الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصافح الولدان والحور في
…
جنات عدن برضى دائم
فأين تلك الحركات التي
…
أنحى عليها الموت بالجازم
لهفي على نفسي فقد كنت لي
…
ركناً محته صدمة الهادم
أراك في الأنصار لي عدةً
…
ولم أخل أن الردى فاطمي
وكنت من شوق كطير قد ان
…
قض إلى منهله حائم
وكان ذاك البعد من قبل ذا
…
دخان هذا الضرم الجاحم
كم قلت لما أن سمعت الذي
…
يسرني من خبر القادم
ترى أرى الناشي وقد خصني
…
بنظمه الزاهي على الناجم
وهل أرى ذاك المحيا الذي
…
بارقه راق لدى السائم
والآن لا الصبر غدا نافعي
…
وليس من بحر البكا عاصمي
تعز يا مولاي عن ذاهب
…
مضى به سيل ردى عارم
وأنت في بيت دراريه أم
…
ثال الذراري في الدجى العاتم
قد زينوا الدهر الذي ضمهم
…
فراح ذا ثغر بهم باسم
واصبر لخطب قد عرا واحتسب
…
تظفر بأجر الصائم القائم
والله يسقي ترب من قد مضى
…
صوب الحيا من جوده الساجم
محمد بن أحمد بن بصخان
بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة، وبعدها خاء معجمة وألف ونون، ابن عين الدولة، شيخ القراء بدمشق، الشيخ الإمام بدر الدين أبو عبد الله بن السراج الدمشقي، المقرئ النحوي.
سمع الكثير بعد الثمانين من أبي إسحاق اللمتوني، والعز بن الفراء، والإمام عز الدين الفاروثي، وطائفة. وعني بالقراءات سنة تسعين وبعدها، فقرأ للحرميين وأبي عمرو على رضي الدين بن دبوقا، ولابن عامر على جمال الدين الفاضلي، ولم يكمل عليه ختمة الجمع، ثم كمل على الدمياطي وبرهان الدين الإسكندري، وتلا لعاصم ختمة على الخطيب شرف الدين الفزاري، ولازمه مدةً، وقرأ عليه القصيدة لأبي شامة.
قال شيخنا شمس الدين الذهبي: وترددنا جميعاً إلى الشيخ المجد نبحث عليه في القصيد، ثم إنه حج غير مرة، وانجفل عام سبع مئة إلى مصر، وجلس في حانوت تاجر، وأقبل على العربية فأحكم كثيراً منها، وقدم دمشق بعد ستة أعوام، وتصدى لإقراء القراءات والنحو، وقصده الطلبة، وظهرت فضائله، وبهرت معارفه، وبعد صيته، ثم إنه أقرأ لأبي عمرو بإدغام " الحمير لتركبوها "، وبابه ورآه سائغاً في العربية، والتزم إخراجه من القصيد، وصمم على ذلك، مع اعترافه بأنه لم يقل به أحد، وقال: أنا قد أذن لي في الإقراء بما في القصيد، وهذا يخرج منها.
فقام عليه شيخنا المجد وابن الزملكاني وغيرهما، فطلبه قاضي القضاة ابن صصرى بحضورهم، وراجعوه وباحثوه فلم ينته، فمنعه الحاكم من الإقراء بذلك، وأمره بموافقة الجمهور، وذلك في عشري شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة وسبع مئة، فتألم وامتنع من الإقراء جملة. ثم إنه استخار الله تعالى في الإقراء بالجامع، وجلس للإفادة، وازدحم عليه المقرئون وأخذوا عنه، وأقرأ العربية.
قال: وذهنه متوسط لا بأس به، ثم ولي بلا طلب مشيخة التربة الصالحية بعد مجد الدين التونسي بحكم أنه أقرأ من بدمشق في زمانه، انتهى.
قلت: وكان بهي المحيا، يطوي السكون طيا، ظاهر الوقار، بادي التكبر على الناس والاحتقار، نظيف اللباس، طيب الرائحة في الانطلاق والاحتباس، ظريف العمامه، كأنه من بياض ثيابه حمامه، له قعدد في جلوسه، وتسدد في ناموسه، وكذا إذا مشى لا يلتفت ولو زحمه الليث والرشا. وإذا كان في حالة تصدره للقراءة يتلبس بالتوفر على التوقر والأناة، لا يتنحم ولا يتلفت لا يعير بصره وسمعه غير من يقرأ عليه إن عطس أو شمت، مشغولاً بمن قد أمه قدامه، مجموع الحواس على القارئ الذي جعله إمامه أمامه:
ويبقى على مر الحوادث صبره
…
ويبدو كما يبدو الفرند على الصقل
ولم يزل على حاله إلى مات به شاطبي عصره، وأنزل إلى قعر لحد من علو مجده في قصره.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في خامس ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة.
