المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: الإيجاز والإطناب لديه - المسائل النحوية في كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح

[داود بن سليمان الهويمل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أولًا- التعريفُ بالموضوع:

- ‌ثانيًا- أهميةُ الموضوع وأسبابُ اختياره:

- ‌ثالثًا- مشكلةُ البحث وتساؤلاتُه:

- ‌رابعًا- أهدافُ البحث:

- ‌خامسًا- الدراساتُ السابقة:

- ‌سادسًا- منهجُ البحث:

- ‌سابعًا- خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌أولًا: ابنُ الملقن (حياتُه وآثارُه)

- ‌أ- اسمُه ونسبُه:

- ‌ب- مولدُه ونشأتُه:

- ‌ج- آثارُه ومؤلفاتُه:

- ‌د- وفاتُه:

- ‌ثانيًا: كتابُ (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)المحتوى والقيمة

- ‌ثالثًا: الحديثُ النبوي وأثرُه في التقعيد النحوي

- ‌القسمُ الأولدراسةُ المسائل

- ‌الفصلُ الأول:مسائلُ الأسماء

- ‌المبحثُ الأول: الأسماءُ المبنية

- ‌مسألةاستعمالُ (مَن) و (ما) الموصولتَينِ للعاقل وغيرِ العاقل

- ‌مسألة(ما) الاستفهاميةُ، وزيادةُ هاء الوقف عليها عند الوقف

- ‌مسألةالرفعُ والنصبُ للمنادى العلمِ المعرفة

- ‌مسألةانفصالُ ثاني الضميرَينِ مع إمكانِ الاتصال

- ‌مسألةتوكيدُ المتصل المنصوبِ بالمنفصل المرفوع

- ‌مسألةأسماءُ الأفعال والأصواتُ بين البناء والإعراب

- ‌مسألةإضافةُ الاسم إلى ما هو بمعناه في النداء

- ‌مسألةالتقارُضُ بين (إذْ) و (إذا)

- ‌مسألةما جاء على وزن (فَعَالِ) بين الإعراب والبناء

- ‌المبحثُ الثاني: الأسماءُ المُعرَبة

- ‌مسألةالتقدير عند اتحاد الشرط والجزاء، أو المبتدأ والخبر

- ‌مسألةوجه النصب في: (يا ليتني فيها جَذَعًا)

- ‌مسألةحذف المضاف إليه وترك المضاف على هيئته قبل الحذف

- ‌مسألةوجه الإعراب في قوله: (عليك ليلٌ طويلٌ) بالرفع والنصب

- ‌مسألةحذف المنعوت وإقامة النعت مكانَه

- ‌مسألةإضافة العدد المركَّب إلى تمييزِه

- ‌مسألةضبط (أمَّا بَعْدُ) بين الإعراب والبناء

- ‌مسألةعلة منع (مَثْنَى) من الصَّرْف

- ‌مسألةورود (فِعَلاء) وصفًا

- ‌مسألةوجه الإعراب في (والوضوء أيضًا) بالرفع والنصب

- ‌مسألةأسماء الأماكن بين المنع والصرف

- ‌مسألةالفعل (نظر) بين التعدي واللزوم

- ‌مسألةأوجُه الإعراب في (رجل آتاه الله مالًا)

- ‌مسألةأوجُه الإعراب في (لا سَهْل فيرتقى)

