الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
إضافة العدد المركَّب إلى تمييزِه
في قول عائشة رضي الله عنها في حديث أمِّ زَرْع: "
…
جلس إحدى عشرةَ امرأةً
…
" (1).
قال ابن الملقن:
"قولها: (جلس) كذا في الأصول، ووقع في مسلم بنون، وهنا: (امرأة)، وفي أخرى: (نسوة)، وللنسائي: (اجتمعن)، ولأبي عبيد: (اجتمعت)، بالتاء. قال ابنُ التين: وقوله: (جلَس إحدى عشرة امرأة)، أي: جَمْعٌ، مثل: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} (2)، قال عياض: والأحسنُ في الكلام حذفُ علامة التأنيث ونونِ الجماعة. وباب العدد في العربية: أن ما بين الثلاثة إلى العشرة مضافٌ إلى جنسه، ومن أحدَ عشرَ إلى تسعةٍ وتسعين مميزٌ بواحد يدلُّ على جنسه، وما بعد هذا مضافٌ إلى واحد من جنسه، وقد جاء هنا: النسوة -وهو جنسٌ- بعد إحدى عشرة، وهو خارجٌ عن وجه الكلام، ولا يصحُّ نصبُه على التفسير؛ إذ لا تفسير في العدد إلا بواحد، ولا يصلحُ إضافةُ العدد الذي قبله إليه، ووجهُ نصبه عندي على إضمارِ: أعني، أو يكونُ مرفوعًا بدلًا من (إحدى عشرة)، وهو الأظهرُ، وعلى هذا أعربوا قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} (3)، الأسباط بدل من (اثنتي عشرة)، وليس بتفسيرٍ فيما قاله الفارسيُّ وغيرُه. وقولها: (جلس إحدى عشرة)، قال النحويون: يجوزُ (جلست)، كما تقول في واحد: جلست امرأةٌ، ولو قلتَ: (قام الرجالُ) جاز، ويجوزُ: قامت، بتقديرِ: قامت جماعةُ الرجال، قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} (4) "(5).
بيان المسألة:
ذكر ابنُ الملقن رواياتٍ للحديث (6)، ثم أورد تخريجًا لرواية (جلس إحدى عشرة نسوة)،
(1) صحيح البخاري 7/ 27، باب حسن المعاشرة مع الأهل.
(2)
يوسف: 30.
(3)
الأعراف: 160.
(4)
الحُجُرات: 14.
(5)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 568.
(6)
رواية (جلس) في هذا الحديث، (جلسن) ذكر ابن الملقن أنها في مسلم، ولم أجدها، وقال المازري في المعلم: وفي أصل مسلم (جلس) 3/ 142، (نسوة) مسند إسحاق ابن راهويه (745)، (اجتمعن) السنن الكبرى للنسائي (9090)، (اجتمعت) السنن الكبرى للنسائي (9092).
وبين أنه لا يصحُّ النصبُ على التمييز؛ لكونِ (نسوة) جمعًا، والعددُ (إحدى عشرة) لا يُميز إلا بمفرد، وإنما يصحُّ النصبُ على إضمار (أعني)، أو الرفعُ بدلًا من الفاعل (إحدى عشرة).
ثم ذكر رأيَ النحويين في حكم حذف علامة التأنيث ونونِ الجماعة، وقال: إن الأحسنَ في الكلام حذفُهما (1)، وذلك في مثل: جلس إحدى عشرة امرأة.
وبيان ذلك فيما يلي:
أما رواية (نسوة) فدراستُها ضمن باب العدد وتمييزه، حيث ذكر النحويون أن العدد (3 - 10) ما بعده مضافٌ لجنسه مجموع، والعدد (11 - 99) يُميَّز بواحد يدل على جنسه، والعدد (100 - 1000) ما بعده مضاف لجنسه مفرد (2).
و(نسوة) اسمُ جمع، جاء بعد عددٍ تمييزُه مفرد، فلا يصلحُ إضافةُ العدد الذي قبله إليه، إذ لا تمييز للعدد (11) إلا بواحد، وهذا كما قال ابنُ الملقن خارجٌ عن وجه الكلام، فنصبُ (نسوة) يكونُ على إضمارِ (أعني)، ورفعُها يكونُ على البدلية من الفاعل (إحدى عشرة)، وهو الأظهرُ؛ لئلا يُحتاج إلى تقدير.
