الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: الرجال
اعتمد ابنُ الملقن في شرحه (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) على مصدرين عامَّين؛ هما: الرجال والكتب؛ يستكمل بهما دراسته للحديث الشريف؛ إذ رجع فيها لعلماء الحديث، واللغة، والنحو، والأصول.
أما اعتمادُه على مصدر الرجال، فنجده يستعملُ صيغًا متعددة في النقل عن هذا المصدر، كما أن له طرقًا وأغراضًا تبين حاجة الشارح لمصدر الرجال.
وابن الملقن عند أخذه من المصادر يرجع إلى علوم متعددة:
فمثالُ رجوعه لشروح الحديث: قولُه: " (حضرموت) من بلاد اليمن كما قاله صاحب (المطالع) "(1)، وكذلك قوله في (وَسادة):"قال صاحب (المطالع): الفتح أكثرُ عند مشايخنا، ووقع لجماعةٍ الضم، والأول أظهر"(2)، وكذلك قوله في (جُرف):"قال صاحب (المطالع): هو عَلَى ثلاثة أميال إلى جهة الشام"(3). ويقصد بذلك كتاب: (مطالع الأنوار على صحاح الآثار) لابن قرقول.
ومثالُ رجوعه إلى كتب اللغة: قولُه: "قال ابنُ السِّكِّيت: (الحميمة) الماء يسخن، يقال: أحم لنا الماء"(4)، وكذلك قوله في (الجَرس):"قال ابنُ السكيت: الجَرس والجِرس الصوت"(5)، وكذلك قوله في (خَزِيَ):"قال ابن السكيت: إذا وقع في بَلِيِّة"(6). ويقصد بذلك كتابه: (إصلاح المنطق).
ومثالُ رجوعه إلى كتب النحو: قولُه: "قال سيبويه: (أول منك) أي: أقدم منك"(7)،
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 16.
(2)
المصدر السابق 4/ 290.
(3)
المصدر السابق 5/ 171.
(4)
المصدر السابق 4/ 317.
(5)
المصدر السابق 2/ 228.
(6)
المصدر السابق 3/ 212.
(7)
المصدر السابق 3/ 488.
وكذلك قوله في (المِربد): "قال سيبويه: هو اسم كالمطبخ، وإنما مثله به؛ لأن المطبخَ ييبس"(1)، وكذلك قوله في (فتنه):"قال سيبويه: فتَنَه: جعل فيه فتنة، وأفتنه: أوصل الفتنة إليه"(2). ويقصد كتابه: (الكتاب).
ومثال رجوعه إلى كتب أصول الفقه: قولُه في (إنما): "واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر، بل تفيد تأكيد الإثبات"(3)، وكذلك قوله في (عبادة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة):"قال الآمدي: هو على شريعة نوح"(4)، ويقصد بذلك كتابه:(الإحكام في أصول الأحكام).
أما الصيغُ التي ينقلُ بها، فتختلفُ في بنائها؛ فمنها مبنيٌّ للمعلوم، ومنها مبني للمجهول، فالمبني للمعلومُ: إما يصرِّح بالمهنة، وإما يذكرُ الاسمَ الأولَ، أو النسبَ، أو الكنية، أو اللقب، أو ينقلُ بالصفة إلى الأب.
أما تصريحُه بالاسم باعتبار المهنة، فمثل قوله:"قال القاضي عياض: في (حِراء) يُمد ويقصر".
وأما تصريحُه بالاسم فقط، فمثل قوله في (الاضطجاع):"قال عياض: الاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر"(5)، وكذلك قوله في (إني أخاف ألا أذره):"قال أحمد بن عبيد بن ناصح: الهاء عائدة على الزوج، وكأنها خشيت فراقه إن ذكرته"(6).
وأما نقلُ ابن الملقن بالنَّسَب، ففي مثل قوله عن (رُقْيَة):"قال الزمخشري: وقد يقال الذي: استرقيته بمعنى رقيته"(7). وكذلك قوله في {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} (8): "قال الداودي: وعد الصدق الذي وعد لعباده أن ينجي منهم المتقين"(9).
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 171.
(2)
المصدر السابق 6/ 107.
(3)
المصدر السابق 2/ 171.
(4)
المصدر السابق 2/ 255.
(5)
المصدر السابق 9/ 146.
(6)
المصدر السابق 24/ 573.
(7)
المصدر السابق 15/ 89.
(8)
يونس: 2.
(9)
المصدر السابق 1/ 221.
وأما نقلُه بالكنى، ففي مثل قوله عن (المزادة):"قال أبو عبيد: ولا تكون إلا من جلد يُقام بجلد ثالث بينهما، سُميت مزادة؛ لأنه يُزاد فيها جلد من غيرها"(1)، وكذلك قوله في (رجل من حديد):"قال أبو الحسن: من حَنِق شديد الغضب"(2).
وأما نقلُه باللقب، ففي مثل قوله عن (سيراء):"قال سيبويه: لم يأت فِعَلاء صفة، لكن اسمًا"(3). وكذلك قوله في (أما بعد): "قال سيبويه: معناه: مهما يكن من أمر"(4).