- ‌مسألةنصب المفعول به بعد الفعل المبنيِّ للمجهول

- ‌مسألة(نوح) بين الصرف والمنع

- ‌مسألةالنصب في الاستثناء المفرَّغ

- ‌مسألة(صَفَر) بين الصرف والمنع

- ‌مسألة(حِرَاء) بين الصرف والمنع

- ‌مسألة(هذه مكان عمرتك) بين الرفع والنصب

- ‌مسألة(أيٌّ) غير المضافة

- ‌مسألةسقوط ميم (فم) في حال الإضافة

- ‌مسألةاستعمال اسم المفعول من فعلٍ لازم دون حرف جر

- ‌الفصلُ الثانيمسائلُ الأفعال

- ‌المبحثُ الأول: الأفعالُ المبنيَّة

- ‌مسألة(نِعْمَ) و (بِئسَ) بين التصرُّف وعدمِه

- ‌مسألة(قيل) و (قال) بين الفعلية والاسمية

- ‌مسألة(سَمِع) بين التعدي إلى مفعول واحد ومفعولين

- ‌مسألةبين زيادة (كان) وتقدير (كاد)

- ‌مسألة(كاد) بين النفي والإيجاب

- ‌مسألة(أَرَى) بين التعدِّي إلى مفعول واحد والتعدي إلى مفعولَيْن

- ‌مسألةحذف أحدِ مفعولَيِ (اتخَذَ)

- ‌المبحثُ الثاني: الأفعالُ المعربة

- ‌مسألةسدُّ (أنْ والمضارعِ) مسدَّ اسمِ (يُوشِكُ) وخبرِها

- ‌مسألةجزم المضارع بـ (لن)

- ‌مسألةورود النفي بمعنى النهي في المضارع

- ‌مسألةالمضارع بعد (حتى) بين الرفع والنصب

- ‌مسألةالمضارع بعد الطلب بين الرفع والجزم

- ‌مسألةالمضارع بين البناء للمعلوم والمجهول

- ‌مسألةالمضارع بعد (حتى) بين الجزم والنصب

- ‌مسألةاحتمال المضارع والأمر في الفعل

- ‌الفصلُ الثالثمسائلُ الحروف

- ‌المبحثُ الأول: الحروفُ العاملة

- ‌مسألةأوجُه الإعراب في (لا) النافيةِ للجنس عند التَّكرار

- ‌مسألةمجيء (في) لغير الظرفية

- ‌مسألةاختصاص (الباء) بخبر (ما) النافية دون الاستفهامية

- ‌مسألةمجيء (إلا) بمعنى الواو

- ‌مسألةمجيء (اللام) الجارةِ بمعنى (في) الظرفيةِ

- ‌مسألة(ما) النافية بين الحجازيِّين والتَّمِيميين

- ‌مسألةالتقارُض بين (على) و (عن)

- ‌مسألةدلالة (مِنْ) بين بيانِ الجِنْس والتبعيض

- ‌مسألةتَكرار (لا) الناهية

- ‌مسألةفتح الهمزة وكسرها في (أنْ كان ابنَ عمَّتِك)

- ‌مسألةمجيء (إلا) بمعنى (لكنْ)

- ‌مسألةمجيء (مِن) للمكان والزمان

- ‌مسألةسقوط الهمزة قبل (أم) العاطفة

- ‌مسألة(أو) بين العطف والغائيَّة

- ‌مسألة(حتى) العاطفة

- ‌المبحثُ الثاني: الحروفُ المهملة

- ‌مسألةمجيء (إلا) لغير الاستثناء

- ‌مسألة(لا) بين الزيادة وإفادة النفي

- ‌مسألةجواز حذف حرف النداء

- ‌مسألةدلالة (إنما) على الحصر بن المنطوق والمفهوم

- ‌مسألة(إنْ) بين المخففة من الثقيلة والنافية

- ‌مسألة(لا) المحتمِلة للزيادة

- ‌مسألة(ما) بين المصدرية والنفي والزيادة

- ‌مسألةمجيء (لَمَّا) بمعنى (إلا)

