الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان فاضلاً، من أعيان الفقهاء، وله مشاركة في القراءات والحديث والأصول والنحو، سمع من أصحاب الخشوعي وابن طبرزد، وحصل النسخ، وقرأ وحدث وتزهد مدة.
أقام بصفد في أواخر عمره إلى أن مات بها - رحمه الله تعالى - في مستهل جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبع مئة.
محمد بن عبد اللطيف بن يحيى
ابن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن تميم بن حامد، أقضى القضاة تقي الدين أبو الفتح بن أبي البركات بن أبي زكريا الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي.
أجاز له لما ولد جماعة من المسندين منهم الحافظ شرف الدين الدمياطي، وفي تلك السنة توفي.
وأحضره أبوه علي أبي العباس أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي، وأبي الحسن علي بن محمد بن هارون الثعلبي، وأبي المحاسن يوسف بن المظفر بن كوركيك الكحال، وأبي الحسن علي بن عيسى بن سليمان بن القيم، وغيرهم.
وأجاز له في سنة سبع وسبع مئة خلق من أعيان المشايخ بالديار المصرية والشامية يطول ذكرهم. ثم سمع بنفسه من خلق بالقاهرة ومصر وأعمالها ومكة والمدينة ودمشق
بقراءته وقراءة غيره كأبي علي الحسن بن عيسى بن خليل الهكاري وأبي الحسن علي بن عمر بن أبي بكر الواني وأبي الهدى أحمد بن محمد بن علي بن شجاع العباسي، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ومحمد بن عبد الحميد بن محمد الهمذاني، وعبد الله بن علي بن عمر بن شبل الحميري، ويوسف بن عمر بن حسين الختني، وأحمد بن أبي طالب الصالحي، ويحيى بن يوسف المقدسي، ومحيي الدين بن فضل الله، وعلي بن إسماعيل المخزومي، ومحمد بن عبد المنعم الصواف، وأبي بكر بن يوسف بن عبد العظيم المصري، وخلائق يطول ذكرهم. وسمع العالي والنازل، وكتب بنفسه وخرج وانتقى وحصل.
وقرأ القرآن بالسبع في ختمات على شيخنا العلامة أبي حيان، وأجاز له بإقرائه حيث شاء متى شاء، وكتب له خطه بذلك.
وقرأ الفقه على مذهب الشافعي، وغيره من العلوم على شيخنا العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وقرأ الفقه أيضاً على جدهيحيى بن علي وعلى الشيخ قطب الدين السنباطي. وقرأ الفقه أيضاً على ذي الفنون أبي علي الحسين بن علي الأسواني، ولازمه مدة طويلة، واشتغل بأصول الفقه على جده يحيى.
وقرأ النحو على شيخنا العلامة أثير الدين، لازمه نحواً من سبعة عشر عاماً، وشرح عليه " تقريب المقرب " تصنيفه، وكتاب " التسهيل " لابن مالك، وأجازه بإقرائهما، وسمع عليه كثيراً من " شرحه للتسهيل "، وكثيراً من " كتاب سيبويه "
سماعاً وشرحاً، وسمع عليه كثيراً من شعره بقراءتي أنا، وسمع عليه من شعر غيره، وكثيراً من المرويات الأدبية. وسمع عليه " مقامات " الحريري بقراءتي أنا، وقرأ كتاب " لباب الأربعين " وكثيراً من علم الخلاف على شيخنا العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي. وقرأ كتاب " مطالع الأنوار " مرتين على الشيخ تاج الدين التبريزي، وسمع عنده كثيراً من الكتب المنطقية والخلافية والأصولية. وجالس في الأدب شيخنا العلامة ناصر الدين شافع بن علي وسمع عليه من شعره وتصانيفه، ومدحه بأبيات منها:
رأت العدا عباس جدك طاهراً
…
فأتوا إلى عليا نداك بشافع
كان هذا أقضى القضاة تقي الدين من أصح الناس ذهناً وأذكاهم فطرة كما سفر البدر وهناً.
