الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الخامسُ: أثرُ بحثه النحوي في دلالة الحديث
درس ابنُ الملقن الأحاديثَ الشريفة دراسةً شاملة من جوانب متعددة: نحوية، وصرفية، ولغوية، وفقهية، وأصولية، وقد كان لدراسته النحوية للحديث الشريف رسمٌ في توجيه الحديث.
فمن ذلك في (الحب في الله والبغض في الله)، قال ابن الملقن:" (في) هنا للسببية؛ أي: بسبب طاعة الله ومعصيته؛ كقوله عليه السلام: (في النفس المؤمنة مائةٌ من الابل)، وكقوله في التي حبَسَت الهرةَ: (فدخلت النار فيها)، أي: بسببها وأصل (في) للظرفية"(1).
فاختار ابنُ الملقن ما هو مخالفٌ لما عليه أكثرُ النحويين؛ حسَبَما يقتضيه معنى الحديث.
هذا، وقد يرفضُ ابنُ الملقن رأيًا نحويًّا لعدم استقامة معنى الحديث.
ومن ذلك في {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} (2)، إذ قال:"قال أبو عبيدة: إن (إلا) هنا بمعنى (الواو)، وهو خطأٌ عند حُذَّاق النحاة، والقول أنه استثناءٌ أبيَنُ، أي: لكن الذين ظلموا منهم، فإنهم يَحُجون"(3).
أما كون جعل (إلا) بمعنى (الواو) خطأ، فذلك عائدٌ للمعنى؛ وهو أن (الواو) تُدخل الثاني في حكم الأول، بخلاف (إلا) فإنها تُخرج الثاني من حكم الأول.
ومن ذلك أيضًا في (لا تُشِفوا بعضَها على بعض)؛ إذ قال: "لا تزيدوا بعضَها على بعض، ولا تنقصوا، وكأن الزيادة أَولى؛ إلَّا أنَّه عدَّاه بـ (على)، و (على) مختصة بالزيادة، و (عن) مختصة بالنقصان، ولا يصحُّ حملُه على النقص مع (على)؛ إلا على مذهبِ مَن يُجيز بدلَ الحروف بعضِها من بعض، فيجعل (على) موضعَ (عن)، وفيه بُعد"(4).
ومثله في (إلا خطأ)، قال: "ولا يصح أن يكون (إلا) بمعنى (الواو)؛ لأنه لا يُعرف (إلا) بمعنى حرف العطف؛ ولأن الخطأ لا يُحذر؛ لأنه ليس بشيء يُقصد
…
وحكى سيبويه أن (إلا) تأتي بمعنى (لكن) كثيرًا" (5).
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 444.
(2)
البقرة: 150.
(3)
المصدر السابق 22/ 58.
(4)
المصدر السابق 14/ 333.
(5)
المصدر السابق 31/ 357.
وقد نجدُ ابنَ الملقن يختارُ الحكم النحوي بناءً على ما يوافقه من معنى الحديث، من ذلك في (ليلٌ طويلٌ)، إذ قال:"والأول أولى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور من جهة المعنى؛ أنه يخبره عن طول الليل ثم يأمرُه بالرقاد"(1).
ومن ذلك أيضًا في (جذعا)، إذ قال:"منصوب على الحال، وخبر (ليت) قوله: فيها، والتقدير: ليتني كائن فيها -أي: مدة الحياة- في هذا الحال شبيبةً وصحةً وقوةً لنصرتك، إذ قد كان أسَنَّ وعمِيَ عند هذا القول"(2).
ومثله في (لا يبيع)؛ إذ قال: "بإثبات الياء، والفعلُ غير مجزوم، وذلك لحنٌ، وإن صحَّت الرواية فتكونُ (لا) نافية، وقد أعطاها معنى النهي، لأنه إذا نُفي أن يوجد هذا البيعُ، فكأنه قد استمَرَّ عدمُه، والمرادُ من النهي عن الفعل: إنما هو طلبُ إعدامه أو استبقاءُ عدمه، فكان النفي الوارد من الواجب عندهم"(3).
ومما سبق يتبيَّن ارتباطُ الحكم النحوي بمعنى الحديث؛ إذ قد يكونُ في المسألة النحوية الواحدة أكثرُ من وجه، ومع ذلك ربما يُقدَّم وجهٌ على غيره بسبب ما يقتضيه المعنى. وذلك من خلال ما وقف عليه الباحث في دراسته لبعض المسائل النحوية.
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 9/ 89.
(2)
المصدر السابق 2/ 292.
(3)
المصدر السابق 14/ 344.