الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
التقارُض بين (على) و (عن)
في قوله عليه السلام: "لا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ"(1).
قال ابن الملقن:
"وقولُه: (ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعض)، الشَّفُّ: النقصان والزيادة؛ شَفَّ يَشِفُّ شَفًّا: زادَ، وأشَفَّ يُشِفُّ: إذا نقَص، والاسمُ منه الشَّفُّ والشِّفُّ. قال ابن التين: أراد في الحديث: لا تزيدوا بعضَها على بعض ولا تنقصوا، وكأن الزيادة أولى، إلَّا أنَّه عدَّاه بـ (على)، و (على) مختصةٌ بالزيادة، و (عن) مختصةٌ بالنقصان، ولا يصحُّ حملُه على النقص مع (على) إلا على مذهبِ مَن يُجيز بدلَ الحروفِ بعضِها من بعض، فيَجعلُ (على) موضعَ (عن)، وفيه بُعدٌ"(2).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن أن (الشف) يعني النقصان والزيادة، وبيَّن أن الزيادة أَولى؛ لمناسبةِ معنى الحرف، وبيانُ ذلك فيما يلي:
كلمة (الشف) يعُدُّها أهل اللغة من الأضداد؛ إذ تحملُ معنيين متضادَّين: النقصان والزيادة (3)، فيحتمل المعنى:(لا تزيدوا بعضها على بعض) و (لا تنقصوا)، غير أن الحرف المُعدَّى به (على) مختصٌّ بالزيادة دون النقصان، وعُبِّر به عن معنيين متضادين! .
هذا، وقد اختَلَف النحويون في جوازِ حملِ معنَى حرفٍ على معنَى حرفٍ آخَر (4).
فأهلُ البصرة يرون أن (على) لا تخرجُ إلى معنًى سوى الاستعلاء، والاستعلاءُ زيادةٌ، ويعبرون عن النقص بـ (عن)، ولا يُجيزون إنابةَ حرفٍ عن حرف آخر؛ إبقاءً على أصلِ وضعِه،
(1) صحيح البخاري 14/ 333، باب بيع الفضة بالفضة.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 14/ 333.
(3)
الأضداد 109، معجم ديوان الأدب 3/ 32، المحكم والمحيط الأعظم 7/ 623، تهذيب اللغة 11/ 195، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم 226، تاج اللغة وصحاح العربية 4/ 1382، مجمل اللغة لابن فارس 1/ 497.
(4)
أدب الكاتب 507، المقتضب 2/ 230، الخصائص 2/ 314، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 196، اللمحة في شرح الملحة 1/ 320، الجنى الداني 476.
وما ورد على خلاف ذلك فإنه يُحمل على تأويل يقبلُه اللفظُ، أو على تضمينِ الفعلِ معنَى فعلٍ آخر، وما كان غيرَ ذلك فيُحمل على الشذوذ.
أما أهلُ الكوفة فيُثبتون للحرف أكثر من معنًى، ويُجيزون تناوُبَ الحروف؛ ومن ذلك مجيءُ (على) بمعنى (عن) و (عن) بمعنى (على)، ومنه قول ذي الإصبَع العَدْواني:
لاهِ ابنُ عمِّكَ لا أُفضِلْتَ في حسَبٍ
…
عني ولا أنت دَيَّاني فتَخْزُونِي (1)
أي: لا أفضلت في حسب عليَّ، فجعل (عن) في موضع (على)؛ وذلك يدل على أن (عن) تحمل معنى الاستعلاء.
ومنه قولُ القُحَيف العُقَيلي:
إِذا رضِيَتْ عَليَّ بنو قُشَيرٍ
…
لعمرُ اللهِ أعجبني رِضَاهَا (2)
أي: عني، وذلك يدل على أن (على) تحمل معنى المجاوزة.
وفي البيتين الماضيين ناب كلُّ حرف عن أخيه، مع أن كلَّ حرف يختلف عن الآخر (3)، وبهذا ونظائره يحتجُّ مَن يرى تناوب الحروف.
ومما سبق يتضحُ أن ابن الملقن قد أوردَ ما هو مقررٌ عند النحويين، مع ترجيحه لرأي البصريين، وذلك من خلال قوله:(وفيه بُعد)، لمن يجيزُ بدلَ الحروف بعضِها من بعض.
(1) البيت من البسيط، المفضليات 160، أدب الكاتب 513، حروف المعاني والصفات 79، الخصائص 2/ 290، خزانة الأدب 7/ 173.
(2)
البيت من الوافر، أدب الكاتب 276، الخصائص 2/ 313، الإنصاف في مسائل الخلاف 2/ 626، إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث 29، ضرائر الشعر 233.
(3)
تمهيد القواعد لناظر الجيش 6/ 2966.