- ‌مسألةلام الابتداء في خبر (إنَّ) و (أنَّ) المشدَّدتين

- ‌القسم الثانيالدراسة المنهجية

- ‌الفصلُ الأولمصادرُه

- ‌المبحث الأول: الرجال

- ‌المبحث الثاني: الكتب

- ‌الفصلُ الثانيمنهجُه في عرض المسائل

- ‌المبحث الأول: طريقتُه في عرض المسائل

- ‌المبحثُ الثاني: الإيجازُ والإطناب لديه

- ‌المبحثُ الثالث: عرضُه للخلاف النحوي، وموقفُه من النحويين

- ‌الفصلُ الثالثأصولُ الاستدلال في دراستهللمسائل النحوية

- ‌المبحثُ الأول: السَّماع

- ‌المبحثُ الثاني: القياسُ

- ‌المبحث الثالث: الإجماع

- ‌المبحثُ الرابع: أصولٌ أخرى

- ‌المبحثُ الخامس: استعانتُه بالتعليل

- ‌الفصلُ الرابعالتقويمُ

- ‌المبحثُ الأول: الوضوحُ والغموض

- ‌المبحثُ الثاني: الدقةُ في النقل، وعدمها

- ‌المبحثُ الثالث: التبعيَّة والاستقلال

- ‌المبحثُ الرابع: تأثيرُ آرائه في مَن جاء بعده

- ‌المبحثُ الخامسُ: أثرُ بحثه النحوي في دلالة الحديث

- ‌الخاتمة

- ‌النتائج:

- ‌التوصيات:

- ‌ فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني: الإيجاز والإطناب لديه

‌المبحثُ الثاني: الإيجازُ والإطناب لديه

سار ابنُ الملقن في شرحه للحديث الشريف وتوضيحه مسارَين، يُوضح خلالهما ما يريد دراسته، فتارةً يُوجز في شرحه، وتارة يطيل ويُطنب، ومحورُ ذلك حاجةُ الموضوع لأيهما، فمثالُ ما أوجز فيه:

في قوله عليه السلام: (قيل وقال)، قال ابن الملقن:"قال ابنُ السكيت: هما اسمان لا مصدران، وقيل: هما فعلان"(1).

وربما يوجزُ ابن الملقن في شرحه مكتفيًا بقولٍ واحد من أقوال أهل العلم، مع أن المسألة تحوي أكثرَ من قول، ومثالُ ذلك في قوله عليه السلام:(كان شطر الليل يبلغه)، قال ابن الملقن: "قيل: إنَّ (كان) هنا زائدة

" (2). ولم يتطرق لمجيئها تامة أو ناقصة. ومن ذلك أيضًا: في (كخ كخ) قوله: "قال الداودي: هي معربة

" (3). ولم يتطرق لأنها قد تكون مبنية.

ومن طرق الإيجاز لديه: أنه ربما يذكر فحوى الحديث ثم يعلل لهذا المعنى، ومنه في قول عمر رضي الله عنه:(ما كدتُ أصلي العصر)، قال ابن الملقن: "مقتضى الحديث أن عمر رضي الله عنه صلى العصر قبل المغرب

؛ لأن النفي إذا دخل على (كاد) اقتضى وقوع الفعل في الأكثر" (4). ومظهر إيجازه في هذه المسألة أنه اقتصر على ما تثبته القاعدة النحوية.

وربما يذكر الحكم النحوي والترجيح دون أي توضيح أو تعليق، ومن ذلك: في قول ملك الحبشة: (فكيف كان قتالُكم إياه)، قال ابن الملقن:"فيه انفصالُ ثاني الضميرين، والاختيارُ أن لا يجيء المنفصلُ إذا تأتَّى مجيء المتصل"(5).

كذلك من طرق الإيجاز لديه أنه قد يذكر الحكم النحوي مباشرة ثم يمثِّل له قبل عرض بقية الآراء، ومن ذلك في قوله عليه السلام: (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله فهجرته

) قال ابن الملقن: "لا بد فيه من تقدير شيء

والتقدير: فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وعَقْدًا،

(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 15/ 460.

(2)

المصدر السابق 6/ 293.

(3)

المصدر السابق 10/ 577.

(4)

المصدر السابق 6/ 282.

