحية في حقه بكلمات، فلم يسمع الكندي إلا قوله: هو من كلب قبيح. وصنف ابن دحية في ذلك مصنفاً، وسماه " الصارم الهندي في الرد على الكندي "، وبلغ ذلك تاج الدين الكندي، فعمل مصنفاً، وسماه " نتف اللحية من ابن دحية ".
قلت: قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: رأيت في " أمالي " أحمد بن يحيى ثعلب جواز الأمرين. انتهى.
قلت: قال الأخفش: يقال من وراء، فترفعه على الغاية، إذا كان غير مضاف تجعله اسماً وهو غير متمكن. كقولك: من قبل ومن بعد، وأنشد:
إذا أنا لم أؤمن عليك ولم يكن
…
لقاؤك إلا من وراء وراء
هكذا أثبته بالرفع.
رجع ما انقطع من بقية ترجمة القاضي فتح الدين القليوبي: وقال له يوماً فخر الدين الأحدب المعروف بابن القابلة: كان والدي يدعو الله تعالى أن يرزقه ولداً نجيباً، فقال فتح الدين: لا جرم أنك جئت بختياً، قال فتح الدين: كان بيني وبين الجلال الهوريني صحبة ورفقة، فولي قضاء منية بني خصيب، فأهدى إلى بسراً، فوجدت نواه كثيراً، فكتبت إليه:
أرسلت لي بسراً حقيقته نوى
…
عار فليس لجسمه جلباب
ولئن تباعدت الجسوم فودنا
…
باق، ونحن على النوى أحباب
قلت: سبقه إلى هذا التضمين سراج الدين الوراق - رحمه الله تعالى -، ونقلته من خطه، قال: أهدى إلي الرشيد الماوردي قدور تمر كربس، فكتبت إليه من أبيات:
يا من غدا لي واضعاً بقدوره
…
قدراً له فوق السماء قباب
جاءت بأنواع النوى، فمجلبب
…
أدماً، وعار ماله جلباب
وعلى النقير لتمرها أثر عفى
…
فهدى إليه الحائرين ذباب
أرجيع ما لاك الحجاز بعثته
…
والرزق سد فما لديه باب
أم خلت زجاجاً أخاك ومصر من
…
شؤم النوى قفر الرحاب يباب
وإذا تباعدت الجسوم فودنا
…
باق، ونحن على النوى أحباب
وأنشدني شيخنا العلامة أبو حيان، قال: أنشدني فتح الدين المذكور لنفسه:
تظافر الموت والغلاء
…
هذا لعمري هو البلاء
والناس في غفلة وجهل
…
لو فطن الناس ما أساؤوا
وأنشدني أيضاً، قال: أنشدني لنفسه:
إني لأؤثر أن أرا
…
ك، ولست أوثر أن تراني
علماً بأني في السما
…
ع أجل مني في العيان
قلت: من قول الأول:
أنا المعيدي، فاس
…
مع بي، ولا تراني
والأصل في هذا المثل المشهور: " يسمع بالمعيدي خير من أن تراه ".
وأنشدني الشيخ أثير الدين، قال: أنشدني لنفسه:
علقته محدثاً
…
شرد من عيني الوسن
حديثه ووجهه
…
كلاهما عندي حسن
قلت: ذكرت هنا ما قلته أنا في محدث:
محدث ذو قوام
…
قوامه في العوالي
وطرفه ليس يغرى
…
إلا بجرح الرجال
وقلت فيه أيضاً:
قال حبيبي لا تحدث بأو
…
صافي من لا عنده معرفه
فإنه لين قدي وإن
…
حدثته عن ناظري ضعفه
وأنشدني الشيخ أثير الدين، قال: أنشدني في فتح الدين لنفسه:
يا أيها المولى الوزير الذي
…
إفضاله أوجب تفضيله
أحسنت إجمالاً ولم ترض بال
…
إجمال إذ أرسلت تفصيله
قلت: وذكرت أنا هنا قولي:
وقف القضيب لما مشى
…
وجرت دموع العين في تحصيله
رشأ كساه الحسن منه حلةً
…
جاءت بجملتها على تفصيله
قلت: ولفتح الدين المذكور موشحة مليحة أولها:
قد حدثت ألسن التجارب
…
بكل ما فيه معتبر
وأنت يا حاضراً كغائب
…
فلست تصغي إلى الخبر
تعايش الناس منذ كانوا
…
بالمكر والحقد والحسد
وخلفوا ذكرهم وبانوا
…
لم يصلحوا منه ما فسد
إلا القليل الذين دانوا
…
بالحق في المسلك الأسد
والكل للترب في سباسب
…
قد أودعوا ضيق الحفر
قد عوملوا بالذي يناسب
…
من كل خير وكل شر
وقد ذكرتها كاملة في الجزء السابع والثلاثين من " التذكرة " التي لي، وهي موشحة جيدة صنعة.