الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن دانيال بن يوسف
الخزاعي الموصلي، الحكيم الفاضل الشاعر الأديب شمس الدين.
صاحب النظم الحلو، والقريض الذي ليس فيه بيت من النكت خلو، والنثر العذب الرائق، والكلام الذي أصبح وهو على زهر الرياض فائق، والطباع الداخله، والمخيلة التي هي بالصواب غير باخله.
كان ابن حجاج عصره، وابن سكرة مصره. لو كانا حيين لقلداه المجون. وعلما أن نكته تفعل بالألباب ما لا تفعله ابنة الزرجون. قد لطف كلامه، وظرف نظامه، يأتي بمضحكات تعجب منها الثكالى، وتنشط الكسالى، لو رآه أبو نواس لما قال:" أما ترى الشمس حلت الحمل ".
أو ابن الهبارية لما نظم " حي على خير عمل ". وكان لا يبالي بما يقول من سخفه، ولا يستحي في المجون إذا رفع مرخى سجفه:
لو عابه سيبويه قال له:
…
خرا الكسائي في لحية الفراء
ولم يزل على حاله إلى أن استجن حشا ضريحه، وأوحش الزمان وأهله خفة روحه.
وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة ليلة الأحد ثاني عشري جمادى الآخرة سنة عشر وسبع مئة.
وكان ابن دانيال رحمه الله تعالى طبيباً كحالاً، أديباً شاعراً مطبوعاً على الدخول في أقواله وأفعاله. توجه صحبة الأمير سيف الدين سلار إلى قوص ومع الأمير سلار حسن الحليق، وكان من جملة مماليك سلار غلام جميل الصورة، له صورة عند أستاذه، فتمشى الحليق ومعه الخادم، فوجدا ظل جميز وجدولاً يجري، فرقد الحليق هناك، ونام الخادم عنده، فطلبه أستاذه فلم يجده، ففرق المماليك في طلبه، فوجدهما على تلك الحالة، فأحضروا وقد اشتد غضب سلار، فلما رأى ابن دانيال ذلك تقدم وقال: يا خوند، أقول لك ما تفعل بهذين، فقال: قل. قال: احلق ذقن هذا القواد حسن، واخص هذا الخادم. فضحك سلار وسكن غضبه.
حكى لنا شيخنا الحافظ فتح الدين قال: اجتزنا جماعة به وهو في دكان داخل باب الفتوح والناس عليه مجتمعون، فقالوا: تعالوا نخايل على الحكيم، فقلت لهم: ما أنتم وزنه فلا تشاكلوه فقالوا: لا بد وهو يكحل الناس. فقال بعضنا: يا حكيم تحتاج إلى عصيات؟ فقال: لا والله، إلا
…
أي من كان منكم يشتهي يقود فليتقدم قال: فقلت لهم: قلت لكم: لا تشاكلوه فما قبلتم قولي، أو كما قال.
وله نوادر كثيرة من هذا النمط. يقال إن الملك الأشرف أعطاه قبل أن يلي فرساً، وقال له: هذا اركبه إذا طلعت القلعة أو سافرت معنا إلى الصيد، لأنه كان في خدمته، فلما كان بعد أيام رآه وهو راكب على حمار مكسح، فقال له: يا حكيم أين الفرس الذي أعطيناك؟ فقال: بعتها وزدت عليها واشتريت هذا الحمار، فضحك منه.
وكان له راتب لحم على ديوان السلطان فعمل في وقت استيمار، وقطع هو وغيره، فدخل على الأمير سيف الدين سلار وهو يعرج فقال له: ما بك يا حكيم؟ قال: بي قطع لحم، فضحك منه، وأمر له بإعادة مرتبه من اللحم.
وله من التصانيف كتاب " طيف الخيال " أبدع فيه وقيل: إنه أخرجه من القوة إلى الفعل، ولبس ثيابه ورقص بآلاته جميعها، وله أيضاً أرجوزة سماها:" عقود النظام في من ولي مصر من الحكام ".
