الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان متى سئل عن آية، ذكر ما قبلها، وكذلك يفعل في التنبيه، وهذه غاية لم يصل إليها أحد إلا من من الله عليه بها، ولعل الإنسان ما يقدر يفعل هذا في الفاتحة. ويحكى أن الحجاج بن يوسف ما كان يمتحن القراء إلا بذلك ما يسأل أحداً منهم إلا يقول له: إيش قبل الآية الفلانية، فيبهت ذلك المسكين.
وكان ينوب في الحكم على باب الجامع الصالحي بظاهر القاهرة، ودرس بالمدرسة المجاورة لقبر الإمام الشافعي بالقرافة رضي الله عنه، وناب عن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة في تدريس الكاملية مدة غيبته في الحجاز، وجمع مجاميع مفيدة، وكان على ذهنه تواريخ ووفيات وحكايات وفوائد، واختصر كتباً في الفقه، ولكن كان يتسامح في الأحكام حتى إن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة كان يمنعه من إثبات كتب الأوقاف.
ولما تولى ولده قاضي القضاة عز الدين بن جماعة لم يوله القضاء، فانقطع للاشتغال، وقراءة القرآن.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن
ابن محمد تاج الدين بن الشيخ جلال الدين، الدشناوي محتداً، القوصي مولداً وداراً ووفاةً.
قرأ القراءات على الشيخ نجم الدين عبد السلام بن حفاظ، وسمع على المنذري، والرشيد العطار، وتقي الدين بن دقيق العيد، وشرف الدين الدمياطي، وغيرهم.
وحدث بقوص ومصر والقاهرة والإسكندرية. وسمع منه شيخنا أبو الفتح، والشيخ عبد الكريم بن عبد النور، وفخر الدين النويري، وسراج الدين بن الكويك، وغيرهم.
وأخذ الفقه عن الشيخ مجد الدين بن دقيق العيد، وعن والده جلال الدين، والشيخ بهاء الدين هبة الله القفطي.
ودرس بالفاضلية بالقاهرة نيابة عن الشيخ مجد الدين بن دقيق العيد، ودرس بالعزية بظاهر قوص، والمدرسة النجمية والمدرسة السراجية. وأفتى، وحدث، واستبقى الخيرات وما تلبث.
وكان قوي الجنان، فصيح اللسان، طيب الأخلاق، كريم المعاشره، جميل الأوصاف فيما تولاه أو باشره، مقرئاً محدثاً أديباً، شاعراً لبيباً أريباً.
لم يزل على حاله إلى أن فارق العيش واستوى عنده الحلم والطيش.
وتوفي - رحمه الله تعالى - بقوص سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة.
ومولده سنة ست وأربعين وست مئة.
قال كمال الدين الأدفوي: أنشد شيخنا تاج الدين، قال: أنشدنا الشيخ شمس الدين التونسي:
اصبر على حادثه أقبلت
…
فهي سواء والتي ولت
وأرهف العزم فليس الظبى
…
تفري وتبري كالتي كلت
قال: فنظمت هذه الأبيات، وأنشدتها للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فاستحسنها، وهي:
ليت يداً صدت حبيباً أتى
…
للوصل يشفي غلتي غلت
قضيت قدماً معه عيشةً
…
يا ليت فيها مدتي مدت
لو لم أرض نفسي بصبرغدا
…
ساعة صد جنتي جنت
قلت: كذا رأيت البيتين الأولين قد ساقهما الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي، ولو أن فيهما حكماً، لقلت:" اصبر إذا ما حالة حلت "، فإنها أنسب من قوله:" حادثة أقبلت "، وأما بيتا الشيخ تاج الدين الدشناوي الأولان فإنهما في الحسن غاية، ولكن البيت الثالث في تركيبه قلق، وليس بأخ لما تقدمه، ولو كان لي فيه حكم؛ لقلت:
أقبح بصد جاء لو لم يكن
…
صبري لنفسي جنتي جنت
على أن الأول أيضاً فيه قلق، وأما الأوسط فإنه في الذروة.
وقد كنت نظمت قديماً، لما وقفت على البيتين الأولين، وهما مشهوران أبياتاً من جملتها:
هذي التي نلت بها ذلتي
…
وحلتي في الصبر قد حلت
وأدمعي في وجنتي أطلقت
…
وفي فؤادي غلتي غلت
خلائقي وفق غرامي بها
…
فاستخبروها ما التي ملت
وقلت في جارية لي توفيت:
دفنتها كالبدر تحت الثرى
…
ومن شقائي مدتي مدت
كانت إذا ما سيف أجفانها ال
…
مرهف يدعو لبتي لبت
ما سجعت في الأيك ورق الحمى
…
لكنها في عزتي عزت
قال كمال الدين الأدفوي: وأنشدني لنفسه:
الشين في الشيخ من شرب غدا كدراً
…
فلم تعفه نفوس الغانيات سدى
والياء من يأس أن تصبو إليه وقد
…
بدت لها لحمة من شيبه وسدى
والخاء من خوف أن تقضي له فترى
…
ما ابيض من شعره في جيدها مسدا
قلت: شعر كمال الدين أخصر وأحسن وأفصح وأمتن. وقد نظمت أنا في هذا المعنى في أقصر وأخصر فقلت:
الشين في الشيخ شين
…
والياء يأس تبين
والخاء خسران عمر
…
والحين من ذا تعين
ومن شعر تاج الدين الدشناوي:
ولولا رجائي أن شملي بعدما
…
تشتت بالبين المشت سيجمع
لما بقيت مني بقايا حشاشة
…
تحال على طيف الخيال فتقنع