الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
مجيء (إلا) بمعنى (لكنْ)
في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَئًا} (1)(2).
قال ابن الملقن:
"قوله: {إِلَّا خَطَئًا} ظاهرُه ليس مرادًا؛ فإنه لا يسوغُ له قتلُه خطأ ولا عمدًا، لكن تقديره: لكن إن أخطأه، ولا يصح أن يكون (إلا) بمعنى الواو؛ لأنه لا يُعرف (إلا) بمعنى حرف العطف؛ ولأن الخطأ لا يُحذر؛ لأنه ليس بشيء يُقصد. وحكى سيبويه أن (إلا) تأتي بمعنى (لكنْ) كثيرًا. وقال الأصمعي وأبو عبيد: المعنى: إلا أن يقتله مخطئًا، وكذا قال الزجاج: أن معنى (أن يقتل مؤمنًا) البتة (إلا خطأ)، وهو استثناء منقطع"(3).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن أن (إلا) تأتي بمعنى (لكن)، ولا يصح مجيئُها بمعنى (الواو)، وبيان ذلك فيما يلي:
اختلف النحويون في معنى (إلا) في هذه الآية؛ فيرى البصريون أنها بمعنى (لكن)، ولا يصح جعلُها بمعنى (الواو)، إذ الاستثناء يقتضي إخراجَ الثاني من حكم الأول، والواو تقتضي الجمعَ بينهما (4)، ومثلُ مجيئها بمعنى (لكن) قولُه تعالى:{مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (5)، أي: لكن يتبعون الظن، ومثله قوله تعالى:{إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)} (6).
أما الكوفيون فيرون أنها بمعنى (الواو)(7)، ومنه قولُه تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (8)،
(1) النساء: 92.
(2)
صحيح البخاري 9/ 6، باب قول الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلَّا خَطَئا} .
(3)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 31/ 357.
(4)
الكتاب 1/ 366، مجاز القرآن 136، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 90، الأصول في النحو 1/ 290، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 218.
(5)
النساء: 157.
(6)
الليل: 20.
(7)
الأصول في النحو 1/ 169، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 218.
(8)
البقرة: 150.
ومثله قولُ المخبَّل السعدي:
وأرى لها دارًا بأَغدِرةِ السـ
…
ـيدان لم يَدرُسْ لها رَسْمُ
إلا رمادًا هامِدًا دَفَعَتْ
…
عنه الرِّياحَ خوالدٌ سُحْمُ (1)
والجوابُ عن كلمات الكوفيين: أن هذا صوابٌ في التفسير خطأٌ في العربية، لأن (إلا) تُعد استثناءً منقطعًا بمعنى (لكن)، وأما مجيء (إلا) بمعنى (الواو) فإنما يكونُ في التشريك في اللفظ والمعنى، وإذا عُطف استثناءٌ على استثناء قبله، كقولك:(لي على فلان ألف إلا عشرة إلا مائة)، أي: إلا عشرة ومائة (2).
ومما سبق يتبيَّن أن مجيء (إلا) بمنزلة الواو صحيحٌ من حيث التفسير.
هذا، وربما حُمل على جعل (الواو) بمعنى (إلا) في غير الموضع السابق، وإلا فخروج جنس الثاني عن الأول في الاستثناء يُعرف بالاستثناء المنقطع.
(1) البيت من الكامل، المفضليات 1/ 114، معاني القرآن للأخفش 1/ 192، الكشف والبيان عن تفسير القرآن 2/ 16، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 218، المخبل السعدي حياته وما تبقى من آثاره 130.
(2)
مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 101، المدارس النحوية 233.