الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الثاني: الأسماءُ المُعرَبة
وفيه مسائلُ:
مسألة
التقدير عند اتحاد الشرط والجزاء، أو المبتدأ والخبر
في قوله عليه السلام: "
…
فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله
…
" (1).
قال ابن الملقن:
"لا بد من تقدير شيء؛ لأن القاعدةَ عند أهل الصناعة: أن الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر؛ لا بد من تغايُرِهما، وهنا وقع الاتحادُ، فالتقدير: فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله نيةً وعَقدًا، فهجرتُه إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا"(2).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن أنه لا بد من تقدير شيء عند اتحاد الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر؛ كما هو مُقرَّر عند أهل الصناعة، والأصلُ في جواب الشرط وخبرِ المبتدأ الإفادةُ والتغايُر، فلا يجوزُ في الشرط والجواب أن يقال مثلًا:(إنْ قامَ زيد قامَ)، كما لا يجوزُ في الابتداء:(زيدٌ زيدٌ)؛ لعدم وجود الفائدة، فإن دخله معنًى يُخرجه للفائدة فجائزٌ هذا التركيبُ، نحو:(إن لم تُطِع الله عصَيت)، فأُريدَ به التنبيهُ على العقاب؛ فكأنه قال: وجب عليك ما وجب على العاصي (3).
(1) صحيح البخاري 1/ 6، كتاب بدء الوحي، باب 1.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190.
والمقصود بأهل الصناعة: النحاة؛ لأن من النحاة من حد النحو بأنه صناعة، كما قال صاحب (المستوفَى):"النحو صناعة علمية يَنظر لها أصحابها في ألفاظ العرب من جهة ما يتألف بحسب استعمالهم"، ونقل السيوطي عن صاحب (البديع) الحد الذي وضعه للنحو فقال:"وقال صاحب (البديع): النحو هو صناعة علمية يعرف بها أحوال كلام العرب من جهة ما يصح وما يفسد". ومما سبق عرفنا أن النحو يوصف بأنه صناعة، فما المقصود بالصناعة؟ ولم سمي النحو صناعة؟ عرَّف ابن الطيب الفاسي الصناعة فقال:"العلم الحاصل بالتمرن؛ أي: قواعد مقررة وأدلة محررة". أما من حيث التسمية فقد ذكر تمام حسان سبب تسمية النحو صناعة؛ وذاك لأنه تتوفر فيه خصائصُ العلم المضبوط؛ وهي: الموضوعية، والشمول، والتماسك، والاقتصاد، نقلا: المستوفى 45، الاقتراح 12، فيض نشر الانشراح 1/ 218، الأصول لتمام حسان 20.
(3)
همع الهوامع 2/ 554، شرح التسهيل 1/ 304، شرح التصريح على التوضيح 1/ 426.
ومثالُ اتحاده في الابتداء ما ذكره سيبويه: " (قد جرَّبتُك فوجدتُك أنت أنت)، فأنتَ الأولى مبتدأة، والثانية مبنيةٌ عليها، كأنك قلت: فوجدتُك وجهُك طليقٌ، والمعنى: أنك أردت أن تقول: فوجدتُك أنت الذي أعرفُ"(1)، فهذا التركيب جائزٌ لوجودِ معنًى أعطى فائدةً.
ومثلُه قولُ أبي خِراش (2):
رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ
…
فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتَ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ (3)
والمعنى: هم الذين يَطرُدونني، وهم الذين يطلبون دمي.
ومما جاء وظاهرُه اتحادُ الشرط والجزاء: قوله عليه السلام: "
…
إن كان مِن أهل الجنة فمِن أهل الجنة
…
" (4).
فظاهرُ الحديث اتحادُ الشرط والجزاء، لكنهما متغايران في التقدير، ولعل تقديره: فمقعدُه من مقاعدِ أهل الجنة (5).
ومن خلال ما سبق يتبيَّنُ أن النحاةَ يرون أن الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر؛ لا بد فيهما من إفادةٍ وتغايُر، وابنُ الملقن عند شرحه لحديث "
…
فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله
…
" سار على ما هو مقرر عند النحويين.
(1) الكتاب 2/ 359.
(2)
هو: أبو خراش خويلد بن مرة، أدرك الإسلام شيخًا كبيرًا، ووفد على عمر ومات في خلافته، ت: 15 هـ، وترجمته في: الأغاني 21/ 148، الأعلام للزركلي 2/ 325.
(3)
من الطويل، الأغاني 21/ 148، الخصائص 1/ 248، الخزانة 1/ 440.
(4)
صحيح البخاري 2/ 99، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي.
(5)
فتح الباري 3/ 243، طرح التثريب 3/ 306، إرشاد الساري 2/ 467، التيسير بشرح الجامع الصغير 1/ 128.