وأما نقله عن العالم بالصفة، ففي مثل قوله عن (أيُجْزِي):"قال ابن التين: قرأناه غير مهموز، وضبط في بعض الكتب بالهمز"(5). وكذلك قوله في (الطِيرة): "قال ابن الأثير: الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن، وهي التشاؤم بالشيء"(6).
هذا، وقد يَجمعُ بين ذكر الرجل وكتابِه، في مثل قوله في (الحديث الذي رواه فرد واحد وليس بشاذ):"قال مسلم في صحيحه: للزهري نحوٌ من تسعين حديثًا يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركُه فيها أحد بأسانيدَ جيادٍ"(7)، وكذلك قوله في (رؤية الأنبياء في السماء ومدفنهم في الأرض):"قال ابن الجوزي في مشكله: أجاب عنه ابنُ عقيل فقال: شكَّل الله أرواحَهم على هيئة صور أجسادهم"(8).
وربما عزا القولَ إلى جماعة، في مثل قوله عن (جلس إحدى عشرة):"قال النحويون: يجوز جلستُ؛ كما تقول في واحد: جلست امرأة"(9).
وقد ينقلُ ابنُ الملقن عن مجهول، في مثل قوله عن (الرُّجز): "قيل: الشرك، وقيل:
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 203.
(2)
المصدر السابق 10/ 40.
(3)
المصدر السابق 7/ 409.
(4)
المصدر السابق 7/ 551.
(5)
المصدر السابق 4/ 295.
(6)
المصدر السابق 27/ 510.
(7)
المصدر السابق 2/ 162.
(8)
المصدر السابق 5/ 243.
(9)
المصدر السابق 24/ 568.
الذنب" (1)، وكذلك قوله في (وتَكسِب المعدوم): "وروي: بضمها؛ أي: وتُكسِب المعدوم" (2).
وأما الأغراضُ التي يرجع الشارحُ من أجلها للمصدر:
فتارة يكونُ رجوعُه لعَرْض وجهٍ نحوي، ومنه قوله في {مَا يَهْجَعُونَ} (3):"قال إبراهيم: قليلًا ما ينامون، وقال أنس: يصلون طويلًا ما ينامون، وعن الحسن: كانوا يتنفلون بين العشاء والعتمة. فعلى قول إبراهيم: يجوز أن تكون (ما) زائدة أو مصدرًا مع ما بعدها، وهو قول أهل اللغة، وعلى قول أنس والحسن (ما) نافية"(4). ومنه قوله في (حلة سيراء): "قال صاحبُ (المطالع): حلة سيراء، على الإضافة
…
وقد رواه بعضُهم بالتنوين على الصفة" (5).
ويرجعُ تارةً لترجيح رأي نحوي، ومنه قوله في (جذعًا): "النصب على الحال
…
ورجح هذا القاضي عياض، وقال: إنه الظاهر" (6)، وقوله أيضا: "وقال النووي: إنه الصحيح الذي اختاره المحققون" (7).
ونجدُه قد يرجع للمصدر عند الاعتراض على وجه نحوي، ومنه قوله في (معاذ بن جبل):"واختار ابنُ الحاجب النصبَ على أنه تابع لـ (ابن)، فيصيران كاسم واحد مركب كأنه أضيف إلى جبل، والمنادى منصوب قطعًا، واعترضه ابنُ مالك، فقال: الاختيار الضم"(8). ومنه قوله في (حلة سيراء): "وقد رواه بعضُهم بالتنوين على الصفة، قال صاحب (المطالع): وأنكره أبو مروان، قال سيبويه: لم يأت فِعَلاء صفة"(9).
وقد يكون استعماله للمصدر عَضْدًا للرأي النحوي، ومنه قوله في (كخ كخ): "قال
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 312.
(2)
المصدر السابق 2/ 277.
(3)
الذاريات: 17.
(4)
المصدر السابق 9/ 69.
(5)
المصدر السابق 7/ 409.
(6)
المصدر السابق 2/ 292.
(7)
المصدر السابق.
(8)
المصدر السابق 3/ 658.
(9)
المصدر السابق 7/ 409.
الداودي: هي معربة، ومعناها: بئس، وفيها ثلاثة أوجه: فتح الكاف وتنوين الخاء؛ كذا في رواية أبي الحسن" (1)، ومنه قوله في (إذ يخرجك قومك): "استُعمل فيه (إذ) في المستقبل كـ (إذا)، وهو استعمال صحيح؛ كما نبه عليه ابن مالك" (2).
وربما يُدحِض حجةَ قائلٍ، ومنه قوله في (ما أنا بقارئ): " (ما) هنا نافية
…
وغلط مَن جعلها استفهامية؛ لدخول الباء في خبرها" (3)، ومنه قوله في {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (4): "وزعم أبو عبيدة أن (لا) هنا بمعنى الواو، وهو خطأ عند حذاق النحويين" (5).
هذه أبرزُ الأمور التي جعلت الشارحَ يعتمدُ فيها على مصدر الرجال، مع ما لحِظناه من تنقُّله بين فنون العلوم، وطرائقه التي يُعبر بها عن المصدر. حيث تبيَّن متانةُ شرح ابن الملقن، وغاية اهتمامه في شرح الجامع الصحيح.
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 577.
(2)
المصدر السابق 2/ 292.
(3)
المصدر السابق 2/ 260.
(4)
البقرة: 150.
(5)
المصدر السابق 22/ 58.