الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: طريقتُه في عرض المسائل
تعدَّدت طرقُ ابن الملقن في عرض المسائل؛ فمنها ما يكون بشكل متكرر، ومنها ما يأتي عارضًا، وفيما يلي أبرزُ الطرق التي سار عليها ابن الملقن في عرض مسائله، مردوفةً بمثال أو مثالين، وذلك استكمالًا لما بدأناه من إيضاح منهج الشارح للحديث الشريف:
يركز ابنُ الملقن في دراسته للحديث -وخصوصًا في الدراسة النحوية أو اللغوية- على الموضع الذي يريدُ دراسته فحسبُ.
ومن ذلك: في قوله عليه السلام: (وجنِّبِ الشيطانَ ما رزقتنا)، قال ابن الملقن: "وقولُه: (فيما رزقتنا) أي: شيئًا رزقتنا
…
" (1).
وكذلك ما ورد في قول موسى عليه السلام: أيْ ربِّ، ثم ماذا؟ قال ابن الملقن: "وقوله (ثم ماذا)، وفي رواية:(ثم مَه؟ ) وهي (ما) الاستفهامية، لَمَّا وقف عليها زاد هاءَ السَّكْت
…
" (2).
ونجد عند ابن الملقن اهتمامًا بإيضاح المفردات الحديثية التي ستكون الدراسةُ حولها، وبيانِ معناها في السياق، وذلك قبل عرضه للمسألة.
ومن ذلك: في (مثنى مثنى)، قال ابن الملقن:"أي: اثنين اثنين، يريد ركعتين ركعتين بتسليم في آخر كل ركعتين، و (مثنى) معدول عن اثنين اثنين، فهي لا تنصرف للعدل"(3).
ومن ذلك في قوله عليه السلام: (كخ كخ)، قال ابن الملقن:" (كخ كخ): هو ردعٌ للصغار وزجرٌ"(4)، وكذلك في قوله عليه السلام:(ما يهجعون)، قال ابن الملقن: أي: ما ينامون" (5).
أما من حيث عرضُه للأحكام النحوية، فربما يذكر الحكم عن طريق الجزم، وذلك بناءً على ما أجمع عليه النحويون، ومن ذلك: في قوله عليه السلام: (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 29/ 333.
(2)
المصدر السابق 10/ 45.
(3)
المصدر السابق 8/ 166.
(4)
المصدر السابق 10/ 577.
(5)
المصدر السابق 9/ 96.
فهجرته
…
)، قال ابن الملقن: "لا بد من تقديرٍ؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة
…
" (1).
أما إذا كانت المسألة تحتملُ أكثرَ من وجه نحوي؛ فنجده يذكرُ آراء النحويين، مبينًا الإشكالاتِ التي تعترضُها، هذا، مع عزو الآراء إلى أصحابها أو إلى المذهب الذي تبنَّاها، وربما يورد علةَ تضعيفِ الرأي النحوي.
ومن ذلك في قول ورقة بن نوفل: (يا ليتني كنت جذعًا)، بعدما أورد ابن الملقن رأيَ الفراء في (يا ليتني كنت جذعًا) وأن في الجملة (كان) الناصبة المضمرة، وتقدير ذلك: انتهوا انتهاء خيرا لكم؛ قال: "وضُعِّف هذا الوجهُ بأن (كان) الناصبة لا تُضمر إلا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهر يقتضيها
…
" (2).
وربما يذكر الرأي النحوي ولا يعزوه لأحد إذا كان هذا الرأيُ محمولًا على المشهور، ومن ذلك في (يوشك أن يكون خير
…
)، قال: "و (يوشك) أحدُ أفعال المقاربة يطلُب اسمًا مرفوعًا وخبرًا منصوب المحل لا يكون إلا فعلًا مضارعًا مقرونًا بـ (أن)
…
" (3).
هذا وقد يورد الأحكامَ النحوية وآراءَ العلماء في مسألةٍ ما دون إضافة أو تعليق، ونجد ذلك جليًّا في دراسته لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(مثلَ أو قريبًا من فتنة المسيح الدجال)(4)، ومن ذلك في (بَرَّ) قوله:"قال ابن التين: وأصله ألا يتعدى بغير حرف جر، ونُقل عن بعضهم أنه قال: لعله يريد بـ (مبرور) وصفُ المصدر فتعدى إليه بغير حرف فجعله متعديًا"(5).
ومن ذلك أيضًا في (قيل وقال) قال ابن الملقن: "قال أبو عبيد: كناية عن قيل وقول، وقال ابن السكيت: اسمان لا مصدران، وقيل: فعلان"(6).
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190.
(2)
المصدر السابق 2/ 292.
(3)
المصدر السابق 2/ 565.
(4)
لولا طول آراء العلماء في الحديث المذكور، لأوردنا ما يثبت أن ابن الملقن لم يضف على ما نقل أي شيء، وما ذكرناه إشارة إلى عدم إضافة رأي على المسألة مع طولها، المصدر السابق 3/ 432 - 433 - 434.
(5)
المصدر السابق 11/ 38.
(6)
المصدر السابق 10/ 514.