فبهذين التخريجين استقامت روايةُ الحديث، وقد تُعرب (نسوة) تمييزًا، باعتبار الأصل، وإلا فهي جمعٌ في الدلالة.
ونظير ذلك قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} (3)؛ إذ أعربوا (أسباطًا) بدلا من (اثنتي عشرة)، لكونها جمعًا بعد عدد تمييزُه مفرد (4)، وأعربت (أسباطا) صفةً لموصوف محذوف تقديره (فرقة أسباطًا)(5)، وأعربت كذلك تمييزًا؛ لأنه مفرد تأويلًا، كما قال ذلك
(1) كما يراه القاضي عياض، إكمال المعلم 7/ 456.
(2)
الكتاب 1/ 206، الأصول 1/ 311، أوضح المسالك 2/ 300، شرح ابن عقيل 4/ 69، همع الهوامع 2/ 346.
(3)
الأعراف: 160.
(4)
معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 383، إعراب القران للنحاس 2/ 76، مشكل إعراب القران لمكي 1/ 303.
(5)
الجدول في إعراب القرآن 9/ 103.
الفارسي، والزمخشري وغيرهما (1).
وأما مسألةُ حذف علامة التأنيث ونونِ الجماعة في مثل (جلَس إحدى عشرة امرأة) و (جلست إحدى عشرة نسوة) و (جلسْنَ إحدى عشرة امرأة)؛ فهذا جائز عند النحويين، قال ابنُ مالك في ألفيته (2):
والحذفُ قد يأتي بلا فَصْلٍ ومَعْ
…
ضميرِ ذي المجازِ في شعرٍ وَقَعْ
والتاءُ مع جمعٍ سوى السالمِ مِنْ
…
مذكرٍ كالتاء مع إحدى اللَّبِنْ
ومما سبق يتضحُ جوازُ أن يقال: (جلس إحدى عشرة امرأة / نسوة، وجلسن إحدى عشرة امرأة / نسوة، واجتمعت إحدى عشرة امرأة / نسوة، واجتمعن إحدى عشرة امرأة / نسوة)، أما (امرأة) فالتأنيثُ فيها حقيقي والحذفُ معها على قلة، ومن ذلك ما سُمع عن العرب: قال فلانةُ (3)، ومنه قولُ لبيد (4):
تمنَّى ابْنَتايَ أن يعيشَ أبوهُما
…
وهل أنا إلا مِن ربيعةَ أو مُضَرْ (5)
فحُذفت علامة التأنيث بلا فصل ومع مؤنث حقيقي، (والحذف قد يأتي بلا فصل) أي: مع المؤنث الحقيقي، ولا خلاف في أن المثنى كالواحد (6).
وأما (نسوة) فهي اسم الجمع، ويجوزُ حذفُ علامة التأنيث معها (والتاء مع جمع سوى السالم)، بخلافِ جمع المذكر السالم؛ فلا يعتبر التأنيث فيه؛ لأن سلامة النظم تدل على التذكير (7).
وما مثَّل به ابنُ الملقن؛ نحو: (قام الرجال)، و (قامت الرجال)، وقوله تعالى: {قَالَتِ
(1) نقلًا: بغية الرائد 31، البحر المحيط 5/ 199، تفسير الألوسي 5/ 82.
(2)
ألفية ابن مالك 25.
(3)
الكتاب 2/ 38.
(4)
لبيد بن ربيعة بن مالك، ت: 41 هـ، وترجمته في الأعلام للزركلي 5/ 240.
(5)
البيت من الطويل، ديونه 79، شرح التسهيل 2/ 114، همع الهوامع 3/ 333.
(6)
شرح التسهيل 2/ 114.
(7)
شرح الكافية الشافية 2/ 598.
الْأَعْرَابُ آمَنَّا} (1)، فـ (الرجال) و (الأعراب) جمعَا تكسيرٍ، ويجوزُ معه حذفُ علامة التأنيث وبقاؤها.
(1) الحُجُرات: 14.