الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
وجه الإعراب في (والوضوء أيضًا) بالرفع والنصب
في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "
…
فقال: والوضوءُ أيضًا، وقد علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرُ بالغُسل؟ " (1).
قال ابن الملقن:
"وقوله: (والوضوء أيضًا؟ ) كذا هو بإثبات الواو، ورُوي بحذفها، والأولُ يفيدُ العطفَ على الإنكار الأول
…
وقال القرطبي: الواو عوضٌ من همزة الاستفهام؛ كما قرأ ابن كثير {قَالَ فِرْعَوْنُ وآمَنتُم بِهِ} (2)
…
وأما مع حذف الواو فيكونُ -إن صحَّت الرواية- إما لأنه مبتدأ وخبرُه محذوف، التقديرُ: الوضوء عذرُك أو كفايتُك في هذا المقام؟ أو لأنه خبرُ مبتدأ محذوف، التقديرُ: عذرك وكفايتُك الوضوءُ؟ ويجوز في (الوضوء) الرفعُ على أنه مبتدأ وخبرُه محذوف، التقديرُ: الوضوءُ تقتصرُ عليه؟ ويجوزُ أن يكون منصوبًا بإضمار فعل، التقديرُ: فعلتَ الوضوءَ وحده؟ أو توضأتَ؟ " (3).
بيان المسألة:
ذكر ابنُ الملقن روايتين لقول عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه وخرَّج كلَّ رواية على حدة، وبيانُ ذلك فيما يلي:
يرى ابنُ الملقن صحة رواية إثباتِ الواو في (والوضوء
…
؟ ) لكون هذه الواوِ عاطفةً على الجملة التي قبلها (أية ساعة هذه؟ )، غير أنه شكَّ في صحة رواية حذفِ الواو بقوله: إنْ صحَّت الرواية.
وهذه الرواية مذكورة في مصادر متون الحديث الأصلية (4).
وتُخرَّج هذه الروايةُ عند الرفع إما بكون (الوضوء) مبتدأً وخبرُه محذوف، والتقدير: الوضوءُ تقتصر عليه، أو خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقديرُ: عذرك الوضوءُ. وعند النصب بإضمار فعل،
(1) صحيح البخاري 2/ 2، باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة، أو على النساء.
(2)
الأعراف: 123.
(3)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 7/ 383.
(4)
موطأ مالك 101/ 336، مسند الشافعي 1/ 18.
والتقديرُ: (فعلتَ الوضوءَ وحده)، وكلا الوجهين جائز.
وقال السُّهَيلي: إن الرواة اتفقوا على الرفع؛ لأن النصب يُخرجه إلى معنى الإنكار (1).
ولا أدري أيقصدُ السهيلي أن الوضوء وحده يكفي لصلاة الجمعة؟ فلا يكونُ الأمر بحاجة إلى إنكاره، أم أن الإنكار لا يكونُ إلا على شيء محرم، ولذا لم يحمله على ترك الأفضلية والسبق؟
فمَن وجَّه رواية إثبات الواو جعل (الوضوء) معطوفًا على الإنكار الأول، والتوبيخَ على تأخر المجيء إلى الصلاة، وتركِ السبق إليها في أول وقتها، وهذا من أحسن التعريضات وأرشقِ الكنايات، كما وصفه ابنُ الملقن، وقولُ السهيلي وصفه ابنُ حجر بالغرابة بقوله: وأغربَ السهيلي (2).
أما قول القرطبي بأن الواوَ عوضٌ من همزة الاستفهام، كما في قراءة ابن كثير (3) في قوله تعالى:{قَالَ فِرْعَوْنُ وآمَنتُم بِهِ} (4).
فقد رُد عليه بأن تخفيف الهمزة بإبدالها واوًا صحيحٌ في الآية؛ لوقوعها مفتوحةً بعد ضمة؛ لأن أصله (قال فرعون أآمنتم)، وأما في الحديث فليس كذلك؛ لوقوعها مفتوحةً بعد فتح؛ لأن أصله (فقالَ أَالوضوء)، فلا وجه لإبدالها فيه واوًا كما هو مقررٌ عند النحويين والصرفيين؛ في أن الهمزة المفتوحة المفتوحَ ما قبلها لا تُقلب واوًا (5).
وقيل: إن الصواب في ذلك أن (آلوضوء) بالمد على لفظ الاستفهام، كقوله تعالى:{آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} (6)، فهمزةُ الاستفهام داخلةٌ على همزة الوصل (7)، فتُسهل الهمزة (8).
(1) نقلًا: فتح الباري 2/ 360.
(2)
المصدر السابق.
(3)
معاني القراءات للأزهري 1/ 419، السبعة في القراءات 290.
(4)
الأعراف: 165.
(5)
الكتاب 3/ 554، شرح شافية ابن الحاجب 3/ 34، شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 375.
(6)
يونس: 59.
(7)
شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 375.
(8)
شرح شافية ابن الحاجب 3/ 47.
ومما سبق يتبيَّن لنا صحةُ رواية حذف الواو بالاستناد إلى مصادرَ أصليةٍ في تخريج الراويات، وأن رأي الإمام القرطبي فيه نظر.