الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
اختصاص (الباء) بخبر (ما) النافية دون الاستفهامية
في قوله عليه السلام: "ما أنا بقارئ"(1).
قال ابن الملقن:
" (ما أنا بقارئ): (ما) هنا نافيةٌ، واسمُها: (أنا)، وخبرُها: (بقارئ)، والباء: زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أُحسِنُ القراءة، وقد جاء في رواية: (ما أُحْسِنُ أن أقرأ)، وغُلِّط مَن جعلها استفهاميةً؛ لدخول الباء في خبرها، وهي لا تدخلُ على (ما) الاستفهامية، واحتجَّ مَن قال استفهامية بأنه جاء في روايةٍ لابن إسحاقَ: (ما أقرأ؟ )، أي: أيٌّ أقرأ؟ ولا دلالةَ فيه؛ لجواز أن تكون (ما) هنا نافية أيضًا"(2).
بيان المسألة:
ذكر ابنُ الملقن رواياتٍ ثلاثًا للحديث، وبيَّن أن (ما) في هذه الرواية (ما أنا بقارئ) نافيةٌ، وخطَّأ مَن جعلها استفهامية، وبيانُ ذلك فيما يلي:
اختلف شراحُ الحديث حول معنى (ما)؛ فمنهم مَن جعلها نافيةً، ومنهم مَن جعلها استفهامية، فمَن جعلها نافية (3) احتجَّ بقول النحويين: إن (ما) النافيةَ يكثُر دخولُ الباء على خبرها؛ لتأكيد النفي (4).
قال ابنُ مالك:
وما لِـ"ما" عندَ تَمِيمٍ عَمَلُ
…
لأنها حرفٌ لدَيْهِمْ مُهمَلُ
وبعدُ بالبا قد يَجرُّونَ الخَبَرْ
…
كغيرِهم وذا كثيرٌ اشتَهَرْ
(1) صحيح البخاري 1/ 7، باب بدء الوحي.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 260.
(3)
إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 483، مطالع الأنوار على صحاح الآثار 4/ 6، شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى 113، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 2/ 199، فتح الباري 1/ 24.
(4)
اللامات 72، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 134، شرح الكافية الشافية 672، شرح الأشموني 1/ 259، الاقتراح في أصول النحو 134.
ومنه قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (1).
ومنه قولُ الفرزدق:
لعَمْرُكَ ما مَعْنٌ بِتاركِ حَقِّهِ
…
ولا مُنْسِئٌ مَعْنٌ ولا مُتيَسِّرُ (2)
ومَن جعلها استفهاميةً احتجَّ برواية ابنِ إسحاقَ: "ما أقرأُ؟ "(3)، وبما رُوي عند ابن عقبةَ في مَغازِيه (4)، وعند البيهقي في دلائلِه (5):"كيف أقرأُ؟ "، وأنكر العينيُّ على مَن جعل هذه الرواية نافيةً مع صريحِ الاستفهام فيها (6).
أما المنعُ من أن تكون (ما) استفهاميةً لاقتران الخبر بالباء؛ فقد جوَّز الأخفشُ أن تكون (ما) استفهاميةً مع الاقتران (7)، ولكن ذكَر غيرُ واحد أن ذلك قليلٌ أو شاذ، فالصوابُ أن الباء زائدةٌ لتأكيد النفي (8). وأما مَن احتج برواية ابن إسحاقَ وغيرِها، فالرواية تحتملُ الاستفهام، ولكن ما رُوي في الصحيحين يبعُد أن يكون استفهامًا؛ لاقتران الخبر بالباء، ويجوزُ أن تكون (ما) في هذه الرواية نافيةً (9).
ومما سبق يمكنُ القول بأن (ما) في (ما أنا بقارئ) و (ما أقرأ)(10) نافية؛ لِمَا ذُكر من توجيهٍ حول قول من قال بأنها استفهامية، وليتفق معنى الروايتين.
(1) فصلت: 46.
(2)
البيت من الطويل، ديوانه 270، الكتاب 1/ 63، شرح أبيات سيبويه 1/ 131، همع الهوامع 1/ 467.
(3)
مسند إسحاق بن راهويه 3/ 970، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار 2/ 204، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث 2/ 867.
(4)
مغازي ابن عقبة 63.
(5)
دلائل النبوة 2/ 142.
(6)
عمدة القاري 1/ 57.
(7)
نقلًا: شرح المفصل 4/ 476، عمدة القاري 1/ 57.
(8)
فتح الباري 1/ 24.
(9)
إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 482، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 2/ 199، عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد 3/ 191.
(10)
ذكر ابن الملقن رواية "ما أحسن أن أقرأ" فلم أجدها -حسب اطلاعي- في متون الحديث، إنما وجدتها عند شراح الحديث، فمنهم من جعلها رواية، ومنهم من جعلها تفسيرا للنفي، وذكر ذلك في: عمدة القاري 1/ 54، إرشاد الساري 1/ 63 - 7/ 426.