الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الرابع: تأثيرُ آرائه في مَن جاء بعده
فَلَكُ هذا المبحث في رحاب المتأخرين عن زمن ابنِ الملقن، الذين أخذوا منه وتأثروا بآرائه، وذلك في أكثرَ من فن، فالباحث سيعرضُ الآراء النحوية التي نقلت عنه أولًا، ثم يذكرُ بقية ما نُقل عنه في فنون أخرى على سبيل الإيجاز.
أما من حيث الآراءُ النحوية التي تأثر بها مَن بعد ابن الملقن: ففي (ما أنا بقارئ)؛ إذ قال شمس الدين السفيري: "قال العلماء: (ما) نافية، واسمها (أنا)، و (بقارئ) خبرها، و (الباء) زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أحسنُ القراءة، قال ابنُ الملقن وغيرُه: وغُلط مَن جعلها استفهامية؛ لدخول الباء في خبرها"(1).
ومثله في (ويظهر الزنا)؛ إذ قال شمس الدين السفيري أيضًا: "قال ابن الملقن: و (الزنا) يمد ويقصر، والأولى لغة نجد، والثانية لغة أهل الحجاز"(2).
وأيضًا في (وإنْ وجدناه لبحرا)، إذ قال القسطلاني:" (إن) في قول الكوفيين بمعنى (ما)، واللام في (لبحرا) بمعنى (إلا)، أي: ما وجدنا الفرس إلا بحرًا، وعند البصريين (إن) مخففة من الثقيلة، قاله ابن الملقن"(3).
ومثله في قوله عليه السلام: (انهكوا الشوارب)، قال أبو إسحاق الحلبي:"قال ابن الملقن: هو ثلاثي من (نهك - ينهك)، يعني من باب منع يمنع فهو مانع"(4).
أما الآراء الحديثية التى نُقلت عن ابن الملقن، فمنها: في (مَن غسَّل ميتًا فليغتسل)، قال عبد الرؤوف المناوي: "
…
هو منسوخ، أو أراد غسل الأيدي، ولو غسل ميتين أو أكثر، فهل يتعدد الغسلُ؟ قال ابن الملقن: لا" (5).
ومن ذلك أيضًا، في (فإن صلاتكم معروضة عليَّ)، قال المناوي: "قال ابن الملقن: معنى
(1) المجالس الوعظية في أحاديث خير البرية 1/ 207.
(2)
المصدر السابق 2/ 153.
(3)
إرشاد الساري 5/ 76.
(4)
عجالة الإملاء 3/ 354.
(5)
التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 432.
(معروضة عليَّ) أي موصولة إليَّ توصل الهدايا" (1).
ومن ذلك أيضًا في (ما أحد يسلم علي إلا ردَّ الله عليَّ
…
) قال المناوي: "وفي رواية: (إليَّ)، قال القسطلاني: وهو ألطفُ وأنسَبُ، إذ بين التعديتين فرقٌ لطيف
…
كما قال الراغبُ: بـ (على) في الإهانة وبـ (إلى) في الإكرام، (روحي)
…
والمرادُ -كما قال ابنُ الملقن وغيره- بالروح: النطقُ مجازًا" (2).
ومن ذلك كما عند البخاري: (فقال رجلٌ من الأنصار: هذه قسمةٌ ما أُريدَ بها وجهُ الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد أُوذِي موسى بأكثرَ مِن ذلك فصبر)؛ قال ابن علَّان الصديقي: "قال ابنُ الملقن: وقوله في البخاري: (إنه من الأنصار) غريبٌ
…
وإن صح ذلك فيكون معنى قوله: (إنه من الأنصار)، أي: حِلفًا ووَلاءً" (3).
ومما أُخِذ عن ابن الملقن في (بسم الله الرحمن الرحيم) ما قاله السفيري: "ذكر ابنُ الملقن في شرحه على البخاري عن النقاش أنه قال: حين نزلت (بسم الله الرحمن الرحيم) سبَّحت الجبالُ، فقالت قريش: سحَرَ محمدٌ الجبالَ، قال: فإن صحَّ ما ذكره فلذلك معنًى، وذلك: أنها آيةٌ نزلت على آل داود، وقد كانت الجبال تسبحُ معه بنص القرآن العظيم"(4).
ومما نقل السفيري أيضًا عن ابن الملقن، فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى في كتابٍ كتَب اللهُ له على مرِّ الأيام فضلَ الصلاة)، إذ قال:"حكى ابنُ الملقن أن بعض أصحابِ الحديث رُؤي في المنام، فقيل له: ما فعل اللهُ بك؟ قال: غفر لي، فقيل له: بماذا؟ قال: بصلاتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم "(5).
أما من حيث الآراءُ الفقهية التي تأثَّرَ بها مَن بعد ابن الملقن: فمثال ذلك ما نقله السفيري أيضًا في حكم قطع أذن البهيمة، إذ قال: "قال ابن الملقن: يجوزُ قطعُ بعض آذان الأنعام
(1) فيض القدير 2/ 535.
(2)
فيض القدير 5/ 467.
(3)
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 1/ 186.
(4)
المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية 1/ 67.
(5)
المصدر السابق 1/ 79.
للتمييز" (1).
ومن ذلك ما نقله البقاعيُّ عن ابن الملقن في حكم الظهار، إذ قال:"قال ابن الملقن: وهو حرامٌ كما ذكره الرافعي في الشهادات"(2).
أما من حيث آراؤه في تفسير القرآن الكريم التي تأثر بها مَن بعده: فمثال ذلك في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (3)، قال السفيري:"قال ابن الملقن: أنا أرى أن (وسطًا) في هذا الموضع بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين؛ مثل وسط الدار، وأرى أن الله تعالى إنما وصفهم بذلك لتوسُّطهم في الدين، فلا هم أهلُ غلُوٍّ فيه كالنصارى، ولا أهلُ تقصير فيه كاليهود"(4).
هذا، ما تمكَّن الباحثُ من إبرازه من أثر ابنِ الملقن فيمن بعدَه، ونماذج مما أُخِذ عنه من آراءٍ نحوية وفقهية وتفسيرية، وهذا يدل على أن ابن الملقن بحرٌ مطلعٌ موسوعيٌّ شامل.
(1) المجالس الوعظية 2/ 209.
(2)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 19/ 345.
(3)
البقرة: 143.
(4)
المجالس الوعظية 2/ 278.