ومن شعره يستهدي قطراً:
نعم أنت أولى من نؤمله قدراً
…
وأكرم من نهدي المديح له درا
وما أنت إلا ديمة أي ديمة
…
تسح فيحيي سحها البلد القفرا
ولو لم تكن يا ابن المكارم ديمةً
…
تجود لما استهديت من جودك القطرا
فجد لي به من ساعتي إنني امرؤ
…
أخاف إذا جرعت في عسل صبرا
ودعني من رفع النحاة ونصبهم
…
وجرهم أن يملأوا جرتي جرا
فقد لهبت عندي القطائف غلة
…
عليه وأبدت ألسناً للظما حرا
وشقت له أيدي الكنافة جيبها
…
وقد شيقت من طول وحشتها الصدرا
وقد صدع البين المشت لبعده
…
قلوباً، فقلب اللوز منكسر كسرا
وإن جاءني مع ذلك القطر سكر
…
أنقطه حتى يكون لكم شكرا
ومنه في الثقة عامل الملقة بالجيزة:
ما لي وللمنخرقه
…
والعطف والمنزلقه
وغله الخالص في
…
تحصيلها والملقه
ورحلتي في مركب
…
بكل فدم موسقه
أرجاؤها علي من
…
زحامهم مضيقه
بت بها لضيقها
…
وضنكها في بوتقه
ترقص في البحر لدى
…
أمواجه المصفقه
والريح لا تجري على
…
طريقة متفقه
تهب غرباً وتهب
…
ب تارةً مشرقه
كأنها من هوج
…
رفيقنا اللص الثقه
أقبحنا خلقاً فسب
…
حان الذي قد خلقه
بصورة القر فلو
…
لا، ذقنه والعنفقه
وأنه الكلب لمن
…
عاينه أو حققه
والكلب لو جاراه في
…
خساسة ما لحقه
شيخ لنقصه وإن
…
كان ثقيلاً طبقه
رافقته ولم تكن
…
رفاقيته رفقه
حتى إذا ما غيب الأ
…
فق لدينا شفقه
وهوم الناس فلا
…
عين امرئ مؤرقة
نام فكان نائماً
…
كالحية المطوقه
وقام في الليل كمث
…
ل من يريد السرقه
يسعى إلى عبد له
…
وجه شبيه الدرقه
عبل الذراع أسود
…
بشفة مشتقه
لو جاز رأس أيره
…
في كم قاض فتقه
أولجه في سرمه
…
ثم عليه طبقه
وفك سندان استه
…
بفيشة كالمطرقه
ولم يزل حتى رمى
…
بيض المخاصي زنبقه
فقلت في نفسي ترى
…
خيطه أم فتقه
وعاد نحوي قائلاً
…
وجحره مبصقه
ما أطيب الأير سج
…
قا والخصي مدققه
ولو أتاني نكته
…
على سبيل الصدقه
أحسن من ذاك وذا
…
جارية معشقه
جديدة في حسنها
…
وقهوة معتقه
ذات حر يضيق بالأي
…
ر إلى أن يخنقه
حر رميت طيره
…
من خصيتي بندقه
فخر مصروعاً ولم
…
يقطع سواي سبقه
غنت فأغنت عن شدا ال
…
حمامة المطوقه
لله صب لا يضي
…
ع عهده وموثقه
أو شادن عليه أك
…
باد الورى محترقه
علق نفيس كل كه
…
جة به معتلقه
يموج عند نيكه
…
تحتك مثل العلقه
يكاد موج ردفه
…
للصب أن يغرقه
كم ليلة ركبني
…
من خلفه في الحلقه
لما استجاد عدتي
…
في العرض يوم النفقه
وجونة زاهية
…
بظلمة وبرزقه
ذات شواء قد غدا
…
مشتملاً بجردقه
وافى ونفسي لم تزل
…
إلى لقاء شيقه
لولا خلوق ثوبه
…
لكدت أن أخلقه
في إثره دجاجة
…
مصلوقة في مرقه
تتبع بوارانيةً
…
في دهنها معرقه
فمن حبته هذه
…
سبحان رب رزقه
وقال يوم كتب كتابه:
قد تجاسرت إذ كتبت كتابي
…
طمعاً في مكارم الأصحاب
وهي طويلة وقد أوردتها في الجزء الأول من " التذكرة ".
وقال وقد أبطلوا المنكرات في أيام الملك المنصور حسام الدين لاجين.