ونجد عند ابن الملقن في بعض المسائل ترجيحًا لرأي معين، مع عدم التزامه بذكر سببِ الترجيح. هذا وربما يكونُ ترجيحُه مراعاةً للمعنى، ومن ذلك: في قوله عليه السلام: (عليك ليلٌ طويلٌ) لما ذكر أن رواية الرفع (ليلٌ) على الابتداء، ورواية النصب (ليلًا) على الإغراء، قال ابن الملقن:"والأولُ أولى من جهة المعنى (ليلٌ طويلٌ فارقد)؛ لأنه الأمكنُ في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد"(1).
هذا، وقد يكون تأييدُ ابن الملقن لرأي معين أو دحضُه مبنيًّا على اللفظ والمعنى، ومن ذلك في قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} (2)، قال ابن الملقن:"وخطأُ كونِه بمعنى الانتظار من وجهين: أنه عُدِّي إلى مفعوله بـ (إلى)، وإذا كان بمعنى الانتظار لا يتعدى بها، والوجه الثاني: حملُه على معنى الانتظار لا يخلو أن يُراد به منتظرة ربَّها أو ثوابَه، وعلى أيهما حُمل فهو خطأ؛ لأن المنتظرَ لِمَا ينتظرُه في تنغيص وتكدير"(3).
وفي بعض المواطن نجده يقدم ظاهر المعنى على الحكم النحوي في عرضه للمسائل، ومن ذلك في قوله تعالى:{إِلَّا خَطَئًا} (4)، قال:"ظاهرُه ليس مرادًا؛ فإنه لا يسوغُ له قتله خطأ ولا عمدًا"(5).
ومن الأمثلة على ترجيح ابن الملقن مع عدم ذكر سبب الترجيح: في كلمة (مِنَى) قال: "الأجوَدُ صرفُها، وكتابتُها بالألف، وتذكيرُها"(6).
وقد يُرجِّح ابن الملقن رأيًا قبل إيراده للآراء النحوية، ففي قوله عليه السلام (يجعلون المحرمَ صفرَ)، قال ابن الملقن: "والصواب: صفرًا؛ لأنه مصروفٌ قطعًا
…
" (7)، ومن ذلك أيضًا في (نعم وبئس) قال: "فعلان لا ينصرفان؛ لأنهما انتقلا عن موضعهما، فـ (نِعم) منقولٌ من قولك: نَعِم
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 9/ 89.
(2)
القيامة: 22.
(3)
المصدر السابق 33/ 324.
(4)
النساء: 92.
(5)
المصدر السابق 31/ 357.
(6)
المصدر السابق 3/ 388.
(7)
المصدر السابق 11/ 252.
فلان إذا أصاب نعمة، و (بئس) فلان منقولٌ من بَئِس إذا أصاب بؤسًا، فنُقلا إلى المدح والذم فشابها الحرف" (1).
كما أننا نجد من طرق ابن الملقن في عرض المسائل أنه يلخِّصُ الخلافَ النحوي على طريقة سؤال، ثم يفصِّل في ذلك، ذاكرًا الصحيح من هذه الآراء، وما قد يحتملُه النص من أوجه إعرابية، ومن ذلك: في (سمعت) قال ابن الملقن: "اختلف النحاة في (سمعت) هل يتعدى إلى مفعولين؟
…
والصحيح أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، والفعلُ الواقع بعد المفعول في موضع الحال، أي: سمعتُه حالَ قوله كذا" (2).
ومن طرق ابن الملقن في عرض المسائل النحوية: أنه ربما يكتفي بحكم نحوي واحد، ويتركُ ما سواه، مع صحة كل منهما، ومن ذلك في (حتى أفيض) قال:"صوابُه (أفض)؛ لأنه جواب الأمر"(3).
ونجده قد يذكرُ الأوجُهَ الإعرابية لمسألة ما ثم يُثبت ما ذكر برواية أخرى، ومن ذلك في (ما أنا بقارئ) قال:" (ما) هنا نافية، واسمها أنا، وخبرها (قارئ)، والباء زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أُحسِنُ القراءة، وقد جاء في رواية (ما أحسن أن أقرأ) "(4).
ومن الطرق أيضًا: أنه قد يذكر مثالًا على القاعدة النحوية ثم يبيِّن مدى انطباق شروط الحكم النحوي على هذا المثال، ومن ذلك في قوله:(حتى فرجه بفرجه) قال ابن الملقن: " (حتى) هنا عاطفة، وهي عند النحويين لا تعطف إلا بثلاثة شروط: أن تعطف قليلًا على كثير، وأن يكون من جنسه، وأن يُراد به التعظيم أو التحقير، والقليل هنا الفرج، والكثير الأعضاء، وهو من جنسها، والمراد به: التحقير، فيكون (فرجه) منصوبًا بالعطف"(5).
هذا، ونجد أحيانًا يورد آراءً نحويةً منها ما هو مؤكَّد ومنها ما هو محتمَل، ومن ذلك
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 32/ 446.
(2)
المصدر السابق 2/ 170.
(3)
المصدر السابق 11/ 540.
(4)
المصدر السابق 2/ 260.
(5)
المصدر السابق 30/ 414.
في قوله: (لا وقرة عيني)، قال: " (لا) زائدة
…
ويحتمل أن تكون نافية
…
" (1).
هذه أبرزُ الطرق التي اعتمد عليها الشارح في عرضه للمسائل، وذلك حسَبَ ما اطلع عليه الباحث.
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 304.