(5)

المصدر السابق 2/ 393.

ص: 216

فهجرتُه إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا" (1).

ومن ذلك أيضًا في قوله عليه السلام: (ضربة من حديد)، قال ابن الملقن:"حذَف الموصوفَ وأقامَ الصفةَ مُقامَه"(2).

وتارة نجد أن ابن الملقن قد أوجز في شرحه واكتفى بالمعنى دون اللفظ، وذلك في مثل (ليلٌ طويلٌ) إذ قال:"والأول أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور، من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد"(3). يقصد الرفع.

هذا، وقد يورد الرأيَ النحوي دون شرحه، وذلك في (أما بعد) إذ قال:"وفي ضبطها أربعةُ أوجُه: ضم الدال، وتنوينها، ونصبها وتنوينها"(4)، ومن ذلك أيضًا في (منى) قال:"الأجود صرفُها وكتابتُها بالألف وتأنيثُها"(5).

وربما يكون إيجازُه اكتفاء بدلالة السياق، ومن ذلك في قول أبي طلحة:(أفعل يا رسول الله)، وهل هو فعل مضارع أو أمر؟ قال ابن الملقن:"والأول أولى لقوله: فقسمها أبو طلحة"(6)؛ أي: أن الفعل للمستقبل وليس للأمر، ومثل ذلك:{إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (7) قال ابن الملقن: "والقول أنه استثناءٌ أبيَنُ"(8)، إشارة بأن الاستثناء يقتضي إخراج الثاني من الأول.

وربما يوجز إيجازًا شديدًا في بعض المسائل، ومن ذلك في (صفر)، إذ قال:"والصواب (صفرًا)؛ لأنه مصروف قطعًا"(9).

كما أنه قد يوجز في المسألة بعدم عرض الأمثلة والشواهد مكتفيًا بالتعليل لِمَا اختاره من

(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190.

(2)

المصدر السابق 10/ 40.

(3)

المصدر السابق 9/ 89.

(4)

المصدر السابق 7/ 551.

(5)

المصدر السابق 3/ 388.

(6)

المصدر السابق 15/ 212.

(7)

البقرة: 150.

(8)

المصدر السابق 22/ 58.

(9)

المصدر السابق 11/ 252.

ص: 217

الأوجه، ومن ذلك: في قوله عليه السلام: (فبكرا تزوجت)، قال ابن الملقن:"تقديره: أبكرًا تزوجت؛ لأن (أم) لا يعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام"(1).

ومثل ذلك في قوله عليه السلام: (لا تحرَّوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها)، قال:" (لا) هنا ناهية، ودخلت بعد الواو لتفيد النهيَ عن كلٍّ منهما"(2).

وربما نجد من طرق الإيجاز لدى ابن الملقن الإحالةَ إلى المظانِّ والكتب والعلماء، ومن ذلك في (إنما الأعمال بالنيات)، إذ قال:"ومحلُّ بسط المسألة كتبُ الأصول والعربية، فلا نطوِّل به"(3). ومن ذلك في (إنما)، قال: "فيه مذهبان حكاهما ابنُ الحاجب، ومقتضى كلام الإمام وأتباعِه أنه بالمنطوق

" (4).

وكذلك من طرقه في الإيجاز أنه قد يذكرُ آراءً محتملة دون التدقيق فيها، ومن ذلك في (لما أخبرتني)، قال:"يحتمل أن تكون اللام بمعنى (إلا)، و (ما) زائدة"(5).

ومن طرقه في الإيجاز، أنه قد يُلمح إلى رأيين مختلفين، دون عزوهما لمذهب بعينه، ومن ذلك في قوله عليه السلام:(عُذِّبت امرأةٌ في هرة حبستها)، قال ابن الملقن:"أي: بسببها، وأصل (في) للظرفية"(6).

