الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الكتب
استكمالًا لِمَا اعتمد عليه ابنُ الملقن من المصادر، تُعد (الكتب) هي المصدر الثاني من مصادره التي استند إليها في شرحه للحديث الشريف.
حيث تنوَّعت طرقُه في النقل عنها:
فتارة يذكرُ اسم الكتاب فقط، وتارة يذكرُه مقرونًا بصاحبه، مثل قوله في (سبخة):"قال صاحب (المطالع): هي الأرض المالحة، وجمعها سباخ"(1)، وكذلك قوله في (سمعت):"قال الفارسي في (إيضاحه): لكن لا بد أن يكون الثاني مما يُسْمَع، كقولك: سمعت زيدًا يقول كذا، ولو قلت: (سمعت زيدًا أخاك) لم يجز"(2).
كما أنه يغلبُ على تسميته للكتب الاختصارُ، فمثلًا يقول:"قال الفارسي في (إيضاحه) "؛ أي: الإيضاح العضدي، وكذلك قوله:"قال صاحب (المطالع) "؛ أي: مطالع الأنوار على صحاح الآثار.
هذا، وقد تنوعت الفنون التي ينقلُ عنها ابن الملقن في شرحه إلى عشرة فنون أو تزيد؛ فيرجع تارةً لمتون الحديث، كـ (صحيح البخاري) -وهو المتن الذي شرحه- وإلى (صحيح مسلم) في مثل (لَتَجَشَّمْتُ لقاءَه) بقوله:"وفي مسلم لأحببت لقاءه"، وإلى (سنن الترمذي) في مثل {مَايَهْجَعُونَ} (3) بقوله:"وقال الضحاك: قليلا من الناس"(4).
كما يرجع أيضًا لشروح الحديث كـ (مطالع الأنوار على صحاح الآثار) -وقد سبق التمثيل عليه- و (شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح) لابن مالك في مثل (يا ليتني فيها جذعا) بقوله: "قال ابن مالك: وأكثر الناس تظن أن (يا) التي تليها (ليت) حرف نداء"(5).
كما أنه يرجع لكتب علوم القرآن ومعانيه، مثل (معاني القرآن وإعرابه للزجاج) في مثل
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 194.
(2)
المصدر السابق 2/ 170.
(3)
الذاريات: 17.
(4)
المصدر السابق 9/ 96.
(5)
المصدر السابق 2/ 290.
{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (1) بقوله: "قال الزجاج: والمعنى: لا يعصينك في جميع ما تأمرهن به؛ فإنك لا تأمر بغير المعروف"(2)، وإلى (معاني القرآن للفراء) في مثل (لبيك) بقوله:"قال الفراء: نصبت على المصدر، أي: كقولك: حمدًا وشكرًا"(3).
ويرجع كذلك لكتب الفقه والحديث؛ كما في كلامه عن (الإجماع) في قوله عن (صيد حمر الوحش): "قال أبو بكر النيسابوري: قوله: اصطدته، وقوله: ولم يأكله؛ لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر"(4).
ويأخذ أيضًا من كتب التفسير، كـ (جامع البيان في تأويل القرآن) للطبري؛ كما في مثل (ألفافًا) بقوله: "قال أبو جعفر الطبري: اختلف أهل العربية في واحد الألفاف، فقال بعضُ نحوي البصرة: لِفٌّ
…
" (5)، وإلى (النكت والعيون) للماوردي؛ في مثل (الرَّهن) بقوله: "وقال الماوردي: هو الاحتباس" (6).
كما رجع أيضًا لكتب النحو، كـ (الكتاب) لسيبويه في مثل (فإما لا فلا تبايعوا) بقوله:"قال سيبويه: كأنه يقول: افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره"(7)، وإلى (الإيضاح العضدي) في مثل (سمعت وتعديها إلى مفعولين) بقوله:"قال الفارسي: لكن لا بد أن يكون الثاني مما يُسْمَع"(8).
ويرجع أيضًا لكتب الأدب؛ كـ (الكامل في اللغة والأدب) للمبرد، في مثل {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} (9) بقوله: "قال المبرد: هو محمول على المعنى؛ لأن معنى الجمع والإجماع
(1) الممتحنة: 12.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 549.
(3)
المصدر السابق 3/ 658.
(4)
المصدر السابق 12/ 350.
(5)
المصدر السابق 19/ 31.
(6)
المصدر السابق 16/ 111.
(7)
المصدر السابق 14/ 482.
(8)
المصدر السابق 2/ 170.
(9)
يونس: 71.
واحد" (1)، وإلى (أدب الكاتب) لابن قتيبة في مثل (الدُّنيا) بضم الدال، قوله: "وحكى ابنُ قتيبة وغيرُه كسرَها" (2).
كما رجع أيضًا لكتب اللغة؛ كـ (المحكم والمحيط الأعظم) لابن سيده، في مثل (الحَوَر) بقوله: "الحَوَر هو: أن يشتد بياضُ بياضِ العين وسوادُ سوادِها
…
" (3)، وإلى (إصلاح المنطق) في مثل (ظفار) بقوله: " قال ابن السكيت: ظفار قرية باليمن" (4).
