الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
بين زيادة (كان) وتقدير (كاد)
في قول أنس بن مالك رضي الله عنه: "انتظَرْنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة، حتى كان شطرُ الليل يبلغُه"(1).
قال ابن الملقن:
"وقوله: (كان شطر الليل يبلغه)، قيل: إن (كان) هنا زائدة. قال ابنُ بَطَّال: التقدير: (حتى كان شطر الليل، أو كاد يبلغُه)، والعرب قد تحذف (كاد) كثيرًا من كلامها لدلالة الكلام عليه، كقولهم في: (أظلمت الشمسُ)؛ كادت تُظلم، ومنه قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (2)، أي: كادت من شدة الخوف تبلغُ الحلوقَ"(3).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن قولًا بأن (كان) زائدة، وبيان ذلك فيما يلي:
اختلف العلماء في (كان)؛ فمنهم من يرى أنها تأتي زائدة (4)، ومنهم من قال بأنها تأتي فقط تامة أو ناقصة (5).
أما كونها زائدة؛ فلوقوعها وسطَ الكلام، وقد أشار ابنُ مالك إلى ذلك بقوله (6):
وقد تُزادُ (كانَ) في حَشْوٍ كـ (ما
…
كانَ أصحَّ علمَ مَن تقدَّما)
ومن شواهد وقوعها زائدةً: ما أنشده الفراء (7):
سَراةُ بَنِي أبي بكرٍ تَسامَى
…
على كانَ المُسوَّمةِ العِرَابِ (8)
أما كونُها تامة؛ فلاكتفائها بالمرفوع، والمعنى: كان الشطرُ؛ أي حصل، وقد تكون ناقصةً،
(1) صحيح البخاري 1/ 123، باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء.
(2)
الأحزاب: 10.
(3)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 293.
(4)
شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/ 224.
(5)
الكواكب الدراري 4/ 236، فتح الباري 2/ 74، إرشاد الساري 1/ 516.
(6)
ألفية ابن مالك 190.
(7)
لم أعثر على قائل النص حسب اطلاعي، نقلًا: ضرائر الشعر 1/ 78.
(8)
البيت من الوافر، اللمع في العربية 1/ 39، ضرائر الشعر 1/ 78، شرح الكافية الشافية 1/ 70، وروي بلفظ مختلف: سراة بني أبي بكر تساموا، علل النحو 1/ 249.
فتنصب (يبلغُه) محلًّا.
والذي يترجَّح في النص السابق أنها تامة أو ناقصة، وذلك لأمور:
1 -
أن صواب اللفظ في هذا الحديث: هو ما رواه الأعمش: (حتى قرب نصف الليل، أو بلغه)(1).
2 -
شذوذ زيادة (كان) بين الجار والمجرور (2)، إذ (حتى) بمعنى (إلى)، والتقديرُ: إلى نصف الليل.
3 -
قول أبي حيان عن البيت السابق: ولم يُحفظ في غير هذا البيتِ، أي: زيادة (كان) بين الجار والمجرور (3).
وبهذا، يُضعَّف قول من قال بزيادتها.
أما حذفُ (كاد) فالعلماءُ فيه على قولين:
1 -
مَن يُجيز حذفَ (كاد)، ويجعل منه قوله تعالى:{وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (4)، أي: كادت القلوب (5)، ومن ذلك قول العرب:(أظلمت الشمس)؛ أي: كادت تُظلم (6).
2 -
مَن يمنعُ حذفَ (كاد) إلا لدليل؛ لأن المشهور عند النحويين أنه إذا دلَّ على خبر هذا الباب دليلٌ جاز حذفُه، كما يجوزُ في غير هذا الباب حذفُ ما ظهر دليلُه (7).
وذكر ابن الأنباري أن (كاد) لا يُضمر ولا يُعرف معناه إذا لم يُنطق؛ بحجة أنه لو جاز إضمارُه لجاز (قام زيد) بمعنى (كاد يقومُ)، فيكون الحاصل أن (قام زيد) بمعنى (لم يقم زيد)(8)؛ وهذا تأويل فاسد.
(1) حديث السراج 3/ 98، نقلا: شرح ابن بطال 2/ 224.
(2)
شرح ابن عقيل 1/ 291، التصريح بمضمون التوضيح 1/ 251، همع الهوامع 1/ 438.
(3)
نقلًا: همع الهوامع 1/ 438.
(4)
الأحزاب: 10.
(5)
غريب القرآن لابن قتيبة 1/ 248.
(6)
تأويل مشكل القرآن 1/ 107، التفسير البسيط 20/ 111، زاد المسير 4/ 92.
(7)
شرح الكافية الشافية 1/ 77.
(8)
نقلًا: التفسير البسيط 18/ 187، زاد المسير في علم التفسير 3/ 451.
ورأى صاحبُ (باهر البرهان)(1) أن هذا التأويلَ صحيحٌ غير فاسد، لأن إضمار (كاد) أكثرُ من أن يحصى (2)، ولكن العبرة بحسب الموضع المحتمل، ودلالة الكلام، ومن ذلك قولُهم:(أوردتُ عليه من الإرهاب ما مات عنده)، أي: كاد يموت، وكذا قولُ جرير:
إنَّ العُيونَ التي في طَرْفِها مَرَضٌ
…
قَتَلْنَنَا ثم لم يُحْيِينَ قَتْلَانا (3)
أي: كدن يقتُلننا.
فالذي يظهرُ أن حذف (كاد) جائزٌ إن دل عليه دليلٌ.
(1) هو: أبو القاسم محمود بن أبي الحسن علي بن الحسين النيسابورى الغزنوي، ويعرف بـ: بيان الحق، ت: 553 هـ، وترجمته في: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب 6/ 2686، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 2/ 277.
(2)
باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن 2/ 1126.
(3)
البيت من البسيط، وروي بلفظ آخر:
إن العيون التي في طرفها حوَرٌ
…
قتلننا ثم لا تحيين قتلانا
ديوانه 163، الشعر والشعراء 1/ 68، المقتضب 2/ 173، شرح المفصل لابن يعيش 3/ 223.