ومن الطرق التي اتبعها ابنُ الملقن في الإيجاز والإطناب، أنه تارة يجمعُ بينهما في مسألة واحدة؛ ومن ذلك: في قوله عليه السلام: (فإن رأس مائة سنة منها)، قال: "على أن (مِن) تكون لابتداء الغاية في الزمان كـ (مُذ)، وهو مذهب كوفي. وقال البصريون: لا تدخل (مِن) إلا على المكان (ومنذُ) في الزمان نظيرُ (مِن) في المكان، وتأولوا ما جاء على خلافه؛ مثل قوله تعالى:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (7)، أي: من أيام وجوده؛ كما قدَّره الزمخشري، أو من تأسيسِ أول

(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 74.

(2)

المصدر السابق 6/ 264.

(3)

المصدر السابق 2/ 171.

(4)

المصدر السابق 2/ 170.

(5)

المصدر السابق 29/ 141.

(6)

المصدر السابق 2/ 444.

(7)

التوبة: 108.

ص: 218

يوم؛ كما قدَّره أبو علي الفارسي، وضُعف بأن التأسيس ليس بمكان. ومثله قولُ عائشة: ولم يجلس عندي مِن يومِ قيلَ ما قيل. وقوُل أنس: فما زلت أحبُّ الدُّبَّاءَ من يومئذ. وقولُ بعض الصحابة: مُطرنا من الجمعة إلى الجمعة" (1). فنلحظ أن ابن الملقن أطنب ومثَّل ورجَّح لرأي البصريين، وأما مذهب الكوفيين فاكتفى بما ذكره أول المسألة دون تعليق أو شرح أو ترجيح.

ومن طرق ابن الملقن في الإطناب خلال شرحه: أنه قد يذكر الأوجُه الواردة في المسألة، ثم يفصِّل كلَّ رأي على حدة، والأقوال الواردة فيه، وذلك في مثل: قول ورقة بن نوفل: (يا ليتني فيها جذعًا

). قال ابن الملقن: "قوله: (جذعًا) هكذا الرواية المشهورة هنا وفي صحيح مسلم؛ بالنصب، ووقع للأصيلي هنا وابن ماهان في صحيح مسلم:(جذعٌ)، بالرفع، فعلى الرفع لا إشكال، وفي النصب اختلفوا في وجهه على ثلاثة أوجه:

أحدها: نصبُه على أنه خبر (كان) المقدرة، تقديرُه: ليتني أكون جذعًا، قاله الخطابي والمازري وابن الجوزي في مُشكِله، وهي تجيءُ على مذهب الكوفيين كما قالوا في قوله تعالى:{انتَهُوا خَيرًا لَّكُم} (2) أي: يكن الانتهاءُ خيرًا لكم، ومذهب البصريين أن (خيرًا) في الآية منصوبٌ بفعل مضمر يدُل عليه (انتهوا) تقديرُه: انتهوا وافعلوا خيرًا لكم. وقال الفراء: انتهوا انتهاءً خيرًا لكم، وضُعف هذا الوجه بأنَّ (كان) الناصبة لا تضمر إلا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهر يقتضيها كقولهم: إن خيرًا فخير.

ثانيها: أنه منصوبٌ على الحال، وخبر (ليت) قولُه: فيها، والتقدير: ليتني كائنٌ فيها -أي: مدة الحياة- في هذا الحال شبيبةً وصحةً وقوةً لنصرتك، إذ قد كان أسنَّ وعمِيَ عند هذا القول، ورجَّح هذا القاضي عياضٌ، وقال: إنه الظاهر. وقال النووي: إنه الصحيح الذي اختاره المحققون.

ثالثُها: أن تكون (ليت) عمِلت عمَلَ (تمنَّيت) فنصبت اسمين، كما قال الكوفيون؛ وأنشدوا:

(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 584.

(2)

النساء: 171.

ص: 219

يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا" (1).

