الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الخامس: استعانتُه بالتعليل
استعان ابنُ الملقن في شرحه للجامع الصحيح بأصل التعليل، مستخدمًا ذلك لأغراض متعددة؛ من أهمها: استعانتُه بالتعليل لعَضْد رأي أو دَحْضه، أو إيضاح معنى.
فمثال ما استعان فيه ابنُ الملقن بالتعليل: في قوله عليه السلام: (فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله
…
)، إذ قال ابن الملقن:"لا بد فيه من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة أن الشرط والجزاء والمبتدأ والخبر لا بد من تغايُرِهما"(1).
ومن ذلك في قول أبي طلحة: (أفعلُ يا رسول الله)، قال ابن الملقن:"هو فعلٌ مستقبل مرفوع. وقال الداودي: يحتمل أن: افعل أنت ذاك، قد أمضيتُه على ما قلتَ؛ فجعَله أمرًا، والأولُ أولى؛ لقوله: فقسَمَها أبو طلحة"(2). حيث جعل الفعل للمستقبل لدلالة الفعل (فقسمها).
ومثله في (ريح منتن)، إذ قال:"وصوابه: (منتنة)؛ لأن الريح مؤنثة"(3).
ومن ذلك أيضًا (ليلٌ طويلٌ)، إذ قال:"والرفع أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور؛ من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد"(4).
ومن ذلك في (معاذ بن جبل)، إذ قال ابن الملقن:"ويجوز في (معاذ) النصب والرفع، واختار ابنُ الحاجب النصبَ على أنه تابعٌ لـ (ابن)، فيصيران كاسم واحد مركبٍ؛ كأنه أضيف إلى (جبل)، والمنادى المضافُ منصوبٌ قطعًا، واعترضه ابنُ مالك فقال: الاختيارُ الضم؛ لأنه منادًى علمٌ، ولا حاجة إلى إضمار"(5).
ومما استعان فيه بالتعليل لعضد رأي: في قول علي رضي الله عنه: (بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبيرَ والمقدادَ)، إذ قال: "أكد الضميرَ المنصوب بـ (أنا)، كقوله تعالى: {إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190.
(2)
المصدر السابق 15/ 212.
(3)
المصدر السابق 21/ 223.
(4)
المصدر السابق 9/ 89.
(5)
المصدر السابق 3/ 658.
وَوَلَدًا (39)} (1)، وقيل: لا يؤكد بها ضمير المنصوب؛ لأنها في موضع رفع؛ ولا يؤكد المنصوب بالمرفوع" (2).
ومن ذلك أيضًا في قوله عليه السلام: (نِعمت المرضعةُ، وبِئست الفاطمةُ)، قال ابن الملقن:" (نعم) و (بئس) فعلان لا يتصرفان؛ لأنهما انتقلا عن موضعهما، فنُقلا إلى المدح والذم، فشابها الحرفَ"(3).
ومن ذلك في: (فبكرا تزوجت)؛ قال ابن الملقن: "تقديره: أبكرًا تزوجتَ؛ لأن (أم) لا يُعطَف بها إلا بعد همزة الاستفهام"(4).
أما التعليلُ الذي استعان به ابن الملقن لدحض رأي، ففي مثل (حتى أفيض)؛ إذ قال:"صوابه أُفِض؛ لأنه جوابُ الأمر"(5).
ومن ذلك أيضًا في قوله: (ما أنا بقارئ)؛ إذ قال ابن الملقن: "وغُلط مَن جعلها استفهامية؛ لدخول الباء في خبرها، وهي لا تدخل في خبر (ما) الاستفهامية"(6).
ومثلُه في (إلا خطأ)؛ إذ قال: "ولا يصح أن يكون (إلا) بمعنى الواو؛ لأنه لا يُعرف (إلا) بمعنى حرف العطف، ولأن الخطأ لا يُحذر، لأنه ليس بشيء يُقصد"(7).
وكذلك في قوله تعالى: {امِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} ، تعليقًا على قول الفارسي: أي من تأسيس أول اليوم، قال ابن الملقن:"وضُعِّف هذا الرأي؛ لأن التأسيس ليس بمكان"(8).
وكذلك في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (9)، قال ابن الملقن: "وخطأُ كونه في الآية بالمعنى الأول -وهو الانتظار- من وجهين: أحدهما: أنه عدِّي إلى مفعوله بـ (إلى)، وهو إذا كان بمعنى
(1) الكهف: 39.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 21/ 419.
(3)
المصدر السابق 32/ 446.
(4)
المصدر السابق 25/ 157.
(5)
المصدر السابق 11/ 540.
(6)
المصدر السابق 2/ 260.
(7)
المصدر السابق 31/ 357.
(8)
المصدر السابق 3/ 584.
(9)
القيامة: 23.
الانتظار لا يتعدى بها، وإنما يَتعدى بنفسه
…
" (1).
وكذلك في قوله عليه السلام: (ويجعلون المحرم صفرَ)، قال ابن الملقن:"والصواب صفرًا؛ لأنه مصروف قطعًا"(2).
ومن ذلك في (الإفرار) قال ابن الملقن: "وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يُقال: أفرَّ رباعيًّا"(3).
أما التعليل الذي من أجل إيضاح المعنى، فمثاله في قوله عليه السلام:(لا تحرَّوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها)، قال ابن الملقن:"و (لا) الناهية دخلت بعد الواو؛ لتُفيد النهيَ عن كلٍّ منهما"(4).
ومن ذلك أيضًا في (أنْ كان ابنَ عمتك)؛ قال ابن الملقن: "من أجل أنه ابن عمتك
…
لأن أمَّ الزبير صفيةَ بنتَ عبد المطلب عمةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم " (5).
ومن ذلك في قول عمر: (ما كدتُ أصلي العصر حتى كادت الشمسُ تغرب)، قال ابن الملقن:"مقتضى الحديث أن عمر صلى العصر قبل المغرب؛ لأن النفي إذا دخل على (كاد) اقتضى وجوبَ الفعل في الأكثر"(6).
ومن ذلك ما علَّق به ابنُ الملقن على ما استشكله القرطبي في (إلا فرار) من وجهي النصب والرفع، إذ قال ابن الملقن:"لأنه يفيد بحكم ظاهره أنه لا يجوزُ أن تخرج من الوباء إلا من أجل الفرار، وهذا محالٌ، وهو نقيض المقصود من الحديث"(7). ومن ذلك أيضًا، في (ثوبي حجر) قال:"وإنما نادى موسى عليه السلام الحجرَ نداءَ مَن يعقل؛ لأنه صدَر عن الحجر فعلُ مَن يعقل"(8).
فهذا أبرزُ ما وقفَ عليه الباحثُ من اهتمام ابن الملقن واستعانته بالتعليل.
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 33/ 323.
(2)
المصدر السابق 11/ 252.
(3)
المصدر السابق 19/ 651.
(4)
المصدر السابق 6/ 264.
(5)
المصدر السابق 15/ 347.
(6)
المصدر السابق 6/ 282.
(7)
المصدر السابق 19/ 651.
(8)
المصدر السابق 4/ 627.