الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
جواز حذف حرف النداء
في رواية في قول موسى عليه السلام: "ثوبي يا حجرُ"(1).
قال ابن الملقن:
"قوله: (ثوبي يا حجر)، هو منصوبٌ بفعلٍ مضمر؛ تقديرُه: أعطني ثوبي يا حجر، أو اترُك ثوبي، فحُذف الفعل لدلالة الحال عليه، وفي مسلم:(ثوبي حجرُ) مرتين، بإسقاط حرف النداء، وإنما نادى موسى الحجرَ نداءَ مَن يعقِلُ؛ لأنه صدَرَ عن الحجر فِعلُ مَن يعقل
…
" (2).
بيان المسألة:
ذكر ابن الملقن أن في رواية مسلم: (ثوبي حجرُ)(3)، وفيه حرف محذوف وهو حرف النداء، وبيان ذلك فيما يلي:
عدَّ ابن الملقن (يا) النداء حرفًا مهملًا؛ حيث جعل المنادى منصوبًا بإضمار فعل، وهذا رأيُ سيبويه وأكثرِ المحققين (4).
أما حذفُ حرف النداء، فاختلف النحويون في جوازه؛ فالبصريون يرون أن حذفَه شذوذٌ لا يقاسُ عليه، ويرى الكوفيون أن الحذف قياسٌ مطَّرِد (5)، وهذا ما يراه ابنُ مالك بقوله:"وقولُهم في هذا أصح"(6)، وقال في شرح هذا الحديث:"ومن شواهد الحذف مع اسم الجنس المبني للنداء: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (اشتدِّي أزمةُ تنفرجي)، وقوله صلى الله عليه وسلم مترحمًا على موسى عليه السلام: (ثوبي حجرُ ثوبي حجرُ)، أراد: يا أزمةُ، ويا حجرُ، وكلامُه أفصحُ الكلام"(7).
ويرى بعضُهم أن جواز حذف حرف النداء إنما يكون مع كل اسم لا يجوزُ أن يكون
(1) صحيح البخاري 1/ 64، باب من اغتسل عريانًا في الخلوة، ومن تستر فالتستر أفضل.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 627.
(3)
صحيح مسلم 1/ 267.
(4)
الكتاب 2/ 182، اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 329، أمالي ابن الحاجب 1/ 425.
(5)
شرح الكافية الشافية 3/ 1291، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك 2/ 1056.
(6)
شرح الكافية الشافية 3/ 1291.
(7)
شرح التسهيل 3/ 387.
وصفًا لـ (أي)(1)، فلا يُقال:(هذا أقبِلْ)، كما قال الحريري في ملحته:
وحذفُ (يا) يجوزُ في النداءِ
…
كقولِهم: ربِّ استجِبْ دُعائي
وإنْ تقُلْ: يا هذِه أو يا ذا
…
فحذفُ (يا) ممتنعٌ يا هذا (2)
هذا، وحذف حرف النداء في القرآن كثير، كقوله تعالى:{يُوسُفُ أَعْرِضْ} (3)، وقوله:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} (4).
أما نداءُ غير العاقل؛ فالمشهورُ عند النحويين أن غير العاقل إذا فَعَل فِعْلَ العاقل جرى مجراه (5)، فلذا يجوزُ نداءُ الحجر لاتصافه بالجري الذي هو من فعل العاقل، ومن ذلك قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّمْلُ} (6)، وفيه نداءٌ للنمل؛ لاتصافهم بصفة مَن يسمعُ ويعقل، وقد ألغز بعضُهم في نحو ذلك بقوله:
وهل مِن مُضمَرٍ بالميمِ وافى
…
لغيرِ ذَوِي العقولِ المُدركِات
أي: في مثل قوله تعالى: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (7)، إذ استعمل ضمير مَن يعقلُ لما لا يعقل (8).
ومن خلال ما سبق يتضح أن ابن الملقن قد جرى على ما هو المعروف عند النحويين.
(1) اللمع في العربية 108، المفصل في صنعة الإعراب 68، شرح الكافية الشافية 3/ 1360.
(2)
اللمحة في شرح الملحة 2/ 625.
(3)
يوسف: 29.
(4)
آل عمران: 8.
(5)
المقتضب 2/ 225، اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 113، شرح التسهيل 1/ 78.
(6)
النمل: 18.
(7)
يوسف: 4.
(8)
الطراز في الألغاز 44.