الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الثاني: القياسُ
اعتدَّ ابنُ الملقن بأصل القياس في شرحه للجامع الصحيح، غير أنه استعمله بقلة -حسَبَما وقف عليه الباحث من خلال المسائل التي درسها- ومع ذلك، فقد تنوَّع استعمالُ ابن الملقن لهذا الأصل؛ فتارة يقيسُ على ما هو مشهور عند النحويين، وتارة يقيسُ بحمل النظير على النظير، وفي أخرى يقيسُ بحمل النظير على ضده، وفي بعض المسائل يقيس بحمل الفرع على الأصل.
فمثال ما قاس فيه على المشهور عند النحويين: في (ما) هل هي للعاقل؟ أو لغير العاقل؟ إذ قال ابن الملقن: " (ما رزقتنا) أي: شيئًا رزقتنا؛ لأن المشهور أن (ما) لِمَا لا يعقل، (ومَن) لمن يعقل، وإذا كانت (ما) بمعنى شيء، وقعت على مَن يعقل وما لا يعقل"(1). حيث حمل غيرَ العاقل على العاقل؛ لاتصافه بما يتصفُ به العاقلُ.
ومن ذلك أيضًا في (معاذ بن جبل)، إذ قال: "واختار ابنُ الحاجب النصب
…
واعترضه ابنُ مالك فقال: الاختيارُ الضم؛ لأنه منادًى علمٌ، ولا حاجة إلى إضمار" (2)؛ حيث قدَّم ما لا يحتاجُ إلى إضمار، كما هو القياس عند النحويين.
وكذلك في (حتى شطر الليل أو يبلغه)، إذ قال:
"التقدير
…
كاد يبلغه، والعرب قد تحذف (كاد) كثيرًا من كلامها لدلالة الكلام عليه، كقولهم في:(أظلمت الشمس)؛ كادت تظلم" (3).
وفي قوله عليه السلام: (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله
…
) قال: "لا بد من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة أن
…
" (4). حملًا على ما هو مشهور عند أهل اللغة.
ومن قياس النظير على النظير، في قول ورقة بن نوفل:(يا ليتني كنت جذعًا)، إذ قال ابن الملقن:"أن تكون (ليت) عمِلت عملَ (تمنَّيتُ) فنصبت اسمين"(5). فحمل عملَ (ليت) التي
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 29/ 333.
(2)
المصدر السابق 3/ 658.
(3)
المصدر السابق 6/ 293.
(4)
المصدر السابق 2/ 190.
(5)
المصدر السابق 2/ 292.
للتمني على (تمنيت)؛ لاتحادهما في المعنى.
ومن ذلك في حديث أم زرع (جلس إحدى عشرة نسوة)، إذ قال:" (نسوة)، وهو جنس بعد إحدى عشرة، وهو خارجٌ عن وجه الكلام، ولا يصحُّ نصبُه على التفسير؛ إذ لا تفسير في العدد إلا بواحد. ولا يصلحُ إضافة العدد الذي قبله إليه، ووجهُ نصبه عندي على إضمار (أعنى)، أو يكون مرفوعًا بدلًا من (إحدى عشرة)، وهو الأظهرُ، وعلى هذا أعربوا قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} (1)؛ الأسباط بدل من {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ} "(2). حيث قاس (أسباطًا) على (نسوة)؛ لأن كليهما جنسٌ، ولا يجوز أن تكون تمييزًا.
ومثله أيضًا في (نوح)؛ إذ قال: " (نوح) أعجمي، والمشهور صرفه، ويجوز تركه"(3). حملا على أن كل اسم أعجمي ثلاثي الوسط فهو مصروف.
ومن ذلك أيضًا في قوله عليه السلام: (الحب في الله
…
)، إذ قال ابن الملقن: " (في) سببية
…
كقوله عليه السلام: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل)، وكقوله في التي حبَست الهرةَ:(فدخلت النار فيها)، أي: بسببها، وأصل (في) للظرفية" (4). حيث قاس (في) في الحديث الأول، على (في) في الحديثين التاليين، مع كون الخلافِ قائمًا حول مجيء (في) للسببية.
ومن ذلك في قوله عليه السلام: (ما من أحد أغير من الله) قال: "وفي مسلم: (إنْ من أحد أغير من الله) بكسر همزة (إنْ) وإسكان النون، وهو بمعنى: (ما من أحد أغير من الله)، وعلى هذا (أغيرَ) بالنصب خبرُ (إن) النافية، فإنها تعملُ عملَ (ما) عند الحجازيين"(5). حيث حمَلَ عمل (إن) النافية على عمل (ما) النافية عند الحجازيين، إذ هما بمعنى واحد.
ومن ذلك في قوله تعالى: {قُل لَّن يُصِبَنَا} (6)، قال: "هي لغةٌ لبعض العرب؛ يجزمون
(1) الأعراف: 160.
(2)
التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 568.
(3)
المصدر السابق 2/ 118.
(4)
المصدر السابق 2/ 444.
(5)
المصدر السابق 8/ 316.
(6)
التوبة: 51.
بـ (لن) مثل (لم) " (1)، حيث حمل (ما) في الآية على لغة بعض العرب في المخالف للقواعد النحوية المشهورة.
ومن حمل النظير على نظيره: في قوله عليه السلام: (مثل أو قريب) في حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف على هيئته، قال ابن الملقن:"وجاء أيضًا في إضافة واحدةٍ كما هو في الحديث"(2). إذ لا نظير لما عند النحويين سوى ما في هذا الحديث حسب قوله.
وكذلك: في جعله الفعلَ المبني للمجهول يرفعُ فاعلًا، وينصب مفعولًا، وذلك في مثل:(لن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ)؛ إذ قال: "والدينَ على هذا منصوب
…
وهو ضبطُ أكثر أهل الشام على إضمار الفاعل في (يشاد) للعلم به" (3). والذي عند النحويين أن الفعل المبني للمجهول يرفع نائب فاعل.
ومن قياس الفرع على الأصل: في مثل (فبكرًا تزوجت)؛ قال: "تقديرُه: أبكرًا تزوجتَ؛ لأن (أم) لا يُعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام"(4). حيث جعل (الفاء) بمنزلة (همزة الاستفهام)؛ إذ الأصل في الاستفهام الهمزة.
هذا مجملُ ما استعمله ابنُ الملقن في أصل القياس في المسائل التي درسها الباحثُ.
(1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 91.
(2)
المصدر السابق 3/ 433.
(3)
المصدر السابق 3/ 84.
(4)
المصدر السابق 25/ 157.