شارك في فنون، وعارك في عدة علوم خاض منها في شجون، عمل في القراءات عملاً بخل الزمان به على السخاوي، وكسر له ابن جبارة فما يقاومه ولا يقاوي.
وجد في سماع الحديث، وقرأ بنفسه، فما عند السلفي منه نقده، ولا ابن عساكر لو لاقاه لولى فراراً وهو وحده.
واشتغل بالفقه فلو أن الماوردي في زمانه ما تسمى أقضى القضاه، أو رآه الروياني نشف بحره في فضاه.
ودأب في الأصول فما للآمدي في مداه خطوه، ولا لابن خطيب الري ري إذا رقا من المنبر على ذروه.
وأكب على العربية حتى أطار ابن عصفور عن هذا الفن، وغدا الزجاجي يكسر قواريره على ضنه بما ظن. وحضر مآدب الأدب حتى افتقر صاحب الذخيرة وجعل صاحب " القلائد " مع الحصيري على حصيره. وكتب فروض المهارق، وأخمل بخطه الخمائل، وقد أحدقت بها زهر الحدائق. ونظم الشعر الذي ترقرق وانسجم. ولام الناس صاحب " لامية العرب " و" لامية العجم ":
لفظ كأن معاني السكر تسكنه
…
فمن تحفظ بيتاً منه لم يفق
إذا ترنم شاد لليراع به
…
لاقى المنايا بلا خوف ولا حرق
وأما الدين فإنه تمسك منه بالحبل المتين، وأما الورع فكان معلقاً منه في الوتين، له في ذلك عجائب، وأخبار تحملها الصبا والجنائب، قدم على شيخنا العلامة شيخ الإسلام وهو مقيم بالشام وعاد إلى القاهرة ثم زاره ثانياً فأمسكه إمساك غريم ألد، وألزمه بنيابته فسلك فيها الطريق الأسد بالأمر الأشد.
ولم يكن يزل على حاله إلى أن جر أبو الفتح إلى لحده، وطوت شقة الأيام منه نسيج وحده.
وتوفي - رحمه الله تعالى - ليلة السبت ثاني عشر ذي القعدة سنة أربع وأربعين وسبع مئة.
وكان قد نزل بالمدارس بالقاهرة وتولى الإعادة للفقهاء بالمشهد الحسيني والمدرسة السيفية في حدود سنة عشرين وسبع مئة. ودرس بالمدرسة السيفية المذكورة سنة أربع وعشرين وسبع مئة نيابة عن جده أبي زكريا يحيى، واستقر التدريس بها باسمه،
ولم يزل بها مدرساً مع ما أضيف إليه من الوظائف إلى أن باشر التصدير بالجامع الطولوني وغيره لما توجه شيخنا العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي إلى الشام وولي القضاء بالمقسم ظاهر القاهرة.
ثم إنه ورد الشام وتولى تدريس المدرسة الركنية الجوانية وخلافة الحكم العزيز بالشام والتصدير بالجامع الأموي.
وكان - رحمه الله تعالى - شديد الورع متحرزاً في دينه محتاطاً لنفسه، درس بالركنية فحكى لي بعض الفقهاء أنه كان لا يتناول منها ما فيها من الجراية ويقول: تركي لهذا في مقابلة أني ما يتهيأ لي فيها الصلوات الخمس. وكان سديد الأحكام بصيراً بمواقع الصواب فيها.
