الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
ضبط (أمَّا بَعْدُ) بين الإعراب والبناء
في قوله عليه السلام: "
…
أما بَعْدُ
…
" (1).
قال ابن الملقن:
"في ضبطها أربعة أوجه: ضم الدال، وتنوينها، ونصبها، وتنوينها"(2).
بيان المسألة:
كلمة (أما بعد) تُقال بعد الثناء، وهي من فصيح الكلام، وتُسمى فصلَ الخطاب، إذ تفصلُ بين الثناء على الله عز وجل وبين ابتداء الخبر، وبها إشعارٌ بأن الأمور كلَّها -وإن جلت وعظمت- فهي تابعةٌ لحمد الله والثناء عليه (3)، وتعني: مهما يكُن من شيء (4)، أي: يكُن الثناءُ أولًا، وجميع المهمات تبعٌ له من أمور الدين والدنيا.
وقد يُفصل بـ (وبعد) فهي كالسابقة، فالواو تنوب عن (أما)، وهي نائبة عن (مهما)، ولذا لزِمت الفاءُ بعدها، فقد ألغز أحدُهم:
وما واوٌ لها شرطٌ يليهِ
…
جوابٌ قرنُه بالفاءِ حَتْمَا
وأجاب بعضُهم:
هي الواو التي قُرِنت ببَعْدٍ
…
وأمَّا أصلُها والأصْلُ مهما (5)
ذكر ابن الملقن أربعةَ أوجُه لضبط دالِ (أما بعد)؛ بضمها، وتنوينها، ونصبها، وتنوينها.
وبيان ذلك فيما يلي:
(بعد) عند النحويين من الظروف الملازمة للإضافة، ويُضبط آخرها بأحد حالتين: إما
(1) صحيح البخاري 2/ 10، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 7/ 551.
(3)
المصدر السابق، فتح الباري لابن رجب 8/ 261.
(4)
الكتاب 4/ 235، ونص عبارته: وأما (أما) ففيها معنى الجزاء، كأنه يقول: عبد الله مهما يكن من شيء من أمره، فمنطلق.
(5)
فتح المتعال على القصيدة المسماة بلامية الأفعال 179، حاشية السجاعي على شرح القطر 5.
الإعرابُ وإما البناءُ (1).
قال ابن مالك:
واضمُم بناءً غَيْرًا ان عَدِمْتَ ما
…
له أُضِيفَ ناويًا ما عُدِمَا
قبلُ كغَيْرُ بعدُ حَسْبُ أوَّلُ
…
ودُونُ والجهاتُ أيضًا وعَلُ
وأعرَبوا نصبًا إذا ما نُكِّرَا
…
قبلًا وما مِن بعدِه قد ذُكِرا (2)
فتُعرب نصبًا على الظرفية بلا تنوين، إذا لم يُحذف المضاف إليه، أو إذا حذف ونُوي لفظُه. فمثالُ الأول: قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} (3)، والآخرُ في مثل قول الشاعر (في رواية النصب):
أمامَ وخلفَ المرءِ من لُطفِ ربه
…
كوالئُ تزوي عنه ما هو يَحذَرُ (4)
وتُعرب بالنصب والتنوين إذا حُذف ولم يُنو شيءٌ، قال الشاعر (5):
ونحنُ قتلنا الأزدَ أزدَ شَنُوءةٍ
…
فما شرِبوا بَعدًا على لذةٍ خَمْرَا (6)
أما إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه فتُبنى على الضم، وذلك في مثل قوله تعالى:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (7)، وسببُ بنائها افتقارُها إلى المضاف إليه معنًى كافتقار الحروف.
وأجاز الفراء (أما بعدٌ) بالتنوين، وأنشد:
ونحنُ قتلنا الأزدَ أزدَ شنوءة
…
فما شربوا بعدٌ على لذةٍ خَمرَا
وقال النحاسُ: والذي أجازه الفراءُ لا حجة فيه؛ لأنه مستقيمٌ في الوزن بلا تنوين (8).
(1) شرح الكافية الشافية 2/ 962، توضيح المقاصد والمسالك 2/ 817، إحراز السعد 55.
(2)
ألفية ابن مالك 37.
(3)
الجاثية: 6.
(4)
البيت بلا نسبة، وروي بألفاظ أخرى منها:(ما كان يحذر)، ذكر في شرح التسهيل 3/ 247، شواهد التوضيح 157، همع الهوامع 2/ 197.
(5)
نسب لرجل من بني عقيل ولم يعين، معاني القرآن للفراء 2/ 321، أوضح المسالك 3/ 134، خزانة الأدب 6/ 506.
(6)
ذكر بألفاظ أخرى منها ("أسد خفية" وكذلك "بعدٌ")، عمدة الكتاب 242، شرح الكافية الشافية 2/ 965، همع الهوامع 2/ 192.
(7)
الروم: 4.
(8)
عمدة الكتاب 242.
هذه هي الأوجُه الإعرابيةُ لـ (أما بعد) عند النحاة، وذكرها ابنُ الملقن كما هي مقررةٌ عندهم.