الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(أَرَى) بين التعدِّي إلى مفعول واحد والتعدي إلى مفعولَيْن
في قوله عليه السلام: "يا معشرَ النساء! تصدَّقْنَ؛ فإني أُريتُكنَّ أكثرَ أهل النار"(1).
قال ابن الملقن:
" (أكثرَ) هو: بنصب الراء، على أن (أريت) يتعدى إلى مفعولين، أو على الحال إذا قلنا: إن (أفعل) لا يتعرفُ بالإضافة، كما صار إليه الفارسيُّ وغيرُه. وقيل: إنه بدلٌ من الكاف في (أُريتكُن) "(2).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن أن الفعل (أرى) يتعدى إلى مفعولين، وبيان ذلك فيما يلي:
يُستعمل الفعلُ (أَرَى) عند العرب استعمالين:
1 -
فيأتي متعدِّيًا إلى اثنين، إذا كان مِن (رأى) البَصَرِيَّةِ (3)، ومن ذلك قولُه تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} (4).
2 -
ويأتي متعدِّيًا إلى ثلاثة، إذا كان من (رأى) العِلْمِيَّةِ (5)، ومن ذلك قولُه تعالى:{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} (6).
واختلف العلماء في (أريتكن)؛ فمنهم مَن يرى أنها بَصَرِيةٌ، ومنهم مَن يرى أنها عِلمِّية.
فمَن رأى أنها بَصَرية: فلـ (أكثرَ) عنده بعدها مواضعُ ثلاثةٌ:
1 -
نصبٌ على المفعولية.
2 -
نصبٌ على الحال.
3 -
نصبٌ على البدلية من الكاف في (أريتكن).
(1) صحيح البخاري 1/ 68، باب من ترك الحائض الصلاة.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 53.
(3)
مغني اللبيب 1/ 544، شرح ابن عقيل 2/ 67، التصريح بمضمون التوضيح 1/ 390.
(4)
البقرة: 260.
(5)
شرح شافية ابن الحاجب 1/ 87، توضيح المقاصد والمسالك 1/ 571.
(6)
الأنفال: 43.
والذي يترجحُ أن (أكثرَ) بدلٌ من الكاف في (أريتكن) للأسباب التالية:
1 -
الفعل (أُرِيت) فعل مبني للمجهول، وذلك ما جعَله قاصرًا عن مفعول كان متعديًا إليه قبل الصوغ (1)، فـ (نائب الفاعل) هو المفعولُ الأول، والضميرُ (كن) مفعولٌ ثانٍ.
2 -
أن الحكم على (أكثرَ) بـ (الحالية) مخالِفٌ لِمَا هو معلومٌ عند العلماء؛ وذاك أن الحال إذا وردت معرفةً أو معرَّفة بالإضافة، حُكِم عليها بالشذوذ، وأُوِّلت إلى نكرة (2)، وإلى هذا أشار ابنُ مالك بقوله (3):
والحالُ إنْ عُرِّفَ لفظًا فاعتَقِدْ
…
تَنكِيرَه مَعْنًى كوَحْدَك اجتَهِدْ
وهذا بخلاف ما يراه الفارسي: أن الحال لا تُعرَّف بالإضافة (4)، والصحيحُ أنها تُعرف بالإضافة (5).
وبهذين السببين يترجَّحُ كونُ (أكثرَ) بدلًا من الكاف في (أريتكن)، لبُعدِها عن الخلاف.
أما مَن رأى أنها عِلْمِّية: فـ (أكثر) عنده مفعولٌ ثالثٌ لـ (أرى)، وكانت رؤيته صلى الله عليه وسلم لهن في ليلة الإسراء (6).
ومما سبق يظهرُ أنه لا مانع من التأويلين؛ فيجوز أن يكون (أرى) متعديًا إلى اثنين، قياسًا على:(أراني الله إياكن)، ومتعديًا إلى ثلاثة قياسًا على: (أُخبرت وأُعلمت ليلةَ الإسراء أنكن
…
)، وكل ذلك واردٌ عند شُرَّاح الحديث.
(1) شرح الكافية الشافية 2/ 574.
(2)
الكتاب 2/ 112، شرح التسهيل 2/ 327.
(3)
ألفية ابن مالك 32.
(4)
الإيضاح العضدي 269.
(5)
المفصل في صنعة الإعراب 120، شرح التسهيل 3/ 229، توضيح المقاصد والمسالك 2/ 787، شرح شذور الذهب للجوجري 2/ 581 - 282.
(6)
فتح الباري 1/ 406، عمدة القاري 3/ 271.