وكتب إلى شيخنا العلامة أبي حيان مع خشكنانج جهزه إليه بعد عيد الفطر:
أهنيك بالعيد الذي حل عندنا
…
خلعت عليه من علاك جلال
وحاولت تعجيل البشارة والهنا
…
فأرسلت من قبل الهلال هلال
ومن شعره - رحمه الله تعالى -:
والله لم أذهب لبحر سلوةً
…
لكم ولا تفريج قلب موجع
لكنه لما تأخر مدةً
…
أحببت تعجيل الوفاء بأدمعي
ومنه:
منذ بعدتم فسروري بعيد
…
وبعدكم لم أتمتع بسعيد
وكيف يهوى العيد أو نزهة
…
شهيد وجد ودموع تزيد
فالبحر من تيار دمعي له
…
يبكي به والعيد عيد الشهيد
وكنت قد كتبت إليه في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وسبع مئة:
تقي الدين يا أقضى البرايا
…
ويا رب النهى والألمعية
ويا من راح أثنيتي عليه
…
تضوع كمسك فطرته الذكية
أهز إلي منك بجذع علم
…
فوائده تساقط لي جنية
لأنك لا تسامى في علوم
…
نزلت بها منازلك العلية
ونظمك نظم مصري طباعاً
…
حلاوته لذلك قاهرية
ودأبك فتح باب النصر حقاً
…
وغيرك شغله بالباطلية
أفدنا إننا فقراء فهم
…
لما تملي فضائلك الغنية
تقرر أن فعالاً فعولاً
…
مبالغتان في اسم الفاعلية
فكيف تقول فيما صح منه
…
وما الله بظلام البرية
أيعطي القول إن فكرت فيه
…
سوى نفي المبالغة القوية
وكيف إذا توضأنا بماء
…
طهور وهو رأي الشافعية
أزلنا الوصف عنه بفرد فعل
…
وذاك خلاف رأي المالكية
فأوضح ما ادلهم علي حتى
…
تغادرني على بيضا نقية
فإن يدنو ظلام الشك مني
…
فإنك ذو قناديل مضية
ودم للمشكلات تميط عنها
…
أذى فهم لأذهان مدية
فكتب الجواب إلي عن ذلك، وأجاد:
جلوت علي ألفاظاً جلية
…
وسقت إلي أبكاراً سنية
ونظمت الجواهر في عقود
…
فأزرت بالعقود الجوهرية
وأبدعت المسير من نظام
…
فما لمسير عندي مزية
لآل مثل بدر التم نوراً
…
ولكن في النهار لنا مضية
حلاوتها تخالط كل قلب
…
ومن حشو وحوشي نقية
أتت من حافظ الآداب طراً
…
وقلبي مغرم بالحافظية
وتعزى للخليل فما فؤادي
…
يميل هوى لغير السكرية
فهمت بما فهمت من المعاني
…
ولم أظفر بنكتتها الخفية
لأن العجز مني غير خاف
…
ومالي في العلوم يد قوية
تأفف صاغة الآداب مني
…
ومالي للإجابة صالحية
ومن جاء الحروب بلا سلاح
…
كمن عقد الصلاة بغير نية
فخذ ما قد ظفرت به جواباً
…
فما أنا قدر فطرتك الذكية
فظلام كبزاز وأيضاً
…
فقد يأتي بمعنى الظالمية
وقد ينفى القليل لعلة في
…
فوائده بنفي الأكثرية
وقد ينحى به التكثير قصداً
…
لكثرة من يضام من البرية
وأما قوله ماء طهور
…
ونصرته لقول المالكية
فجاء على مبالغة فعول
…
وشاع مجيئه للفاعلية
وقد ينوى به التكثير قصداً
…
لكثرة من يروم الطاهرية
وأيضاً فهو يغسل كل جزء
…
ولاء وهو رأي الشافعية
فخذها من محب ذي دعاء
…
أتى منه الروي بلا روية
له فيكم موالاة حلت إذ
…
أصول الود منه قاهرية
فإن مرت إذا مرت فعفواً
…
فإن الستر شيمتك العلية
فمرسل شعره ما فيه طعم
…
تجاب به القوافي السكرية
وأورد له قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي في " الطبقات الصغرى " له، قال: وأنشدني أبو الفتح لنفسه بقراءتي عليه:
إذا رمت تعداد الخلائف عدهم
…
كما قلته تدعى اللبيب المحصلا
عتيق وفاروق وعثمان بعده
…
علي الرضى من بعده حسن تلا
معاوية ثم ابنه وحفيده
…