ومن طرقه في الإطناب: أنه قد يذكر المسألة بِطُولها دون إضافة أي تعليق، ومن ذلك قوله: " (مثلَ أو قريبَ) كذا في كثير من نسخ البخاري. قال القاضي: وكذا رويناه عن الأكثر في الموطأ، ورويناه عن بعضهم (مثلًا أو قريبًا)، ولبعضهم (مثلَ أو قريبًا)، وهو الوجهُ. وقال ابن مالك: يروى في البخاري (أو قريبَ) بغير تنوين، والمشهور (أو قريبًا)، ووجهُه أن يكون أصلُه (مثلَ فتنة الدجال أو قريبًا من فتنة الدجال)، فحُذف ما كان (مثل) مضافًا إليه، وتُرك على هيئته قبل الحذف، وجاز الحذفُ لدلالة ما بعده، والمعتادُ في صحة هذا الحذف أن يكون مع إضافتين؛ كقول الشاعر:

أمَامُ وَخَلْفُ المَرْءِ مِنْ لُطْفِ رَبِّهِ

كوالئُ تَزوي عَنْهُ مَا هُوَ يَحْذَرُ

وجاء أيضًا في إضافة واحدة كما هو في الحديث.

وأما رواية (قريبَ) بغير تنوين فأراد (مثل فتنة الدجال، أو قريبَ الشبه من فتنة الدجال)، فحُذف المضاف إليه، وبقي (قريب) على هيئته، وهذا الحذف في المتأخر لدلالة المتقدم عليه قليلٌ، مثل قراءة ابن مُحَيصن:{فَلَا خَوفَ عَلَيهِم} (2) أي: لا خوفَ شيءٍ، وكقول الشاعر:

أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ

سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِر

أراد: سبحانَ الله، فحذف المضافَ إليه، وترك المضافَ بحاله. يقول الشاعر: العجب منه إذ يفخر" (3).

ومن طرق الإطناب لديه: مزج أكثر من مسألة نحوية في موضع واحد، ومن ذلك في حديث أم زرع، عند قولها:(جلس إحدى عشرة نسوة)، قال: "كذا في الأصول، ووقع في مسلم بنون، وهنا: امرأة، وفي أخرى: نسوة، وللنسائي: اجتمعن، ولأبي عبيد: اجتمعت، بالتاء. قال ابن التين: وقوله: (جلس إحدى عشرة امرأة)، أي: جمعٌ، مثل: {وَقَالَ نِسوَة فِي

(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 292.

(2)

البقرة: 38.

(3)

التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 432 - 433 - 434.

ص: 220

المَدِينَةِ} (1)، قال عياض: والأحسن في الكلام حذفُ علامة التأنيث ونون الجماعة. وباب العدد في العربية: أن ما بين الثلاثة إلى العشرة مضافٌ إلى جنسه، ومن أحد عشر إلى تسعة وتسعين مميزٌ بواحد يدل على جنسه، وما بعد هذا مضافٌ إلى واحد من جنسه، وقد جاء هنا: النسوة، وهو جنس بعد إحدى عشرة، وهو خارج عن وجه الكلام، ولا يصح نصبُه على التفسير؛ إذ لا تفسير في العدد إلا بواحد. ولا يصلح إضافةُ العدد الذي قبله إليه، ووجهُ نصبه عندي على إضمار:(أعنى)، أو يكون مرفوعًا بدلًا من (إحدى عشر)، وهو الأظهر، وعلى هذا أعربوا قوله تعالى:{وَقَطَّعنَاهُمُ اثنَتَي عَشرَةَ أَسبَاطًا أُمَما} (2)، (الأسباط) بدل من (اثنتي عشرة)، وليس بتفسير فيما قاله الفارسي وغيره. وقولها:(جلس إحدى عشرة)، قال النحويون: يجوز: جلستْ، كما تقول في واحد: جلست امرأة، ولو قلت: قام الرجال جاز، ويجوز: قامت، بتقدير: قامت جماعةُ الرجال، قال تعالى:{قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا} " (3).