ومولده سنة ثمان وستين وست مئة.
واشتهر عنه أنه كان لا يأكل اللحم إلا مصلوقاً والحلاوة السكرية لا غير. وقيل إنه لم يأكل المشمش في عمره؛ ومن شعره في المشمش:
قد كسر المشمش قلبي ولم
…
أكسر له لما أتى قلبا
لسعره الغالي وعسري معاً
…
وأستحي أن ألقط الحبا
وكان له ملك يرتفق بمصالحه، ولم يتناول من الجهات درهماً ولا طلب جهةً كمال أهليته.
وكان يدخل الحمام وعلى رأسه قبع لباد غليظ إذا تغسل رفعه وإذا أبطل قلب الماء أعاده، فأفاده ذلك ضعفاً في بصره، وكان طيب النغمة.
دخل يوماً هو والشيخ نجم الدين القحفازي في درب العجم وفيه ظروف زيت، فعثر في أحدها، فقال نجم الدين: تسعنا في ظرف المكان. فقال له الشيخ بدر الدين: لا بل تمشي بلا تمييز، فقال: إن ذا حال نحس.
وقد أجاز لي رحمه الله تعالى جميع ما صنفه ونظمه بخطه سنة ثمان وعشرين وسبع مئة.
وأنشدني شمس الدين محمد الخياط الشاعر، قال: أنشدني من لفظه لنفسه:
كلما اخترت أن ترى يوسف الحس
…
ن فخذ في يمينك المرآة
وانظرن في صفائها تبصرنه
…
واعذرن من لأجل ذا الحسن باتا
لا يذوق الرقاد شوقاً إليه
…
قلق القلب لا يطيق ثباتا
قلت: كان الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى لما سمع كلام الناس في كلامه هذه المادة مثل قول القائل:
ما أخذ المرآة في كفه
…
ينظر فيها للجمال المصون
إلا رأى الشمس وبدر الدجى
…
ووجهه في فلك يسبحون
وقول أبي الحسن بن يونس بن عبد الأعلى:
يجري النسيم على غلالة خده
…
وأرق منه ما يمر عليه
ناولته المرآة ينظر وجهه
…
فعكست فتنة ناظريه إليه
وقول الآخر:
وأهيف ظل بالمرآة مغرى
…
يواظب رؤية الوجه المليح
يقول طلبت معشوقاً مليحاً
…
فلما لم أجده عشقت روحي
وقول الآخر:
أخذ المرآة بكفه كيما يرى
…
فيها محاسن وجهه فتحيرا
ما كان يدري ما جنت عيني على
…
قلبي فحين رأى محاسنه درى
وقول الآخر:
عجبت لبدر التم أصبح عاشقاً
…
هلالاً وأمسى مغرماً فيه قلبه
ولو أخذ المرآة ينظر وجهه
…
لأبصر ما يسليه عمن يحبه
وقول ابن الساعاتي:
يقول ماذا ترى وفي يده
…
مرآته وهو ناظر فيها
قلت أرى البدر في السماء وقد
…
أفاض نوراً على نواحيها
وقلت أنا في هذه المادة:
لو أخذت المرآة يا من سباني
…
لترى طلعة سمت كل بدر
وتحققت أن عذري باد
…
في غرامي وفي تهتك ستري
وللناس في هذا كثير، وهذا القدر كاف.
وأراد الشيخ بدر الدين أن ينظم مثل ذلك في رقته وطلاوة تراكيبه فأتى بما أتى وزاد علواً في الثقالة وعتا.
وأنشدني شمس الدين الخياط أيضاً، قال: أنشدني لنفسه في مليح دخل الحمام مع عمه، فلما جعل السدر في وجهه قلب الماء عليه عبد أسود كان هناك:
وبروحي ظبي على زجهه السد
…
ر وقد أغمض الجفون لذلك
قائلاً عند ذاك حين أتاه
…
يسكب الماء عليه أسود حالك
من ترى ذا الذي يصب أعمي
…
قلت بل ذا الذي يصب كخالك
قلت: قد حقق الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى ما قيل عن شعر النحاة من الثقالة، على أنني ما أعتقد أن أحداً رضي لنفسه أن ينظم هكذا، والذي أظنه أنه تعمد هذه التراكيب القلقة وإلا فما في طباع أحد يعاني النظم هذا التعاظل، ولا هكذا التعسف ولا هذه الركة، ولكني المعاني جيدة، فهي عروس تجلى في ثياب حداد.