كما أنه رجع أيضًا لكتب التراجم والطبقات، كـ (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) كما في مثل (حنتمة بنت هشام) بقوله: "قال ابن عبد البر: الصحيح أنها بنت هاشم
…
" (5).
ورجع كذلك لكتب التاريخ، كـ (تاريخ دمشق) في مثل (تسمية بني الأصفر) بقوله:"وفي (تاريخ دمشق) لابن عساكر: تزوج مهاطيل الرومي إلى النوبة، فولد له الأصفر"(6)، وإلى (تاريخ بغداد) في مثل (التعريف بإسحاق الكِوسج) بقوله:"وقال الخطيب: كان فقيهًا عالمًا"(7).
وإننا لنجدُ ابن الملقن -في اعتماده على هذه الكتب- يحقق أغراضًا عدة، وذلك إمَّا لعرض الآراء، كقوله في (إيلياء):"قال صاحبُ (المطالع): وقيل: معناه بيت الله، وفي (الجامع): أحسبه عِبرانيًّا، ويقال: الإيلياء كذا"(8).
وكذلك في قوله: (غُرلًا): "قال الشيخ تقي الدين القشيري في شرح (العمدة): غُرلًا يحتمل أيضًا أن يكون مفعولًا لـ (يدعون) "(9).
ومن ذلك أيضًا قوله في (مَن انتهى نسبه بالفارسي): "قال: قال إبراهيم بن الفرج في
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 33/ 492.
(2)
المصدر السابق 2/ 191.
(3)
المصدر السابق 17/ 359.
(4)
المصدر السابق 16/ 570.
(5)
المصدر السابق 2/ 137.
(6)
المصدر السابق 2/ 388.
(7)
المصدر السابق 3/ 112.
(8)
المصدر السابق 2/ 383.
(9)
المصدر السابق 4/ 28.
(البغية شرح لحن العامة): الفارسي منسوب إلى فارس، وذكر ابن عبدون في كتابه (الزاهر) أنهم من ولد حارس بن ناسور بن سام" (1).
كما أنه قد يعتمد على الكتب في عَضْدِ رأيٍ أو قول، ومن ذلك في قوله عليه السلام:"فيما سقَتِ السماءُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا العُشرُ"، بقوله:" (العَثَري) بعين مهملة ثم ثاء مثلثة مخففة، ويجوزُ تشديدها، كما قاله الهَجَري في (نوادره)، وحكاه ابنُ سيده في (محكمه) "(2).
ومن ذلك أيضًا قوله في (التوارث قبل انتهاء العدة): "وذكر ابنُ المنذر في (الإجماع): أنهم أجمعوا أن مَن طلق زوجته المدخولَ بها طلاقًا يملِكُ رجعتَها، وهو مريضٌ أو صحيح، فمات أو ماتت قبل أن تقضي عدتها؛ أنهما يتوارثان"(3).
وقد يرجع إلى الكتب لترجيح رأيٍ، في مثل (الدهر) بقوله:"قال الأزهري في (تهذيبه): (الدهر) يسمى جذعًا، وقيل معناه: يا ليتني أدركُ أمرَك، قال صاحب (المطالع): والقولُ الأول أبيَنُ"(4).
ومن ذلك أيضًا قوله: " (ما غبر من الدنيا إلا كالثَّغَبْ) هو بثاء مثلثة وبغين معجمة ساكنة ومفتوحة أيضًا، وهو أكثر، كما قاله القزَّاز، وقال صاحب (المنتهى): إنه أفصح
…
" (5).
هذا، وقد يكونُ رجوعُه للكتب لإبطال رأيٍ، ومن ذلك: في حديث (فيما سقَت السماءُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا) بقوله: "ويَرُدُّ على أبي عبيد في قوله: العثري ما سقته السماء، وكذا ابن فارس، وكذا الجوهري في قوله: ما سُقي من النخل سَيْحًا، وصاحب (الجامع) و (المنتهى) - الحديثُ؛ فإن لفظَه: (فيما سقت السماءُ والعيون أو كان عثريًّا)، وهو دالٌّ على أن العَثَري غيرُ ما سقت السماء والعيون"(6).
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 18/ 574.
(2)
المصدر السابق 10/ 554.
(3)
المصدر السابق 25/ 231.
(4)
المصدر السابق 2/ 291.
(5)
المصدر السابق 18/ 81.
(6)
المصدر السابق 10/ 554.
ومن ذلك أيضًا قولُه في (مشُورة): "وزعم صاحبُ (التثقيف) والحريريُّ وغيرُهما؛ أن إسكان الشين وفتح الواو، مما تلحنُ فيه العامةُ، وليس بجيد"(1).
ومن خلال ما تم استعراضُه من اعتماد ابن الملقن على الكتب، تبيَّنت غايتُه من اعتماده على الكتب؛ من خلال الأغراض التي رجع إلى الكتب من أجلها، مع ما لُوحظ من تنوُّعٍ في الإشارة إلى اسم الكتاب، وأن ما يغلب على ذلك هو (الاختصار) كما ذُكر من قبل.
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 14/ 483.