رأيت في النوم أبا مره
…
وهو حزين القلب في مره
وعينه العوراء مقروحةً
…
تقطر دمعاً قطرةً قطره
يصيح واويلاه من حسرتي
…
تلك التي ما مثلها حسره
وحوله من رهطه عصبةً
…
فيهم على قلتهم كثره
من كل علق مثل بدر الدجى
…
قيمته في واحد بدره
مظفر اللحظ بعشاقه
…
وإنما في جفنه كسره
شمس ضحى غصن نقىً قدره
…
وظله من خلفه الشعره
تجميشه نقل لمن ضمه
…
وجوز التينة بالتمره
يهون وزن المال في وصفه
…
طالعه الميزان والزهره
ومن سحور العين فتانةٍ
…
خود لها شمس الضحى ضره
تقول للعشاق من معصمي
…
تنزهوا في الماء والخضره
إذا رأى عاشقها كسها
…
يود لو ترضعه بظره
وكل قواد له ضرطة
…
من شدقه يتبعها شخره
يسطو على العاشق في سومه
…
مغالباً لما اقتضى حذره
يقول والكيفاح من خلفه
…
وعنده في قوله شمره
زن ألف دينار إذا رمتها
…
إن كنت ما ترضى بها بعره
سبحان من ولد في خدها الن
…
قي بياضاً فوقه حمره
هيا تمتع دي بحق الوفا
…
لا تترك القصف على فشره
وكل لوطي له نهمةً
…
على سميط اللحم في السفره
إن وسوست في وجهه فسوة
…
يقل لها يا طيبها نخره
وكل زناء يرى بولة ال
…
قحبة في صبحته نشره
وكل بنت ما لها عذرةً
…
لكن هواها من بني عذره
سحاقةً قد كلكلت بظرها
…
وما لها في دلكها شعره
وكل خمار وفي كفه
…
كأس على عاتقه جره
ومن حشيشي سطيل على
…
شاربه قد بقلت خضره
ومن بني حام له مزرة
…
صفى لها صاحبه المزره
وكل بغاء به أبنة
…
مبادل أبغى من الإبره
وكل جلاد على خلوة
…
عمرةً هاجت به عميره
ومن خيالي ومن مطرب
…
وزامر قد جاء في الزمره
فقلت يا إبليس ماذا الذي
…
أسال من مقلتك العبره
وما الذي أزعج أشياعك النو
…
كى وإن كانوا ذوي شره
فقال لي: يا بأبي أنت قد
…
وقعت في مس أخت ما أكره
قلت جيوشي ووهى منصبي
…
وعدت لا أمر ولا إمره
وأصبح الخمار لا يلتقي
…
في بيته كوزاً ولا جره
ومنزل المزار صفر وقد
…
علته من ذلته صفره
وبات قلي الفار في حسرة
…
وقلبه يقلى على جمره
وكاد أن يسطو الحشيشي وأن
…
يجرح بالخنجر والشفره
وسائر الستات من قحبنا
…
أكثرهن اليوم في الحجره
يطلبن أزواجاً فلا قحبة
…
منهن إلا أصبحت حره
وكل سالوس قمار وقد
…
أجاد بالعفق بها مهره
كم جهد ما أغوي وأعوي وكم
…
أصفف المقصوص والطره
وكم أرى العينين مكحولة
…
لمن رمي بالعين والنظره
وكم وكم أشهر في خدمة ال
…
عشاق في الليل إلى بكره
وما أرى اليوم ولا عاشقاً
…
إلا الذي أغويه في الندره
قد كسدت سوق المعاصي فلا
…
شرب ولا قصف ولا عشره
هذا على أني ومن غيتي
…
أقود لا أجر ولا أجره
فقلت: يا إبليس سافر بنا
…
وطول الغيبة والسفره
إياك أن تسكن مصراً وأن
…
تقربها إن كنت ذا خبره
فإن فيها صاحباً عادلاً
…
مبارك الطلعة والغره
قد علم السلطان في نصحه
…
لملكه ما شاع بالشهره
جزاء من خالف مرسومه
…
تجريسه والضرب بالدره
وقال على لسام المشاعلة:
لا ودخان المشعل
…
وضوئه المشتعل
وعرفه الذي غدا
…
يزري بعرف المندل
وقد جودها وهي طويلة، وقد أوردتها في الجزء الثالث من " التذكرة ". وقال:
قد عقلنا والعقل أي وثاق
…
وصبرنا والصبر مر المذاق
كل من كان فاضلاً كان مثلي
…
فاضلاً عند قسمة الأرزاق
وقال:
بي من أمير شكار
…
وجد يذيب الجوانح
لما حكى الظبي جيداً
…
حنت إليه الجوارح
وقال:
ما عاينت عيناي في عطلتي
…
أقل من حظي ولا بختي
قد بعت عبدي وحماري معاً
…
وصرت لا فوقي ولا تحتي
وقال:
يا سائلي عن صنعتي في الورى
…
وحرفتي فيهم وإفلاسي
ما حال من درهم إنفاقه
…
يأخذه من أعين الناس
وقال:
