الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان قد جاء في بشرى بعافية السلطان إلى دمشق لما كان قد مرض السلطان وعوفي، وحصل له شيء كثير من تنكز ومن أمراء الشام.
وكان أمير مئة مقدم ألف، وكان قد حضر مع رسول القان بوسعيد من القاهرة، فوصله إلى الفرات، وعاد إلى القاهرة، فمات عند وصوله إليها في ثامن شهر رمضان سنة سبع وعشرين وسبع مئة.
وكان فيه دين وخير. حج في وقت بالركب المصري، رحمه الله، تعالى.
قطلوبك
الأمير سيف الدين المنصوري المعروف بقطلوبك الكبير.
كان أميراً إذا قيل: أمير، لا بل ملكاً على تحقيق قدره الكبير، لم ير الناس مثل رخته، ولا مثل جلوسه في سعادة تخته، أموال تفوق الأمواج، وخيول حصونها أعظم من الأبراج، ومماليك كأنهم الكواكب، وحفدة تتجمل بهم المواكب، وآلات، تفتخر بها البدور في الهالات، حتى كان الناس يعجبون من بذخه، وعنفوان سعده الزائد وشرخه.
وكان ذا خبرة ودهاء، ومعرفة بالأصناف واعتناء في الاقتناء، وتوجه إلى السلطان الملك الناصر وأحضره من الكرك، والتزم له بأنه لا هم يناله ولا درك، وهو الذي أتى به، وأخذ في توكيد ملكه وأسبابه، ويقال: إنه هو الذي قام له بشعار الملك من عنده، وكلما احتاج إليه في ذلك المهم عجله في نقده، حتى إن الحوائص الفضة والذهب أحضرها في أطباق الغسيل، وزاد في هذه الأشياء وأمثالها حتى عجب منه
الفرات والنيل، فعظمه السلطان، ووعده بأن يكون في دمشق نائباً، وأن يكون هو حاضر الملك إذا كان هو غائبا. ثم إنه من مصر أخرجه إلى صفد نائبها، وألزمه أن يكفيها مهامها ويكف نوائبها، ثم إنه أمسكه فيها بعد قليل، وأذاقه فيها الخطب الجليل. وقبض عليه في رابع عشري جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وسبع مئة بصفد، وحمل منها إلى الكرك.
وفي شهر رجب سنة إحدى عشرة حمل بكتمر الجوكندار إلى الكرك، واعتقل مع كراي وقطلقتمر صهر الجالق وأسندمر نائب طرابلس وبتخاص.
كان الأمير قطلوبك الكبير رحمه الله، تعالى - مؤاخياً لسلار، وولي الحجوبية في مصر؛ لأنه كان قد ولي الشد بدمشق عوضاً عن جاغان لما قتل حسام الدين لاجين مدة يسيرة إلى أن وصل السلطان من الكرك إلى مصر، فأعرض عن الشد، وتوجه إلى مصر في يوم الأحد سادس عشري جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وست مئة، فولاه السلطان الحجوبية عوضاً عن الأمير سيف الدين كرت لما قتل، فعملها عملاً صغرت النيابة معه فيها، وقل قدرها؛ لجمع الأمراء عليه والأويراتية والوافدين، ومد السماك لهم وإفاضة الخلع عليهم، فأهم البرجية أمره خوفاً من قوة شوكة سلار، فأخرج إلى الشام وولي نيابة طرابلس، فكرهها، واستعان بالأفرم في الإقالة منها، فأقيل. ثم كانت بينه وبين أسندمر الكرجي نائبها بعده مصاهرة، كان معين الدين بن حشيش هو الساعي فيها.
واستقر قطلوبك الكبير في دمشق من مقدمي الألوف، ولم يمش إلا مشي عظماء الملوك من فرط البذخ والتجمل وعظم الخدم والحشم والأتباع ووفور الحاشية
وكثرة الغاشية مما لا يقوم مغل إقطاعه بثلث الكلفة له، وكلما طال الزمان ومر عليه ازداد في ذلك أمره، وكان لا يدري من أين مدده، ولا كيف تنفق يده، وظهر من الأفرم كراهية له؛ لأنه بان له تكبره عليه، فوقع بينهما، ودخل الحاج بهادر وبكتمر الحاجب وغيرهما من الأمراء بينهما، فاصطلحا، وأوجبوا على قطلوبك الشكران، فعمل ذلك في المرج.
قال القاضي شهاب الدين بن فضل الله: أنفق فيه ما يقارب الثلاثين ألف دينار ما بين طعام وشراب وخلع وتقادم للأفرم وحاشيته، وكانت الضيافة ثلاثة أيام لم ينقطع مددها. قال: وكنت ممن حضرها ونظرها، وهي تزيد على الوصف.
قال: والتزم مرة بدرك الرحبة سنة حملاً عن الأمراء، وجر نحو مئة جنيب من الخيل غير الهجن مجللات بالحرير ملبسات حلي الذهب والفضة، جميعها باسمه ورنكه، وأقام بالرحبة عشرة أشهر غير مسافات طرقه، وكان يقيم بأكثر الجند المضافين إليه، فأما جنده فلا يتكلف أحد منهم شيئاً في مدة بيكاره قال: فحكى لي صاحبنا الشريف ناصر الدين محمد الحسيني رحمه الله، تعالى، وكان من مضافيه - من هذا ما تعجب منه، وقال لي: كان راتب شرابخانته في شهر رمضان في كل يوم وزن خمسة وعشرين رطلاً بالدمشقي من السكر، وبنى بالرحبة جامعاً وقصراً وميدان كرة ومنازل للجند.
قال: ولما أتى السلطان من الكرك إلى دمشق كان لا ينفق في مدة مقامه