الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما توفي خاله - رحمه الله تعالى - توجه إلى مصر فأقام بها، إلى أن اضمحل وتلاشى، وأصبح على نار المنية فراشا.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في
…
قراجا بن دلغادر
بدال مهملة، ولام ساكنة، وغين معجمة وبعدها ألف ودال مهملة وراء: الأمير زين الدين النائب بالأبلستين.
كان من أمراء التركمان، وارتمى إلى الأمير سيف الدين تنكز وانتمى إليه، فأقامه وأحبه وعظمه، وكان ميله إليه أحد الأمور التي نقمها السلطان على تنكز لأنه كان يراجعه في أمره كثيراً، ويقول له: اعزله عن الأبلستين، فيراجعه في أمره، لأن ابن دلغادر كان الواقع بينه وبين الأمير أرتنا حاكم البلاد الرومية.
ولما هرب الأمير سيف الدين طشتمر، حمص أخضر نائب حلب المحروسة توجه إليه، واستجار به فآواه، وأقام عنده إلى أن انتصر الناصر أحمد على قوصون، وطلب طشتمر، فحضر من البلاد الرومية وابن دلغادر معه، وتوجه معه إلى مصر، وما صدق بالخروج من القاهرة، ورأى نفسه قد عدى حلب وقويت نفسه عليه من ذلك الوقت ووقع بينه وبين الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي نائب حلب، وتواقعا وانتصر ابن دلغادر عليه.
ولما جاء الأمير سيف الدين أرغون شاه إلى حلب نائباً دخل معه، وكان يكاتبه
دائماً ويهاديه ولما قدم دمشق استمر الود بينهما، وأخذ لابنه الأمير صارم الدين طبلخاناه بدمشق، وكانت بيده، وهو عند والده.
ولما وصل الأمير سيف الدين بيبغاروس إلى حلب وأراد الخروج على السلطان الملك الصالح صالح، راسله واتفق معه، وحضر معه في تركمانه إلى دمشق، وتسيب تركمانه يفسدون في الأرض، ويعبثون فنهبوا الأموال، وافتضوا الفروج، وسبوا الحريم، وسفكوا الدماء، واعتمدوا ما لا يعتمد الكفار في الإسلام.
ثم إنه لما تحقق خروج السلطان الملك الصالح، ووصوله إلى لد خامر على بيبغاروس، وتوجه على البقاع إلى بلاده، وساق قدامه ما وجده للناس من خيول. فأخذ لأهل صفد جشاراً فيه أكثر من خمس مئة فرس.
ولما هرب بيبغاروس وأحمد وبكلمش وغيرهم، توجهوا إليه إلى الأبلستين فتقرب بإمساكهم، وجهز أولاً أحمد وبكلمش إلى حلب، ثم أمسك بيبغاروس من الأبلستين وجهزه إلى حلب، فجرى ما جرى، على ما هو مذكور في تراجمهم، ثم إن الأمير سيف الدين شيخو، والأمير سيف الدين طاز قاما في أمره قياماً عظيماً، وجهزا الأمير عز الدين طقطاي الدوادار إلى الأمير سيف الدين أرغون الكاملي نائب حلب وصمما عليه. وقالا: لا بد من الخروج إليه بالعساكر، وخراب أبلستين، فتوجه بما معه من العساكر الحلبية وغيرهم من عساكر الثغور، ووصلوا إلى الأبلستين، وقاست العساكر شدائد عظيمة، وأهوالاً فنيت فيها خيولهم وجمالهم، ومشوا على أرجلهم في عدة
أماكن، ووجدوا أهوالاً صعبة، وهرب منهم خلق فخرب الأبلستين وحرقها وخرب قراها، وتبعه بالعساكر إلى قريب قيصرية، وأحاطت به العساكر من هنا، وعساكر ابن أرتنا من هناك، فأمسكه قطلوشاه من أمراء المغول بالروم، وجهزه إلى ابن أرتنا.
وكتب نائب حلب إلى ابن أرتنا يطلبه، فدافعه من وقت إلى وقت إلى أن بعثه في الآخر مقيداً.
ودخل إلى حلب يوم السبت ثاني عشري شعبان سنة أربع وخمسين وسبع مئة. فثقل النائب قيوده وأغلاله واعتقله بقلعة حلب، وجهز سيفه إلى السلطان صحبة مملوكه علاء الدين طيبغا المقدم.
ولما كان يوم الاثنين خامس عشر شهر رمضان، وصل إلى دمشق وجهز إلى مصر صحبة عسكر يوصله إلى غزة. ووصل إلى مصر فأقام في الاعتقال مدة، ثم إنه وسط وعلق على باب زويلة قطعتين ثلاثة أيام، وذلك في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وسبع مئة. فسبحان مبيد الجبارين.
وكنت قد قلت لما أمسك ابن دلغادر أحمد وبكلمش وبيبغاروس وحضرهم إلى حلب، وذلك موالياً:
قد جيت في الغدر زايد با بن دلغادر
…
وما تركت لفعلك في الورى عاذر
وخنت من آمنك وانقاد لك صاغر
…
سودت وجهك في الأول وفي الآخر
ولما كان بيبغاروس على دمشق وتوجهنا نحن مع النائب بالشام الأمير سيف الدين أرغون الكاملي إلى لد وأقمنا بها زائداً عن أربعين يوماً، وفي كل يوم نسمع من الأخبار ما ينكد عيشنا من جهة أهل دمشق وأهلنا وأولادنا، جاءني من القاضي شرف الدين حسين بن ريان كتاب قبل خروجي من دمشق، فلما عدت من لد كتبت جوابه، وجاء منه: " وحاول المملوك الجواب فجاءت هذه العوائق التي ما احتسبت والحوادث التي لم تكن كيوم القيامة، فإن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت، يا مولانا: هذه مصائب عمت وطمت وصرحت بالشر وما عمت، وقيدت إليها الأهوال وزمت ودعت الجفلى إلى مآدبها وأصم المسامع نعي نوادبها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قول من ضاقت به حيلته، واتسعت عليه بالهموم ليلته:
وكان ما كان مما كنت أذكره
…
فظن شراً ولا تسأل عن الخبر
ونسأل الله تعالى حسن الخاتمة، وفجر هذه الليلة العاتمه، فقد بلغت القلوب الحناجر، وحزت الغلاصم بالخناجر، وكسرت براني الصبر، وحسد من امتطى ظهر الأرض من استكن في جوانح القبر، وهذه رزية شموس التثبت بها كاسفه، وليس لها من دون الله كاشفه، اللهم اكشف هذه البلية عن البريه، ولق النفوس الظالمة ووق البريه، وأجرنا على عادة وعجل فك أسرنا بأسرنا، إنك بالإجابة جدير، وعلى كشف هذه اللأواء قدير ".