ومن صور الإطناب لديه: أنه قد يذكرُ أكثرَ من خمسة أقوال مع مناقشة صحتها أو خطئها ثم يرجِّح بينها، وذلك مثل:(لا يخرجكم إلا فرارًا منه)؛ إذ قال: "كذا هو بالنصب، ويجوز رفعُه، واستشكلهما القرطبي؛ لأنه لا يفيد بحكمٍ، ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار؛ وهذا محال، وهو نقيضُ المقصود من الحديث، لا جرم قيده بعضُ رواة الموطأ:(الإفرار منه) بهمزة مكسورة ثم فاء ساكنة يوهم أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يقال:(أفرَّ) رباعيًا، وإنما: يقال: (فَرَّ)، ومصدره فرار ومَفَرٌّ، قال تعالى:{أَينَ المَفَرُّ} (4)، قال جماعة من العلماء: إدخال (إلا) فيه غلط، قال بعضهم: إنها زائدة كما تزاد (لا) في مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ} (5)، أي: أن تسجد، وقال بعض النحويين:(إلا) هنا للإيجاب؛ لأنها تعوِّض ما نفاه من الجملة، ونهاه عن الخروج، فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجُكم إلا فرارًا، فأباح الخروج لغرض آخر. والأقربُ أن تكون زائدة،

(1) يوسف: 30.

(2)

الأعراف: 160.

(3)

التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 567 - 568.

(4)

القيامة: 11.

(5)

الأعراف: 12.

ص: 221

والصحيحُ إسقاطها كما قد صح في الروايات الأخر، وقال القاضي عياض: خرَّج بعضُ محققي العربية لرواية النصب وجهًا فقال: منصوبٌ على الحال، قال: فلفظة (إلا) هنا للإيجاب لا للاستثناء، قال: وتقديره: لا تخرجوا إذا لم يكن خروجُكم إلا فرارًا منه" (1).

كذا نجد عند ابن الملقن أنه: قد يورد في المسألة أكثرَ من احتمال، ومن ذلك: في (أذره) إذ قال: "والهاء في (أذره) عائدة على الخبر؛ أي: لطوله وكثرته إن بدأتُه لم أقدِرْ على إتمامه، ويعضُدُه روايةُ: ولا أقدُر قَدْرَه. وفيه تأويل آخرُ ذكره أحمدُ بن عبيد بن ناصح: أن الهاء عائدة على الزوج، وكأنها خشِيَت فراقَه إن ذكرته. وقاله الداودي أيضًا. وعلى هذا تكون (لا) زائدة، كما في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ} (2)، ويحتمل عدم زيادتها -كما ذكره القرطبي- وأنها خافت أن لا تتركه معها ممسكًا لها في صحبتها، ويحتمل -كما قال عياض- رجوعُ الهاء إلى الزوج تأولًا آخرَ، أي: إن أخبرتُ بشيء من عيوبه ونقائصه أفضى ذلك إلى ذكر شيء أقبحَ منه"(3).

وآخرُ ما وقف عليه الباحثُ من مواطن الإطناب عند ابن الملقن أنه: قد يُطنب في موطن لا يستحقُّ الإطناب، ومن ذلك: قوله عليه السلام: (حتى فرجه بفرجه)، إذ قال:" (حتى) هنا عاطفة، وعند النحويين لا تعطف إلا بثلاثة شروط: أن تعطف قليلًا على كثير، وأن يكون من جنسه، وأن يُراد به التعظيم أو التحقير، والقليل هو الفرج، والكثير هي الأعضاء، وهو من جنسها، والمرادُ به التحقير، فيكون (فرجه) منصوبًا بالعطف"(4).

(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 19/ 650 - 651.

(2)

الأعراف: 12.

(3)

التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 573.

(4)

المصدر السابق 30/ 414.

ص: 222