معاوية وابن الزبير أخو العلا
ومروان يتلوه ابنه ووليده
…
سليمان وافى بعده عمر ولا
يزيد هشام والوليد يزيدهم
…
سناهم وإبراهيم مروان قد علا
بسفاح المنصور مهدي ابتدي
…
وهاد رشيد للأمين تكفلا
وأعقب بالمأمون معتصم غدا
…
بواثقه يستتبع المتوكلا
ومنتصر والمستعين وبعده
…
لمعتز المتلو بالمهتدي انقلا
ومعتمد يقفوه معتضد وعن
…
سنا المكتفي يتلوه مقتدر سلا
وبالقاهر الراضي تعوض متق
…
وبالله مستكف مطيع تفضلا
وطائعهم لله بالله قادر
…
وقائمهم بالمقتدي استظهر العلا
ومسترشد والراشد المقتفى به
…
ومستنجد والمستضي ناصر تلا
وظاهرهم مستنصر قد تكلموا
…
بمستعصم في وقته ظهر البلا
ومستنصر وحاكم وابنه ولم
…
يقم واثق حتى أتى حاكم الملا
فدونكها مني بديهاً نظمته
…
فإن آت تقصيراً فكن متطولا
وكتب له شيخنا العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى:
أجدت تقي الدين نظماً ومقولاً
…
ولم تبق شأواً للفضائل والعلا
فمن رام نظماً للأئمة بعدها
…
يؤم محالاً خاسئاً ومجهلا
قلت: لم يذكر تقي الدين - رحمه الله تعالى - إبراهيم بن المهدي، وكان قد تولى بعد الأمين، ولا ابن المعتز في خلفاء بني العباس، لأنه بويع له في حياة المقتدر بعدما خلع، وكانت بيعة ابن المعتز يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومئتين، وأقعد في دار الداية، وسلم عليه بإمرة المؤمنين، لأن أولياء الأمر قالوا: المقتدر غير بالغ، ثم كان أمر ابن المعتز يوم السبت وبعض يوم الأحد، ثم فسد أمره وبطل لأن غلمان المقتدر صعدوا في الطيارات في الماء وصاحوا من دجلة، فخاف أصحاب ابن المعتز وتفرقوا، وأخذ وقتل وأعيد المقتدر. وفي ابن المعتز قال القائل:
لله درك من ملك بمضيعة
…
واف من العلم والعلياء والحسب
ما فيه لو ولا لولا تنقصه
…
وإنما أدركته حرفة الأدب
وفي قوله - رحمه الله تعالى -: " ووليده سليمان " تجوز يوهم من لا علم له أو وليده سليمان واحد، ومراده اثنان لأنه قال:" ومروان يتلوه ابنه "، يعني به عبد الملك، وولي بعد عبد الملك ابنه الوليد الذي عمر الجامع الأموي، ثم تولى بعده سليمان، فقوله:" ووليده سليمان " كان ينبغي أن يأتي بينهما بفيصل، لأن لفظة الوليد مشتركة بين الولد والعلم.
وقد نظم الشيخ برهان الدين الجعبري - رحمه الله تعالى - قصيدة في هذه المادة مليحة ذكر الخلفاء إلى آخر وقت كلا منهم بلقبه وعمره ومدة خلافته، لكنها بخلاف بحروف الجمل، وقد ذكرتها مستوفاة في الجزء الرابع عشر من " التذكرة " التي لي. وله قصيدة أخرى نونية مردفة بألف، ذكر ذلك بعد حروف الجمل، بل ذكره تصريحاً.
ولشيخنا الذهبي أبيات قليلة ضمنها أسماء الخلفاء أيضاً في ثمانية أبيات ذكرتها أيضاً في هذا الجزء، وللرشيد الكاتب قصيدة رجز في ذكر الخلفاء، وقد أودعتها في الجزء السابع والثلاثين من " التذكرة " التي لي، وبعضهم نظم الخلفاء المصريين وما رأيت من نظمهم غيره، وهي:
الأول المهدي ثم القائم
…
وبعده المنصور ذاك العالم
ثم المعز بعده العزيز
…
والحاكم المبرز الإبريز
والظاهر المشهور والمستنصر
…
في عهده شخص الهدى مستبصر
والمصطفى للدين والمستعلي
…
وآمر والحافظ المستتلي
والظاهر المذكور ثم الفائز
…
والعاضد الأخير ذاك الفائز