إذا ما كنت متخوماً
…
فكن ضيفاً على شير
فما يخرج منه الخب
…
ز إلا بالمناشير
وقال:
يا رشاً لحظه الصحيح عليل
…
كل صب بسيفه مقتول
لك ردف غادرته رهن خصر
…
وهو رهن كما علمت ثقيل
وقال:
وأقطع قلت له
…
أنت لص أوحد
فقال هذي صنعة
…
لم يبق لي فيها يد
وقال:
كم قيل لي: إذ دعيت شمساً
…
لا بد للشمس من طلوع
فكان ذاك الطلوع داءً
…
يرقى إلى السطح من ضلوعي
وقال قد صلبوا ابن الكازروني، وفي عنقه جرة خمر في أيام الظاهر:
لقد كان حد الخمر من قبل صلبه
…
خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا
فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي
…
ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا
وقال أيضاً:
لقد منع الإمام الخمر فينا
…
وصير حدها حد اليماني
فما جسرت ملوك الجن خوفاً
…
لأجل الحد تدخل في القناني
وقال أيضاً:
يقولون الحكيم أبو فلان
…
حوى كرماً وجوداً في اليدين
فقلت علمت ذلك وهو سمح يضيع كل يوم ألف عين
وقال أيضاً:
قطعت من يومين بطيخةً
…
وجدت فيها جعس مصمودي
قالوا خرى الخولي في أصلها
…
من يوم جري الماء في العود
قال في مكارم اليهودي:
مكارم ما زال في طبه
…
مكارهاً واللفظ فيه اشتباه
أعني به الغارق في ذقنه
…
ولست أعني غارقاً في خراه
قلت: وقد اخترت أنا " ديوانه " بالديار المصرية وهو أجمعه في الجزء الرابع عشرين من التذكرة.
وللحكيم شمس الدين بن دانيال موشحة ظريفة وهي:
غصن من البان مثمر قمرا
…
يكاد من لينه إذا خطرا يعقد
أسمر مثل القناة معتدل
ولحظه كالسنان منصقل
نشوان من خمرة الصبا ثمل
عربد سكراً علي إذ خطرا
…
كذاك في الناس كل من سكرا عربد
يا بأبي شادن فتنت به
يهواه قلبي على تقلبه
مذ زاد في التيه من تجنبه
أحرمني النوم عندما نفرا
…
حتى لطيف الخيال حين سرى شرد
عيناه مثوى الفتور والسقم
قد زلزلا من سطاهما قدمي
سيفان قد جردا لسفك دمي
إن كان في الحب قتلتي نكرا
…
فها دمي فوق خده ظهرا يشهد
لا تلحني بالملام يا عذلي
فإنني في هواه في شغل
وانظر لماذا المحب به بلي
لو عبد الناس قبله بشراً
…
لكان من حسنه بغير مرا يعبد
حملت وجداً كردفه عظماً
وصرت نضواً كخصره سقماً
لو أن ما بي بالصخر لأنهدما
فالحب داء لو حمل الحجرا
…
لذاب من هول ذاك وانفطرا وانهد
جوى أذاب الحشا فحرقني
ونيل دمع جرى فغرقني
لكنه بالدموع خلفني
فبت أجري في الدمع منحدرا
…
ذاك لأني غدوت منكسرا مفرد
بديع حسن سبحان خالقه
أحمر خد يبدي لعاشقه
مسكاً ذكي الشذا لناشقه
نمل عذار يحير الشعرا
…
وفود شعر يستوقف الزمرا أسود
وقد عارض ابن دانيال بهذه الموشحة موشحة لأحمد بن حسن الموصلي الوشاح وهي:
بي رشاً عندما رنا وسرا
…
باللحظ للعاشقين إذ أسرا قيد
السحر من لفظه ومقلته
والرشد من فرقه وغرته
والغي من صدغه وطرته
بدر بصبح الجبين قد سترا
…
بليل شعر وانظر له سترا أسود
إن قلت بدر فالبدر ينخسف
أو قلت شمس فالشمس تنكسف
أو قلت غصن فالغصن ينقصف
وسنان جفن سما عن النظرا
…
وكل طرف إليه قد نظرا سهد
حاجبه مشرف على شغفي
عارضه شاهد على أسفي
ناظره عامل على تلفي
به غرامي قد شاع واشتهرا
…
وسيفه في الحشا إذا اشهرا يغمد
زها بثغر كالدر والشنب
وأطلع الأقحوان كالحبب
رصع شبه اللجين في الذهب
حوى الثريا من نوره أثرا
…
له أدمعي الذي نثرا نضد
عذاره النمل في القلوب سعى
والنحل من ثغره الأقاح رعى
ويوسف أيدي النسا قطعا
بالنور من وجهه سبا الشعرا
…
وردني بالجفا وما شعرا مكمد
بما بأجفانه من الوطف